السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاربات امدرمانيات....مدام أوجين (1) ... بقلم: شوقي بدري
نشر في سودانيل يوم 16 - 11 - 2009

بعد ان رجعنا من رمبيك وامادي ومريدي وجبيت وسنجا عبدالله , سكنا في حي الملازمين . واستأجرنا منزل العم الياس دفع الله الياس. الذي كان جنوب سوق حي الملازمين, الذ ي لم يكن قد شيد في ذلك الوقت. ولكن كان هنالك مستطيلات اربعة ضخمة من الحجارة في ارتفاع اكثر من متر تأهبا لوضع اثاثات السوق. وسبب سكننا في حي الملازمين , هو ان العم الدكتور محمود حمد نصر, كان يفصله من ذلك المنزل الشارع الذي يأتي من نادي العمال الضخم الذي لم يكتمل بناءه بعد.
رفاعة كانت تربط ابراهيم بدري وصديقه واخيه الاصغر من رحم رفاعة دكتور محمود حمد نصر زوج فاطمة الطيب من اسرة البشير الريح في رفاعة . ابنائها بشرى, الفاتح, يحي ,جعفر وحمد وآخرين. . والدكتور محمود شاركنا السكن في رمبيك من قبل. وهو الذي دبر ايجار المنزل لنا .
الحي كان يحوي ما عرف بالنخبة الامدرمانية من تجار وكبار الموظفين من آل بتي . وآل بتي اشتهروا بإصلاح الكسور وعلاج آلام الظهر وما شابه. في نفس الشارع كانت هنالك الخالة قسايا اشهر قابلة في امدرمان . وصار ابنها عبدالقادر(الحبر) فضيل موظفا في الخطوط الجوية السودانية. كما يسكن ملاصقاً لها زوج ابنتها الريح.
وفي المنزل الملاصق لمنزل دكتور محمود حمد نصر من الجهة الشرقية كان منزل الاستاذ محمد احمد عبدالقادر ناظر خور طقت . ووالد زين العابدين عضو مجلس قيادة الثورة في حكومة نميري رحمة الله عليه وشقيقه النور. وهم اصلا من جزيرة توتي. وسكن في الحي كذلك العم الطيب الفكي صاحب مخازن العامل التي كانت تبيع كل شيء في المحطة الوسطى امدرمان ولها فرع في الخرطوم. ومن ابناءه ميرغني وصلاح ومحجوب. وجنوب غرب السوق سكن العم الدكتور الرباطابي الهادي النقر والد الفاتح وامين. وفي نفس الشارع سكن العم قلندر. وهو رجل ملتحي ابيض اللون من ابناءه عبدالرحمن وعبدالفتاح زملائنا. والعم قلندر كان من متزوج كذلك يوغندية اسمها ضحية ولها ابن صغير كانوا ينادونه ب بابي وله اخت صغيرة. وفي نفس الشارع سكن الاستاذ المربي مكاوي حاج بلول الذي كان يعمل في مدرسة زريبة القش (امدرمان النموذجية) وزوجته هي الخالة الجودلية ابوالقاسم من حوش ابوالقاسم في شارع السيد علي.
بالرغم من ان بعض الاسر كانوا من اهل اللون الفاتح مثل عبدالرحمن وعبدالفتاح قلندر, وعباس ورفعت في المنزل المواجه للخالة قسايا الداية . ورفعت وعباس من اصول مصرية . وفجأه ظهر بعض الخواجات بملامح اوروبية. وكانت هذه اسرة اسرة الخالة اوجين. وكان يفصلنا من المنزل الذي استأجروه شارع صغير من الناحية الغربية. لم تمر سوى ايام حتى صارت اوجين وابنائها وابناء اختها اشقاءا لنا. مع اوجين كانت هنالك بنت اختها التي كانت في فترة المراهقة. وولدين هما آرتين وكان في عمر شقيقي الاكبر الشنقيطي وكان ضخم الجسم بدون ترهل. وقاري الذي كان في عمري كان قصير القامة يحب الدعابة والمقالب والضحك. اما ابناء اوجين فقد كانوا ثلاثة من الفتيات هم جورجيت و هنازان و شوشيق وهي صاحبة شعر مموج فاتح اللون. وصرنا صديقات لشيقاتي آمال وابتسام اما ابنها استيفان الصغير فقد صار صديقا لاشقائي ايمان وخليل فيما بعد. ولم تنقطع علاقتنا ابدا بهم.
