د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. أولا: النظريات الغربية في الرعاية الصحية ودور الدولة فيها: 1/ النظرية الراسماليه: لا يمكن الحديث عن موقف الراسماليه – بما هي النظام الليبرالي في الاقتصاد – من الرعاية الصحية ،إلا بعد التمييز بين المستويين النظري والتطبيقي لكليهما . المستوى النظري(خضوع الرعاية الصحية لآليات السوق): فعلى المستوى النظري نجد أن الراسماليه تستند- كنظام اقتصادي ليبرالي –إلى فكره القانون الطبيعي " القائمة على أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما ، من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة، اى دون تدخل الدولة كممثل للمجتمع "، وطبقا لهذا فان الموقف الراسمالى من الرعاية الصحية – على المستوى النظري- هو وجوب خضوع الرعاية الصحية لقوانين السوق " العرض والطلب، المنافسة الحرة ، الربح والخسارة… "، ورفض اى برامج للرعاية الصحية الحكومية ، باعتبارها شكل من أشكال تدخل الدولة المرفوض في هذه النظرية . المستوى العملى (إقرار برامج للرعاية الصحية الحكومية): أما على المستوى التطبيقي فقد اثبت واقع المجتمعات الراسماليه ذاته خطاْ هذا الموقف الراسمالى ،إذ قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة – ومن أشكاله برامج الرعاية الصحية الحكومية – مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه، وان اختلفت في مدى هذا التدخل، ذلك أن المنافسة الحرة في النظام الاقتصادي الراسمالى في المجتمعات الغربية قضت على حرية المنافسة لتنتهي إلى الاحتكار ، اى أن التجربة أثبتت أن ترك كل فرد يفعل ما يشاء سينتهي إلى أن لا يستطيع الاغلبيه فعل ما يريدون . و بعد انهيار الكتلة الشرقية، وظهور نظام عالمي جديد أحادى القطب ، ظهرت بعض الدعوات التي تلتزم الموقف النظري الراسمالى- الليبرالي – السلبي من التدخل الدوله ، إلا أن هذه الدعوات شكلت الأساس الايدولوجى للازمات الاقتصادية العالمية الاخيره التي تعصف بالنظام الاقتصادي الراسمالى العالمي ، مما أدى إلى تجدد الدعوات إلى ضرورة تدخل الدولة، ومن أشكاله برامج الرعاية الصحية الحكومية. تقويم (التناقض): وهكذا يتضح لنا أن هناك تناقض بين الموقفين النظري والعملي للنظرية الراسماليه من الرعاية الصحية،ودور الدولة فيها. 2/ نظريات نقيضه للنظرية الراسماليه: ا/النظرية الماركسية (الاشراف الحكومي المباشر على كل مجالات وقطاعات الرعايه الصحيه):الموقف الماركسي من مجال الرعاية الصحية- وغيرها من مجالات- ينطلق من الفلسفة الاقتصادية الماركسية ،التي تستند إلى المنهج المادي الجدلي والمادية التاريخية ،التي هي محصله تطبيقه على التاريخ،والتي مضمونها أن البنية الفوقية "الفن والفلسفة والأخلاق والنظم السياسية "مجرد عاكس للتطور الجدلي الحادث في البنية التحتية "أسلوب الإنتاج الذي يضم النقيضين : أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج " ،وهو ما يعبر عن نفسه في صورة صراع طبقي بين الطبقة التي تمثل أدوات الإنتاج والتي تمثل علاقات الإنتاج. وهذا التطور يتم عبر أطوار هي:الشيوعية البدائية فالعبودية فالإقطاع فالراسماليه فالشيوعية العلمية وأولى مراحلها الاشتراكية ، وفيها يجب الإلغاء الشامل للملكية الخاصة لكل أدوات الإنتاج .وبناءا على ما سبق فان الموقف الماركسي- من الرعاية الصحية قائم – على الأقل على المستوى النظري – على الإشراف الحكومي المباشر والشامل للرعاية الرعاية الصحية بكافه مجالاتها وقطاعاتها . تقويم ( نجاح تدخل الدولة فى مجال الرعايه الصحيه مشروط) : ان تجربه النظم الاشتراكية- الماركسية وغير الماركسية – في مجال الرعايه الصحية لم تثبت فشل تدخل الدولة في حل مشكله الرعاية الصحية- كما يرى المفهوم الليبرالي الراسمالى – وإنما أثبتت أن تدخل الدولة لابد أن تلازمه جمله من الشروط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والسياسية ، لكي ينجح في حل مشكله الرعايه الصحية وغيرها من مشاكل ومنها: أولا: الديموقراطيه وما يصاحبها من شفافية،وحق الشكوى من اى تقصير، وبالتالي ضمان محاسبه المقصرين.. ثانيا:تطهير القطاع العام- وما يتضمنه من مؤسسات للرعاية الصحية - من البيروقراطية والفساد . ثالثا:التمييز بين الملكية الفردية ، بما هي حق تصرف الفرد بالمال المقيد بمصلحه المجتمع،والتي يجب الإقرار بها- بما يعنى الاقرار بخضوع بعض قطاعات الرعايه الصحية للقطاع الخاص، بشرط آن يكون خاضع لرقابه الدوله ، لضمان عدم التعارض مع مصلحه المجتمع ، و الملكية الخاصة ، والتي مضمونها حق التصرف المطلق في المال، دون اعتبار لمصلحه المجتمع،والتي يجب رفضها- بما يعنى رفض خضوع الرعايه الصحية لقوانين السوق،دون اى رقابه أو تدخل للدولة، وبالتالي تحويلها إلى سلعه يتحكم بها قله ، تستهدف الربح ، ولو على حساب مصلحه المجتمع . ب/ نظرية المرض كظاهرة بيولوجيه – اجتماعيه ( تالكوت بارسنز ) (المرض ليس ظاهرة بيولوجية فحسب) : يرى تالكوت بارسنز أن المرض ليس ظاهرة بيولوجية فحسب ، بل انه ظاهرة اجتماعية أيضا ، فالمجتمع الإنساني لا يتطور تطوراً طبيعياً ، ما لم يقم الأفراد جميعاً بأداء أدوارهم الاجتماعية في كل الاوقات . فإذا تعرض احدهم لمرض من الأمراض أصبح دوره الاجتماعي شاغراً، لأنه لا يستطيع القيام بتأدية ذلك الدور المناط به اجتماعياً . والنتيجة ، إما أن يحال ذلك الدور إلى فرد سليم من الناحية الصحية ، وإما أن يبقى شاغراً دون شاغل يشغله . وهذا التبدل في الأدوار الاجتماعية يسلط ضغطاً ويولد إرباكا ضد الحركة الطبيعية للنظام الاجتماعي . وبما أن المرض عامل اجتماعي سلبي على الإنسان ، فان نزوله بعضو من أعضاء النظام الاجتماعي يضع ذلك المجتمع وجهاً لوجه أمام مسؤولياته في التعامل مع ذلك المريض . ولذلك فان الجهة التي تحدد المرض يجب ان تتمتع بشرعية قانونية يقرها النظام الاجتماعي ، حتى تستطيع تعويض الخسارة الاجتماعية التي يجلبها المرض على الفرد والعائلة والنظام الاقتصادي والاجتماعي بشكل عام…( تالكوت بارسنز / بحوث في النظرية الاجتماعية/ نيويورك /المطبعة الحرة ، 1954 م). تقويم (تجاهل الطب الوقائى) : تركز النظرية على الأمراض التي يمكن علاجها في فتره زمنيه قصيرة وتتجاهل- أو تقلل من قيمه – الأمراض المزمنة ، كما أن النظرية تركز على الطب العلاجي وتتجاهل- او تقلل من قيمه – دور الطب الوقائي. ج/ نظريه الصراع الاجتماعي (نقد تحويل الراسماليه الرعاية الصحية إلى سلعه) : ترى أن الرعايه الصحية مصدراً من مصادر القوة الاجتماعية التي اهتم بها الرأسماليون.في النظام الراسمالى، ولما كان المجتمع الرأسمالي مبنياً على المنافسة الاقتصادية ، فان المنافسة للسيطرة على النظام الصحي تحمل معها كل معاني المنافسة الاقتصادية ، لان النظام الصحي يدر على الطبقة الرأسمالية مقداراً هائلاً من الثروة ؛ ناهيك عن اندماج قادة النظام الصحي في العملية الرأسمالية ، وخصوصاً عمليات الاستثمار وما يصحبها من قدرة على تحويل القوة الاقتصادية الى قوة سياسية . وإذا كان توزيع الثروة في المجتمع الرأسمالي محصوراً في الطبقة الرأسمالية القوية ، فان النظام الصحي بكل ما يجلبه من خيرات سيكون حتماً في قبضة اليد الرأسمالية ؛ لان هذا النظام الصحي يمثل الطرف المنتصر في عملية الصراع الاجتماعي… (هاورد ويتكن/ المرض الثاني : تناقضات العناية الصحية الرأسمالية . شيكاغو : مطبعة جامعة شيكاغو ، 1986 م). (الدكتور زهير الأعرجي/ كتاب النظرية الاجتماعية في القرآن الكريم ) تقويم (تجاهل برامج الرعايه الصحية الحكومية فى الغرب): هذه النظرية تكشف التأثير السلبي للنظام الراسمالى على النظام الصحي وتحويله إلى سلعه يتحكم بها الطبقة الراسماليه ، ولكنها تتجاهل أن المجتمعات الغربية – وتحت ضغط الحركات النقابية والعمالية والحركات السياسية