حملت الأنباء التي رشحت عن اجتماع وزراء الري بالقاهرة المنعقد في 2- 3 ديسمبر 2019 أن وزير الري السوداني قد قدم "مقترحات" بشأن الملء الأول والتشغيل السنوي للسد الإثيوبي ، وكأن قضية السودان من السد تتوقف فقط علي كيفية ملأ السد وتشغيله. فقبل ثورة ديسمبر المجيدة ، كان الموقف السوداني المنحاز للسد أقرب لدور الوسيط بين طرفي نقيض التفاوض مصر وإثيوبيا. فبعد أن تقرر الموقف من السد بحسابات سياسية بحتة غير محسوبة بحسابات المخاطر ، ومع عدم وجود ضمانات قانونية وأخلاقية وسياسية ملزمة لأثيويا علي مجمل الانعكاسات السالبة التي تترتب علي انشاء السد والذي يقع بالمناسبة داخل الحدود السودانية. قد لا يستغرب موقف الوزير ووفده نسبة لعدم انقطاعهم عن مجري التفاوض العام ، فهم إستمرار لذات موقف النظام السابق. حيث لم تُخضِع حكومة الثورة موقف السودان التفاوضي لأي مراجعة نقدية قانونيا (وفنيا من منظور المخاطر) واستمرت بذات المنهج الذي ورثته من نظام البشير وبذات العقلية. كان علي حكومة الثورة إن كانت جادة في تبني منهج مفارق لذلك الموقف الذي كان يتبناه البشير أن تتحصل علي دراسات مخاطر للسد موثوقة وتنشر علي الملأ و تبني إستراتيجيات تفاوض علي أساس نتائج دراسات وحسابات تلك المخاطر ، وأن يُسلم ملف السد للجنة تفاوض مكونة من اختصاصيين في علم التفاوض وليس لبيروقراطيي وزارة الري الذي يفهمون بعدا واحدا للسد هو المياه وهيدرولوكيتها، بينما الموضوع يتعلق ليس فقط بالمياه ، وإنما بطبوغرافيا وديمغرافيا وجيولجية المنطقة المشيد عليها السد والمناخ وقضايا الحدود والقانون الدولي وحقوق الإنسان وحقوق الشعوب الأصيلة لاسيما وأن السد يتم تشييده في أراضي شعوب أصيلة هي شعوب بني شنقول وكما يتعلق بالبيئة وأشمل من ذلك بمخاطر الكوارث ومن ثم فإن ملف هذا السد يُعتبر ملف أمن قومي بإمتياز لا يجب أن يحتكره أصحاب تخصص واحد. علي عموم الأمر فقد اردف السيد الوزير ياسر لموقف الوساطة السابق ، موقفا جديدا في هذه الجولة متعلقا باقتراحات ملأ السد وتشغيله السنوي ، وهذا موقف ساذج يذكر بتراجيديا (ديك المسلمية) المشهورة في الأدب الشعبي السوداني ، لأنه موقف مؤسس علي قبول السد بسعته الحالية 74 مليار متر مكعب والذي يشكل خطرا ماثلا علي المجموعات السكانية أسفل النهر وكل المدن المشاطئة للنيل الأزرق في حالة انهيار السد وهو في نهاية التحليل تهديد للأمن القومي السوداني. فاذا كان الوزير يحاول أن يضمن من خلال هذا المقترح "الطيب" الأمن المائي للسودان ، فإنه لم يأخذ حساب الأمن القومي السوداني في شموله وتخطى قضية السعة الحالية، لذلك فإن هذا الموقف يعتبر موقف ساذج ويرقي لدرجة التفريط في مصير ومستقبل السودان ، لأنه يجعل اليلاد تحت تهديد خطر ماثل ودائم. إن موقف الوزير يؤكد حالة توهان تفاوضي لأن الملئ والتشغيل هي هموم مصر وشواغلها الرئيسة ذلك أن اثر السد علي مصر يتعلق بهما ، أما ما يتعلق بالسودان فهو مسألة حياة أو موت. د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية