كانت الأختان على النقيض من بعضهما ، من حيثُ الجمال... فالأولى كانت ذات جمالٍ مُبهر، خِلقةً وأخلاقًا، أمّا الثانية فقد كانت قبيحةً وشريرةً وغيورة... ولكنها كانتا رغم اختلافهما الجذري: لا تفترقان، بل كانتا تعملان معًا، وتكدحان سويَّاً لأنهما كانتا فقيرتين. وذات يوم جلستا في ظل شجرة وارفة بالقرب من قصر السلطان، فقالت الجميلة لأختها... على سبيل التمنِّي: - أتمنى أن يمر بنا السلطان، فيراني ويعجب بي فيتزوجني وأنجب منه ولداً وسيماً شجاعاً وفارساً مغواراً أسميه: (سلك الذَّهَبْ)، ثُمّ أنجب آخر، كأخيه، أسميه: (سلك الفضّة)، ثم أنجب بنتاً تقر بها أعين أخويها، يحبانها ويراعيانها كحدقات أعينهما، أسميها: (دَرْبْ السِّيْل)، وعندما تبكي (دَرْبْ السِّيْل) تكفهر السماء وترعد، وتبرق السحب، وعندما تضحك (دَرْبْ السِّيْل) تضحك معها السماءُ وتمطرُ لؤلؤاً ومرجانا! - وضربتها أختها الشريرة الغيور حتى بكت... ولأن الحظ وليد المصادفات، فقد استمع السلطان لحديثها مع أختها وبكائها منها، عندما كان ماراً بجوار الأختين دونما أن تلحظاه. وعندما عاد إلى قصره، أمر بإحضار الأختين إلى مجلسه في القصر. وما أن رآهما أمامه حتى خفق قلبه للجميلة، وقرر أن يتزوجها، وما هو إلا زمن وجيز حتى أقيمت مراسم الاحتفالات المهيبة في أرجاء المملكة. وحبلت الأخت الجميلة منه، وحان الوقت لتضع مولودها الأوّل. في هذه الأثناء كانت الشريرة قد عرفت من هي الداية التي ستشرف على عملية الولادة، فأعطتها رشوةً، واتفقت معها على أن جرواً صغيراً بدلاً من المولود. وهكذا حملت الخالة القبيحة ولد أختها الأوّل الذي احضرته لها الداية، وقذفت به إلى البحر... وطبقت نفس النظرية عند ميلاد الطفل الثاني وألقت بمولود أختها الجميلة الثاني في البحر، بعد أن وضعت مكانه قطاً. فقال السلطان الموله بحب زوجته الجميلة وهو يجد لها العذر: - ليس هناك أي غرابة، لأن من تنجب جرواً يمكن أن تلد قطاً... وفي المرّة الثالثة أنجبت الأختُ الجميلةُ بنتاً، ووضعت الداية الشريرة مكانها (فأراً)، وأعطت المولودة للخالة الشريرة، التي قذفت بالطفلة الوليدة في البحر، أُسوةً بأخويها. ولكن السُّلطانُ لم يكُن ليحتملُ التضحية في المرّة الثالثة هذه، وتوجس أن تكون زوجته الجميلة من الجان... وأمر أحد الحراس بأن يذهب بها إلى الخلاء ليقتلها، ويأتي بدمها في إبريق كدليل، بغرض التأكد من إنجازه المهمة. ولكن الحارسَ كانَ عطُوفاً بها، واستجاب لترجِّيها له وطلبها منه أن يبقيها على قيد الحياة، ولكنه اشترط عليها أن تعيش في الخفاء في الخلاء، وألا تزور المدينة أبداً، وإلا قطع السلطان رأسيهما معاَ... وقطع أصبعها الصغير (الخُنْصُر) كأمارة على قتلِه لِها... أمّا ملءُ الإبريق بالدمِ، فقد أوفاه ودفع ثمنه ديكٌ كبيرٌ كان يربيه الحارس: إذ ذبحه، وأكله، وملأ الإبريق من دمه! أمّا الأولاد الثلاثة، فقد ابتلعهم حوتٌ كبيرٌ، تزامنَ وجودُهُ على الشاطيء، سنويّاً، مع ميقات ميلاد كلٍّ منهم. وكان الحوتُ يقَلِّع من القاع إلى السطح ويقترب من القيف في مثل هذا الوقت من كل عام... وعندما كبر الولدان وأختُهما قليلاً، قذف بهم الحوتُ إلى الشاطيء، وأعادهم للبر مرّةً أخرى... وكانوا إذا ما سألهم الناس في المدينة: - من هي أمهم، ومن هو أبيهم؟ كانوا يجيبون: - أُمَّنا الحُوت وأَبُونَا الحُوت! ويسأل الناسُ الولد الأوّل عن اسمه، فيُجيب: - أنا اسمي سلك الذَّهَبْ. والثاني يُجيب: - أنا اسمي سلك الفضّة . أما البنت فتجيب: - إسمي هو دَرْبْ السِّيْل. وسمعت الخالة الشريرة الغيورة بأمر أؤلئك الأولاد القادمين من البحر، والذين يعيشون في الشاطيء... وذهبت اليهم في البيت، والتقت بدَرْبْ السِّيْل،فسألتها عن اسمها وأسمي أخويها... ولمّا أجابتها دَرْبْ السِّيْل، أيقنت الخالةُ الشريرة، أنهم أولاد أختها. وسألتهم عن أمهم وأبيهم، فأجابُوها كما كانوا يجيبون على أسئلة الآخرين: - أمّنا الحُوت وأبونا الحُوت! وحاولت الخالةُ الشريرة أن تفتن بين دَرْبْ السِّيْل وأخويها سلك الذَّهَبْ، وسلك الفضّة، وقالت لها: - أخواكِ (سلك الذَّهَبْ) و (سلك الفضّة) يكرهانك، ولا يحباك. فردت (دَرْبْ السِّيْل) بأن أخويها لا يترددان في جلب نجوم السماء لها إن هي طلبتها. فعجزتها الخالة بقولها: - لا يحبانك لأنهما لم يأتيا لك (برَحَطْ لُوُلِي!). فتسألها (دَرْبُ السِّيْل) عن ذلك الرحط، فترفض خالتها الشريرة الإجابة على سؤالها، وتتركها وهي في حالة من الغضب والحنق... وتجهش (دَرْبْ السِّيْل) بالبكاء، فتكفهر السماء وترعد وتبرق. وعندها يأتيها أخواها سلك الذَّهَبْ وسلك الفضّة من العمل، مسرعين، فيهدئانها، وتخبرهما (دَرْبُ السِّيْل) بأن طلبها هو: - (رَحَطْ لُوُلِي !). وعندما يعرفان منها سبب بكائها، يعِدانها بتنفيذ طلبها، وأحضار ذلك الرحط لها. ثُمَّ ينطلقان في البحث عن (رَحَطْ لُوُلِي)، ويجوبان مشارق الأرض ومغاربها، حتى أعياهما السفر وأضناهما المسير... وبينما كانا يرتاحان بقرب قرية صغيرة، إذا برجلٍ مُسنٍّ، شديدُ الوقار، يقترب منهما، ويسألهما: - ما بكما؟ فيجيب الأخّوان: - نبحث عن رحط أسمه: (رَحَطْ لُوُلِي)، طلبته منَّا أختنا الصغيرة (دَرْبُ السِّيْل)... وأخبرهما الرَّجُلُ الوقورُ بأن مهمتَهما مستحيلةٌ وانتحارية، لأ للولي أمٌ وست خالات من السحاحير ، على الرغم من أنَّ لُوُلِي ذاتها ليست سحّارة لأن أباها بشرٌ عادي... وقال لهما: - إنَّ الذهابَ إلى بيت لُوُلِي، هو التهلُكةُ ذات نفسها! ولكن ونزولاً عند إصرارهما، وصف لهما الرجل الوقور مكان بيت لُوُلِي، ودلهما على الطريق إليه، وعند وداعه لهما أعطاهما: شُوْكَة كِتِر وفَحَمَة وقِطْعَةً من الطين. وقال لهما: - ألقيا الشوكة، عند الضرورة، فتنشأ غابة من الشوك، وكذلك الفحمة تشب نار عاتية، أمّا قطعة الطين، فيسد مكانها البحر... وأوصاهما بعدم دخول بيت لولي إلا بعد أن يضمنا خروج أمهاتها السحّارات السبع للصيد. وفعلاً، وصلا إلى بيت لولا وانتظرا خروج أمهاتها السبع، وعندما انفردا (بلُوُلِي)، وحكيا لها قصة أختهما (دَرْبْ السِّيْل) مع رحطها، قررت (لُوُلِي) مرافقتها والذهاب معهما إلى ديارهما، وانطلقوا ثلاثتهم نحو القرييتهم ومعهم (رَحَطْ لُوُلِي)... وقالت إحدى الساحرات لاخواتها وهي تسترق السمع: - أنا أسمع صوت (رَحَطْ لُوُلِي)... ثم كررت قولها: مثنىً وثلاث ورباع، حتى اتفقن جميعهن أن هذا الصوت هو فعلاً صوت (رَحَطْ لُوُلِي)، وعندئذٍ انطلقن بأقصى سرعتهن في اتجاهِ مصدر الصوت... وكان الأخوان (سلك الذَّهَبْ) و (سلك الفضّة) يتوقعان تلك المطاردة متحسبين لها، فسأل سلكُ الذَّهَبْ أخاه سلك الفضّة عن الساحرات: - هل اقتربن؟ - لا أرى لهن أثرًا! - هل اقتربن؟ - لُحْنَ من بعيد من بعيد، بحجم النملة! - هل اقتربن؟ - لُحْنَ من بعيد بحجم العنزة! - هل اقتربن؟ - لُحْنَ من بعيد بحجم الحصان! - هل اقتربن! - كِدْنَ أن تدركانا وتقبِضْنَّ علينا! - إذن ألقِ خلفنا بالشوكة! وألقى سلك الفضة بالشوكة خلفهم، ففار سدٌ من أشجار الكتر الشوكية، وقف حاجز اً عنهم أمام السحارات السبع (أُمهات لولي)... وشرعت السحارات في فتح ممرٍ صغير، يكفي لعبورهن منه، وواصلن المُطاردة... وتكرر نفس المشهد، من اقتراب السحارات، حتى كَدن أن يقبِضْن لُوُلِي ورفيقيها (سلك الذَّهَبْ وأخيه سلك الفضّة)... فقال سلكُ الذَّهَبْ لأخيه: - الق خلفنا بالفحمة لتشب النار... ولكن السحارات أمهات لولي نجحن في إخمادها وتمكَّنَّ من العبور عبر الرماد... ومرةًّ أخرى اقتربن فأللقى سلكُ الفضّة خلفهم بقطعة الطين، فسد البحرُ الناشيء الطريق، من الشرق إلى الغرب، على أمهات لولي. وهنا، عجزت السحارات عن عبور البحر ومواصلة مطاردة سلك الذَّهَبْ وسلك الفضّة ولُوُلِي ورحطها... فعدن خائبات... ووصل إخوا (دَرْبْ السِّيْل) البيت... وعندما رأت (دَرْبُ السِّيْل) رَحَطْ لُوُلِي، ضحكت: ففاضت الدنيا لؤلؤاً ومرجاناً، انهمرا من السماء! ولكنها ابتسرَت ضحكتها، لأن (الخالة الشريرة) كانت قد أتتها، وفي جعبتها فتنة جديدة ومؤامرة أخرى وكيدٌ مُستمر! وما أن جلست الشريرة بالقرب من (دَرْبْ السِّيْل)، حتى قالت لها: - لن يثبت حب أخويك لك حتى يأتيانك بخصلة من (شعر حَجِّيْتِي)، فسألتها عن حَجِّيْتِي، ولكنها لم تجبها... وبكت (دَرْبْ السِّيْل) حتى اكفهرت السماء وأرعدت وأبرقت، فأقبل عليها أخواها، يسألانها: - ما بِكِ يا (دَرْبْ السِّيْل)... فطلبت منهما أن يأتياها (بشعر حَجِّيْتِي)... وانطلقا من فورهما للإتيان لها بخصلة من (شعر حَجِّيْتِي)، وجابا الأرض كلها إلى أن وجدا الشيخ الوقور الذي قابلهما أوّل مرّة عندما كانا يبحثان عن رحط لولي... وحاول الشيخ جهده أن يثنيهما، ولكن بلا فائدة، ووصف لهما قدرات حَجِّيْتِي الخارقة، وكيف أن كل الأدوات في بيتها من أوانٍ وبنابر وترابيز وقدور, في التكل تتحدث، وتخبر حَجِّيْتِي بكل ما يحدث في بيتها أولاً بأول، إلا إذا تمت رشوةُ تلك الممتلكات بالمال... وكشف لهما كيف أن حَجِّيْتِي تعكس الكلام، فإن قالت إنها نائمة فذلك يعني يقظتها وإذا قالت إنها شبعة، فذلك يعكس جوعها... وكيف أنها تنوم شهراً وتصحُو دهراً... ومع ذلك، قرر الأخوان الذهاب إلى دار حَجِّيْتِي، والإتيان