سبب انتقال اوجين الى امدرمان هو ان والدتها كانت تسكن في ود درو. وكانت ترتدي دائما الملابس السوداء. كأغلب عجائز الارمن واليونانيين. وكان في حي ود درو بعض الاسر الارمنية كما كان لهم وجود ظاهر في امدرمان وكل السودان. اشتهروا خاصة بالميكانيكا و اصلاح كل الآلات من تركترات ومضخات مياه وقندرانيات. وفى امدرمان وبالقرب من نادى الخريجين كان قراش الارمنى كربيت الذى كان يضرب به المثل فى القوه ..
السبب الاول كان هو الحاقهم بالمدرسة الارمنية التي كانت في الخرطوم . وكان هنالك حافلة ضخمة تلتقط اولاد الارمن كل صباح في امدرمان وترجعهم بعد الظهر .
لم اشاهد زوج اوجين او زوج شقيقتها الا مرة واحدة. فلقد كانوا يعملون ويعيشون في الحواتة, في النيل الازرق. وكانت كل اسرة اوجين وخاصة ارتين يتحدثون بوله وانتماء عن النيل الازرق حيث نشأوا وترعرعوا. والشيء المضحك بالنسبة لنا انهم كانوا يتكلمون ما كنا نسميه في امدرمان كلام العرب. فلهجتهم كانت قروية خشنة. وكانوا يتكلمون الارمنية في ما بينهم. ولكن عندما يغضبون او ينفعلون ينطلقون في الكلام بلهجتهم السودانية الخشنة. ثم صارت لهجتهم امدرمانية بعد فترة.
ولان مدام اوجين ولدت في السودان واغلب آل كوركجيان. فلقد كانت لهم نظرة كنا نعتبرها نحن متخلفة. فلقد كانوا يؤمنون بالسحر ويذهبون الى الفقراء ويؤمنون بالعين بطريقة مبالغ فيها.
عندما ادخلت شقيقة آرتين الكبرى اصبعها في ثقب في ردائه(شورت) مستهزئة به. انفجر باكيا من الغيظ وعايرها بأنها المسؤولة. ولو كانت امرأة بحق وحقيقة لكانت قد قامت بخياطه الثقب لانو ده مش شغل رجال. كما كانوا يطالبون شقيقاتهم وبنات خالتهم بخدمتهم لانهم رجال او اولاد. وكنا نحن وقتها نستنكر هذه المعاملة وكانت تبدو لنا غريبة. ا
اذكر اننا عندما كنا نستهزئي بإعتقادهم في السحر والفقراء كان ارتين يستشهد بمقدرة الشيوخ. وكيف انزل الشيخ عوض عمر الامام الامطار عندما قاد رجال امدرمان في الخمسينات لصلاة الاستسقاء. وقبل ان يرجع المصلون كانت الامطار قد بدات بل لقد انهار جزء من منزل الشيخ عوض عمر في حي الهجرة في شارع الوادي.
كما قلت لم اشاهد العم كوركيجان الا مرة واحدة واتى مع شقيه وهو يقود شاحنة مليئة بجوالات الفحم وكان هذا قبل عيد الاضحى. وكان جوال الفحم يباع بخمسة وستين قرشا. وقامت الخالة اوجين ببيع كل ذلك الفحم للجيران والاحياء المجاورة بخمسين قرشا للجوال واظنهم كانوا سبعين جوالا. ومنطقة الحواتة كانت مشهورة بإنتاج الفحم. نسبة لان الغابات كانت تقطع وتنظف للمشاريع الزراعية.
كان من الواضح ان الخالة اوجين تمر بأزمات مالية ولكنها كانت تتعداها وتواصل كمحاربه امدرمانيه . وكانت خياطة لا يشق لها غبار. تعتبر فساتينها كلوحات كما كانت رائعة في تفصيل ملابس الاطفال الا انها تتقاضى اسعار عالية.
ارتباطنا مع الخالة اوجين جعلنا نحس وكأننا اشقاء مع ابنائها وابناء اختها . وعندما كانت امي تقول ...يا ولد نادي اخوانكم للاكل ....لم اكن اعتبرهم خارج المجموعة. ووقتها كان هنالك ما عرف بشاي العصر خاصة للاطفال وقد يصحبه اكل البسكويت او الكيك في بعض الاحيان. وكنا نتواجد في منزلنا او في منزل اوجين من دون اهتمام في اي دار نشرب. وكان والدي رحمة الله عليه يشجع تلك الصداقة. وكان ينظم لنا بعض الالعاب كالجري حول المربوع وإعطاء الاصغر عشرين خطوة متقدمين وهنالك جائزة للفائز.
