هناك سؤال يتردد بقوة في واشنطون هذه الايام مفاده: هل ستشهر الصين سلاح الفيتو في وجه أي قرار أممي جديد يفرض عقوبات اقتصادية على إيران بسبب برنامجها النووي؟ العارفون ببواطن الامور يجيبون عن هذا السؤال ب لا. ولهم في اثبات هذا النفي جملة من الحجج هي: - خلال الثلاثين عاما التي مضت على انضمامها لنادي الاعضاء الدائمين بمجلس الامن الدولي، لم تستخدم الصين حق النقض (الفيتو) سوى 6 مرات فقط. ليس هذا وحسب، بل حتى في القضايا الجيوبوليتكية الفضفاضة لم يحدث أن انفردت الصين باستخدام الفيتو، بل غالبا ما يكون هناك عضو آخر بالمجلس يشاطرها الاعتراض. - بريطانيا وفرنسا تؤيدان بقوة موقف الولاياتالمتحدة من البرنامج النووي الايراني. - أبدت روسيا هذا العام رغبة في تحسين علاقاتها بالولاياتالمتحدة وأوربا، وأخذت تميل بالفعل إلى تأييد فرض عقوبات على إيران. إذن هناك طائفة من المعطيات التي تشير إلى أنه لن يكون هناك فيتو روسي ولا فيتو صيني. لكن في المقابل فإن تصويت الصين لصالح قرار العقوبات ليس في حكم الوارد. هذا الرأي يعززه تصريح أدلى به وزير خارجية الصين، يانغ تشي، قال فيه: "إن الصين ترى أن العقوبات تعرقل الجهود الدبلوماسية لحل الازمة" إذن، الامتناع عن التصويت سيكون على الارجح الطريق الثالث الذي ستسلكه الصين. إلا أن امتناع الصين عن التصويت سيصحبه شعور بالقلق والغضب ناشيء من ارتياب الصين في أن الدافع الاول وراء اصرار أمريكا على العقوبات على إيران يتمثل في رغبة الولاياتالمتحدة في استخدام القضية للاضرار بالصين. فالمسئولون الصينيون يرون أن ادارة أوباما ترمي بحملتها التصعيدية ضد إيران إلى إظهار الصين بمظهر القوة العظمى الوحيدة التي تقف إلى جانب إيران. الولاياتالمتحدة ظلت تعمل من أجل كسب تأييد الاتحاد الاوربي وروسيا لموقفها من إيران. وقد آتت هذه المساعي أكلها إذ غدا الاتحاد الاوربي بالفعل مناصرا متحمسا لامريكا في هذا الشأن. إن دول الاتحاد الاوربي التي سرّها أن يحل بالبيت الابيض الامريكي رئيس متعقّل وميّال للمشاورة لم تعد ترى لزاماً عليها السماح للصين بلعب دور أكبر على الساحة الدولية. وزارة الخارجية الامريكية ظلت هي الاخرى تسعى إلى استمالة دول الخليج العربية للمساهمة في وضع وتنفيذ سياسة توقف إيران عند حدّها. مساعي الولاياتالمتحدة لضمان تصويت الصين لصالح قرار العقوبات ضد إيران تضمنت إيعاز الرئيس الامريكي أوباما إلى الرئيس الصيني، هو جنتاو، أن مصالح الصين ستضرر في حال فشلت الجهود الدبلوماسية في حل الازمة مع إيران، أو في حال هاجمت إسرائيل المنشآت النووية الايرانية وارتفعت أسعار النفط بسبب ذلك. لكن ليس من الوارد أن يكون التلويح بفزّاعة الهجوم الاسرائيلي على إيران قد أقنع القيادة الصينية بالانصياع للرغبات الامريكية، بل إن محاولة التخويف هذه ربما تكون قد عززت قناعة الصينيين بأن واشنطون تستخدم هذه الورقة كمسوّغ لتوسيع نفوذها في الشرق الاوسط. إن شنّ إسرائيل هجوما عسكريا وقائياً لوأد البرنامج النووي الايراني في مهده أمر مستبعد. إن اسرائيل ما فتئت تعلن عن قدرتها وتصميمها على شن غارة عسكرية ضد إيران حتى في ظل غياب التأييد الامريكي لهذه الغارة، لكن هذه الغارة، ولوكتب لها النجاح، لن تؤدي، على الارجح، سوى إلى تعطيل البرنامج النووي الايراني لسنوات، كما أن من شأن هجوم كهذا أن يثير مشاعرالايرانيين والعالم الاسلامي ضد اسرائيل وضد الولاياتالمتحدة التي سيتعين عليها السماح للطائرات الاسرائيلية بعبور الاجواء العراقية لبلوغ أهدافها في إيران. الصين تنظر أيضا بارتياب إلى مزاعم امريكا بأن البرنامج النووي الايراني من شانه أن يُشعِل سباق تسلّح مدمّرا في منطقة الخليج العربي، وذلك لعلم الصين أنه طالما أن معظم هذه الاسلحة ستأتي من الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوربي فإن خسائر وأرباح سباق التسلح هذا سينوء بها الغرب. مساعي الولاياتالمتحدة للوقيعة بين الصين والدول العربية ستنجح على الارجح في استثارة اهتمام وقلق الصين. لأن بإمكان العرب، كما اشار حيمس فليبس، الخبير بمؤسسة هيرتج Heritage الامريكية: "أن يُخطِروا الصينيين أن تمسكهم بموقفهم المؤيد لايران سيضر بمصالحهم الاقتصادية في المنطقة العربية على المدى الطويل". وبالرغم من تعلّل الغربيين باحتمال وقوع هجوم اسرائيلي على إيران وتحذيرهم من انطلاق سباق تسلح في منطقة الخليج، فإن "نفاد صبر" الغرب المُخيف يبقى هو العامل الاول وراء موجة القلق الحالية حيال البرنامج النووي الايراني الناشيء، وهو تملمُل يبدو قريب الشبه بالتملمُل المُصطنع الذي دفع بجيوش بريطانيا وأمريكا إلى اكتساح العراق في عام 2003م. الاجراء الذي أُعلن أنه سيُتخذ لمداواة نفاد الصبر هذا—اعني فرض عقوبات دولية على إيران—لن يجدي على الارجح. فاهتمام روسيا الكبير بعلاقاتها مع إيران سيجعلها تحرص على أن لا تكون هذه العقوبات المقترحة مدمّرة للاقتصاد الايراني. وكانت الآمال في تمكن المعارضة الايرانية من إسقاط نظام الحكم في إيران قد تبخّرت هي الاخرى ولاسيما بعد التأييد الكبير للنظام الايراني الذي عسكه خروج الجماهير الايرانية بأعداد مهولة للاحتفال بالذكرى السنوية للثورة الايرانية. إذن، ووفقاً للمنطق الجيوبوليتيكي التقليدي، فإن موقف الصين الداعي إلى التدرّع بالصبر تجاه إيران ومواصلة الحوار معها يبدو أقرب إلى الصواب. لكن يبدو أن سياسة الولاياتالمتحدةالامريكية تسير في الاتجاه المعاكس، إذ نراها تعمل على تصعيد الازمة عوضاً عن تهدئتها. إذن، ما الذي ستخرج به الصين من معترك الازمة بين إيران والغرب؟ في حال لم تنفذ إسرائيل وعيدها بمهاجمة إيران ستدفع الولاياتالمتحدة المجتمع الدولي باتجاه فرض عقوبات مدمّرة على إيران يكون من نتائجها توقف صادرات إيران النفطية. وإذا تحقق هذا السيناريو فستكون الصين هي الخاسر الاكبر في الازمة بين إيران والغرب. جاء في الاخبار أن الولاياتالمتحدة أبلغت الصين أنها ستبعث وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، إلى الدول الخليجية المعادية لإيران وذلك لالزامها بسد احتياجات الصين من النفط في حال أدت العقوبات إلى توقف الصدارات النفطية الايرانية. ومهما يكن من شيء، ليس من المتوقع أن يشهد العالم ارتفاعا جنونيا في اسعار النفط. ففي ظل