الاشتراكية-وضعت برامج للرعاية الصحية الحكومية ،غير الخاضعة لسيطرة الرأسماليين. ثانيا:الرعاية الصحية ودور الدولة فيها فى المنظور الاسلامى: فلسفه الطب الاسلامى والتوازن بين الأبعاد المادية والروحية للإنسان : فلسفه الطب الاسلامى تستند إلى فلسفه إسلاميه للوجود الانسانى، قائمه على أن الوجود الانسانى "المستخلف" ليس وجود بسيط ، بل هو وجود مركب من أبعاد ماديه"حسية شهاديه" وروحيه"غيبيه" متفاعلة ، وضرورة تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد المتعددة ، فهي ترفض إشباع حاجاته المادية وتجاهل حاجاته الروحية، كما ترفض إشباع حاجاته الروحية وتجاهل حاجاته المادية ،وتدعو إلى إشباع حاجاته المادية والروحية معا قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:77]. وقال تعالى(قلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). [الأعراف:32]. وهنا يجب تقرير أن علماء الإسلام قد قالوا باولويه إشباع حاجات الإنسان المادية ، على إشباع حاجاته الروحية، اولويه ترتيب لا اولويه تفضيل ، يقول الإمام الغزالي(صلاح الأبدان مقدم على صلاح الأديان) الجمع بين الدين والدنيا: فهذه الفلسفة الاسلاميه للوجود الانسانى –التي تستند إليها فلسفه لطب الاسلامى – ترفض التركيز على الدنيا وتجاهل الدين ، كما يرفض التركيز على الدين وتجاهل الدنيا ، وتقوم على الجمع بين الدنيا والدين . الوظيفة الاقتصادية للدوله وإقرار مسئوليه الدولة عن توفير الرعاية الصحية : اتساقا مع ما سبق أكد علماء الإسلام على أن للدولة فى المنظور السياسي الاسلامى وظائف دينيه ودنيويه متعددة ومتفاعلة ، يقول الماوردي (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا):أولا: الوظيفة الدينية (حراسه الدين): الوظيفة الدينية للدولة الاسلاميه تتمثل فيما أطلق عليه علماء الإسلام حراسه الدين ، ومضمونه حفظ النظام القانوني الاسلامى وقوه الإلزام فيه ، وما يقتضيه هذا الإلزام من تشريع (تقنيين) واداره وقضاء تنفيذ وتنظيم للقوه … وضمان نفاذ قواعده.الجماعة (المجتمع). ثانيا : الوظائف الدنيوية (سياسة الدنيا): أما الوظائف الدنيوية للدولة الاسلاميه فهي متعددة ، ،وقد عبر علماء الإسلام عن جملتها بسياسة الدنيا، وتتضمن الوظيفة الاقتصادية للدولة.والتي تنطلق من كون الدولة الإسلامية هي نائب ووكيل عن الجماعة المسلمة (المستخلفة أصلا من الله تعالى"مالك المال" في الانتفاع بالمال) في تحقيق مصلحتها، وبلغة علم الاقتصاد أن احد الغايات الأساسية للدولة الإسلامية هي إشباع الحاجات المادية والروحية المتجددة للجماعة كوكيل ونائب عنها ،وهذا يعنى في مجال الرعاية الصحية: ان تقوم الدولة بتوفير الرعاية الصحية الضرورية للجماعة ،وهوما يعبر عنه بلغه عصرنا بمجانية الرعاية الصحية الاساسيه. ووجوب وجود برامج للرعاية الصحية الحكومية، ودعم ألدوله للرعاية الصحية، فضلا عن رقابه الدوله على مجالاتها وقطاعاتها الخاضعة للقطاع الخاص، وأدلة ذلك : أولا: ما ورد في السيرة إن نفرا من عيينة قدموا على الرسول(صلى الله عليه وسلم) فاسلموا واستوباؤا المدينة و شكوا الم الطحال فأمر بهم الرسول(صلى الله عليه وسلم) إلى لقاحة وكان سرح المسلمين بذي الجدر ناحية قباء قريبا من عير ترعي هنالك فكانوا فيها حتى صحوا وسمنوا وكانوا استاذنوة أن يشربوا من ألبانها و ابوالها ( علي عادة القوم في التداوي في زمنهم) فأذن لهم. ثانيا:كان عمر(رضى الله عنه) يسأل عن واليه وأحواله مع رعيته وكان مما يسأل عنه عيادته المرض جميعا...فان أجاب رعية الوالي عن خصلة من الخصال بانتفائها من واليهم عزل الوالي لعدم قيامه بحق رعايته). ثالثا: مر عمر (رضى الله عنه)عند مجزئيه الشام علي قوم من المجزومين ففرض لهم شيئا من بيت المال. ________________________ - للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (http://drsabrikhalil.wordpress.com