وبما انه كانت لنا سيارة فورد ضخمة فلقد كنا ننحشر فيها جميعا وقد يبلغ عددنا في بعض الاحيان اثناعشر طفلا ونذهب الى السينما في الخرطوم او الخرطوم بحري.وكانت تلك فترة رائعة. كانت الخالة تتفرغ فيها لماكينتها. كما صارت تشتري الاثاثات الحكومية من سراير ودواليب خاصة من مصلحة الاشغال وتقوم بإصلاحهم في المنطقة الصناعية او تأتي بمن يصلحهم وتقوم ببيعهم. والي ان تركت السودان كانت مدام اوجين تناضل لكي تكفل رزق ابنائها. وكان منزلها دائما نظيفا واثاثها جميلا ومنسقا. وحتى بعد ان انتقلت الى الخرطوم كان منزلها جميل والوانه رائعة بالرغم من انها كانت كل الوقت تسكن بالايجار..
اكبر بقالة في امدرمان وقتها كانت بقالة ارونتي , والاسم الحقيقي هو يارافانت مارغوسيان. وكانت البقالة في المحطة الوسطى شمال الجامع بعد دكان العم هريدي وعباس رشوان. وكان يعمل معهم شقيق الخالة اوجين وكان ضيئل الجسم مثل الخالة اوجين ويشبهها كثيرا. وهو رجل مرح وصاحب لسان سليط وبذيئ لا يتوقف من الشتم ويبدو منعنشا كل الوقت. ولأننا كنا زبائن دائمين فلقد كان يعاملنا بطريقة خاصة. وكان نديما لكثير من رجال امدرمان ويعرفونه ويحكون عنه حكاوي مشوقة. وكان بارعا في لعب الورق.
مدام اوجين كانت تعقد صفقات و تبيع و تشتري. وكانت في بعض الاحيان تستلف السيارة . ولكن عندما اتى محمد السواق بدل عبدالقادر الرجل المهذب كان يتأفف من (الخواجية). ومحمد قد اتى من الجزيرة. وكان يسكن معنا في المنزل. وكان شرسا بالرغم من صغر حجمه وكان لا يذهب للسينما او المدينة الا والمنفلة في يده كسلاح. واذكر انه اهداني مطواه. وكان يقول لي ولد قدرك تدقو. اكبر منك تطعنو. ولهذا اصطدم بالخالة اوجين. فعندما تركته في الانتظار لفترة (ملطوع) قام بشتمها, رجعت واشتكت لوالدي, وهي تبكي. فناداه والدي وافهمه بان اوجين هي ضيفة في البلد. وهي جارتنا ومسؤوليتنا واعطاه مرتبه زائد مبلغ . وانهى خدمته. وكدت ان ابكي وقتها عندما ودعني محمد وذهب. ولفترة حقدت على الخالة اوجين الا ان علاقتنا لم تنتهي ابدا فلقد كانت جزءا من حياتنا.
لا ادري ماذا حدث لزوج اوجين هل توفى ام انقطعت صلته بالاسرة ..ولكن مدام اوجين واصلت نضالها وكفاحها وعلمت ابناءها وابناء اختها. وكانوا يزوروننا .وفي بعض الاحيان يقضون معنا الليل. واذكر ان ابنها الصغير استيفان كان يلعب مع اخوتي ايمان وخليل وابن اختي مهدي مالك فقال له ايمان اثناء اللعب (انعل صليبك) فأنفجر استيفان باكيا بطريقة هستيرية الى ان قالت له الخالة اوجين بأن ايمان لا يقصد اي شيء وانها كلمة تقال حتى للمسلمين. ثم نظرت اليه لفترة وقالت ضاحكة انعل صليبك...وانتهت المشكلة.
اذكر ان الخالة اوجين اتت يوما الى منزلنا وهي ترتدي ثوب امي الذي قامت بخياطته فضحكنا وصفقنا لها. فقالت انهم كانوا في الخلاء حيث عاشوا اغلب حياتهم يرتدون الثوب السوداني مراعاة لشعور الآخرين. يبدو ان مدام اوجين واهلها قد ارتبطوا بالريف السوداني وكان لهم دور بارز في تطوير الريف السوداني فالشوام واليونانيون عملوا بالتجارة ولكن الارمن عملوا بالزراعة والميكانيكا وحرق الفحم وقطع الاشجار. ولم يترفعوا ابدا من العمل اليدوي.