الحرية التي تسم النشاط الاقتصادي العالمي، وبالنظر إلى جشع منتجي النفط داخل منطقة الخليج وخارجها، فإن العالم أجمع سيألم كما تألم الصين إذا اختفى النفظ الايراني من سوق النفط العالمية. رغم أن الصين لا تشكل تهديدا للنظام العالمي، إلا أنها أكثر دول العالم استقلالا وأشدّها نفوراً من الخضوع لارادة الغير. إلا أن ثمة أدلة متزايدة على وجود أجماع في الغرب على وجوب الحد من الاعتماد على الصين كعامل استقرار مالي واقتصادي وجيوبوليتيكي. كيف تعاملت الصين مع التصعيد ضد إيران؟ ردة فعل الصين على تفاقم الأزمة بين إيران والغرب حملتها مقالة افتتاحية رئيسة نشرتها صحيفة غلوبال تايمز Global Times الناطقة باسم الحكومة الصينية في مجال الشئون الدولية تحت عنوان مثير يقول "لاينبغي لإيران والغرب أن يفكرا في ارتهان الصين" أظهر المقال الصينَ كضحية للمواجهة بين إيران والغرب. وفي محاولة للظهور بمظهر الحياد انتقدت المقالة تصلّب كل من إيران والغرب، مشيرةً إلى ما يسود لدى الطرفين من اعتقاد غير واقعي مؤداه أنهما "إذا ما ضغطا على الصين فإنها ستطأطي راسها وتنسى مصالحها الخاصة بها" . ويبدو أن الصحيفة باستخدامها عبارة "تطاطي راسها" التي توحي بالخنوع المُهين، بدلا من استخدام عبارة أخرى أكثر حيادية كأن تقول مثلا "كي تؤيد هذا الطرف أو ذاك"، قصدت تحذيرالطرفين أن هناك خطوطا حمراء لا ينبغي لهما تجاوزها. والحق أن خاتمة المقالة المعنية أوضحت بجلاء أن قلق الصين هو بالدرجة الاولى من الغرب وليس من إيران. فقد جاء فيها: "ساد في الغرب في الآونة الاخيرة رأي عام، مُفرِط السطحية، يدعو إلى استخدام قضية إيران لعزل الصين. على اصحاب هذه الدعوة أن يعلموا أن الصين قوّة ذات شأن، وأن لها مصالح يجب أن تُحترم. كما يجب على هؤلاء أن يتفهّموا معارضة الصين لقرار العقوبات. كذلك يتعيّن على الدول الكبرى أن تتخذ من التعاون والتفاوض سبيلا إلى حل ازمتها مع إيران. إن الصين دول عظيمة. وكل من يحاول قهرها أو إيذاءها سيدفع ثمناً باهظا." لهجة قوية وصارمة لا ريب. هذه المقالة الافتتاحية دليل واضح على أن الصين تعتبر نفسها هدفا مباشرا، او على الاقل هدف غير مباشر، للحملة الامريكية ضد إيران. المقالة أرادت أن تقول لادارة اوباما أنها إن كانت مهتمة بحق بعلاقتها بالصين، فلتتراجع عن سعيها لحشد التأييد لقرار العقوبات ولتسمح باستمرار المفاوضات. لكن ليس ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة ستستجيب لهذه الدعوة. إن قرار فرض العقوبات على إيران سميضي، على الارجح، إلى نهايته، وستختار الصين الامتناع عن التصويت أو تلجأ إلى الموافقة التكتيكية على القرار وذلك بغية تأجيل وقوع صدام مكشوف بينها وبين الغرب، وعندها سيتعزز موقف الولاياتالمتحدة في حلبة المنافسة القائمة بينها وبين الصين في منطقة الخليج العربي. ولو حدث ذلك فسيتعيّن على الصين التفكير في التكيّف مع وضع دولي جديد يكون فيه الغرب اقل استعداداً للتودد للصين أو احترام مصالحها. *نشرت هذا المقال صحيفة آسيا تايمز Asia Times الصادرة بالانجليزية في هونغ كونغ. ahmed dafa alla [[email protected]]