لإختهما (دَرْبْ السِّيْل) بخصلة من شعر العجوز الطويل. وعندما رأى الرجلُ الوقور عزمَهُما، وتأكَّد منه، أعطاهما شوكة الكتر، والفحمة، وقطعة الطين، كما كان قد فعل في المرة السابقة ساعدهما على إحضار (رحط لولي). وحملا الشوكة، والفحمة، وقطعه الطين وانطلقا في في طريقهما الشاق والطويل إلى مكان بيت(حَجِّيْتِي!). وعندما وصلا، دخل سلك الذَّهَبْ وتبعه أخوه سلك الفضّة إلى بيت بيت حَجِّيْتِي وكانت هي غائبة عن دارها، وقدما الرشوة لجميع الموجودات، البنابر والترابيز والأزيار والملاعق، عدا القدر، فقد نسياه، وأختبأآ في مكانٍ آمن. وعادت حَجِّيْتِي، وبصحبتها كلبتها، وبدأت العجوزُ تصيح، وهي تعكس حقائق الأمور: - حَجِّيْتِي نائمة... حَجِّيْتِي نائمة! إلى أن بلغ بها التعب مبلغاً كبيراً، فنامت وهي تصيح: - حَجِّيْتِي صاحية! ... حَجِّيْتِي صاحية! فأدركَ الشقيقان أن حجيتي قد نامت، فقطعا من شعرها خصلةً كبيرةً، وانطلقا في طريق عودتهما إلى الديار... ولكن القدر، الغاضب بسبب استثنائه من الرشوة، ملأ نفسه بالماء، وغلاه، ثّمَّ صبَّهُ فوق حَجِّيْتِي النائمة، وهو يقُولُ لها: - أصحي يا البتنومي شهر وتصحي دهر! وصحت حَجِّيْتِي، وعرفت ما حدث وشرعت في مطاردة (سلك الذَّهَبْ) وأخيه (سلك الفضّة)... ولكنهما قاوماها وهربا منها... وفي الطريق يستخدم الأخَوَانُ شوكةَ الكِتِر، وقطعةَ الفحم وقطعة الطين، فتصنعُ الأخيرةُ بحراً، و ينفقع الكلبُ عندما يحاول أن يشربه... ثم يتملك حَجِّيْتِي التعبُ والإرهاقُ، فتتوقف عن مطاردتها للأخوين، وترجع إلى بيتها... ويصل الشقيقان إلى البيت، حيث تنتظرهما اختهما (دَرْبْ السِّيْل) ... ويعطياها خصلة شعر حَجِّيْتِي، فتضحك، فتضحك الدنيا وتفيض لؤلؤاً ومرجاناً. وسمع السلطان بأمرها، وطلب من حراسه أن يأتوه بها، وما أن يراها حتى يقرر أن يتزوجها، لحسن مظهرها وجمالها الأخاذ... وفي يوم الاحتفال قرعت الطبول ودق النحاس. ولكن، وكلُّما يمر السلطان بالقرب من عروسه (دَرْبْ السِّيْل)، تصيحُ خصلةُ شعر حَجِّيْتِي مُستنكرة: - (مَنْ رأى رجلاً يتزوج من ابنته؟). ويصمتُ الناسُ، فتصمُت الخُصلة... وعندما يتلفت السلطانُ بحثاً عن المتحدث لا يراه. وفي كل مرّة يمر بجوارها السلطان، كانت الخصلة تتحدث... ولكن، وأخيراً، تم اكتشافها... وروت (خصلةُ شعر حَجِّيْتِي) للحضور الرواية الكاملة، وأخبرتهم بما حدث لأولاد السلطان الثلاثة (سلك الذَّهَبْ) و(سلك الفضّة) و(دَرْبْ السِّيْل) من خالتهم الشريرة. فيبحثُ السلطانُ عن الحارس الذي كان قد كلَّفه بقتلِ أم أولاده، ووجده الحرّاسُ وقد صار شيخًا كبيرًا أشيباً الآن. وباح الشيخ الحارس لهم بالسر، وأكد لهم بأنه لم يقتلها، وقال لهم: - والدتكم تعيش في مزرعتها الوريفة في الخلاء. فأمر السلطان بإحضارها وبإعادتها إلى القصر لتعيش معه ومع أبنائه الثلاثة من جديد. وهكذا اجتمع شمل الزوجة الجميلة مع زوجها وابنيها وبنتها: سلك الذَّهَبْ وسلك الفضّة، و (دَرْبْ السِّيْل!). عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.