الاخ ليو كان صديقا لصيقا لإبن عمتي ابراهيم مجدوب مالك وكانوا كالاشقاء. وفي فترة من الاوقات . كان ابراهيم مجدوب يكيل له الشتائم والسباب امام الجميع حتى امام والدته الارمنية . فبعد ان ارتبط ليو ب شبه خطوبة بشقيقة ارمني آخر, خطب فتاة اخرى لان اهلها قد اعطوه (دوطه) كبيرة. فمن عادة الارمن واليونانيين والهنود كذلك ان يدفعوا للعريس. وليو كان يدافع عن نفسه امام اهلنا قائلا انها عادات الارمن وابراهيم مجدوب كان يقول له ....ارمن يا خايب يا باطل انت ما سوداني زينا فرقك شنو من اي سوداني. والغريبة ان شقيق الفتاة الاولى وصديقهم لم يمكن غاضبا بالرغم من تحريش ابراهيم مجدوب وكان يقول انه كان سيتصرف مثل ليو.
عندما تقرر زواج شقيقتي آمال من مولانا محمد صالح عبداللطيف وقيع الله في سنة 1958 كان الزواج امدرمانيا رفاعيا. لان الاسرتين من رفاعة. ولكن لغضب او حيرة اهل رفاعة او استغرابهم كان الزواج يعتبر وقتها زواجا عصريا بدون رقص عروس وقطع رحط . بل جلوس على الكوشة. وكانت ام العروس الحقيقية هي الخالة اوجين التي صنعت ثوب الزفاف واجلست العروس على الكوشة وهيأت زينتها. واذكرها وهي ترجع وتهمس في اذن آمال فترسم آمال بسمة على وجهها وكانت تتابعها بنظراتها من بعيد حتى لا تختفي البسمة وكان اهل رفاعة يسالون من تلك الخواجية؟ .. والرد كان انها خالة العروس.
الاهل والجيران كانوا يطلبون من والدتي ان تتوسط لمدام اوجين للمساعدة في زينة العروس. لان المكياج وتزجيه الحواجب لم يكن معروفه قديما. وكانت مدام اوجين تقدم خدماتها بسخاء وتتفاعل مع كل الناس وتتواصل بطريقة امدرمانية. وعندما بلغ بناتها سن العشرين وجدن وظائف في الخرطوم. بعد اكمال المدرسة الثانوية الاعدادية. واجملهن هي هنازان التي كانت شقية في صغرها تزوجت الانجليزي مايكل الذي كان مدرسا في مدارس الاحفاد. ثم انتقلت الاسرة الى لندن. في نهاية السبعينات كنا نتردد على الخالة اوجين في لندن وكانت قد تزوجت بإنجليزي يصغرها سنا . وبالرغم من انها كانت تخطو نحو الستين فلقد كان لها قوام وشكل فتاة صغيرة. وكانت تقدم خدماتها لكثير من السودانيين وهي وزوجها يساعدوهم في شراء الشقق و لم تكن تتقاضى اتعابا في كل الوقت.
وكان الجميع يقصدونها.وعندما لا يكون الانسان لا ينظر اليها كانت لهجتها السودانية لا تشوبها شائبة فلم تكن تختلف عن خالاتنا في امدرمان بأي شيء وكانت مقاتلة بحق وحقيقة. ربت ابنائها وبنات اختها وكفلت لهم حياة كريمة.
اذكر في سنة ثمانين عندما اشترت شقيقتي الهام ثوبا كان غاليا جدا. فلامتها الخالة اوجين على التبذير ثم قالت لها لكن على كل حال جيبيهو لي عشان اطقو ليك . اقل شيء نقول نبرك بيهو المكنة) وعندما سألتها الهام انت لسة بتخيطي يا خالتي اوجين كان ردها المكنة اصلو انا ما بخليها ربيت بيها الاولاد ديل كلهم. ووالدتى فى لندن كانت تحتضن اوجين ويبكون على الايام الجميله ...
الارمن كانوا جزء من النسيج السوداني فلقد تخرجت مع الاخت الدكتورة خالدة زاهر سرور الساداتي الاخت زروة سركسيان كطبيبة الا انها لم تمارس الطب فلقد تزوجت بالثري سعد ابوالعلا. و زروة كانت نشطة اجتماعيا عندما كانت طالبة خاصة في المسرح. وشقيقتها تكوة كانت اول صحفية سودانية ومؤسسة اول مجله نسائيه . ولهن دور في الاتحاد النسائي. ومن اثرياء الارمن برسميان وكلاء الهلمن وقارو فانيان وكيل البيجو... شركة ارارات. وسركيس ازمريان من اضخم الشركات. وكان احد مديريهم الصادق بدري والوزير بدرالدين سليمان. الا انهم وجدوا مضايقات في ايام نميري ثم حوربوا بشراسة في بداية الانقاذ فتركوا السودان. وهم جزء فعال من الطبقة الوسطى ولا يتطور اي مجتمع بدون الطبقة الوسطى وهذه احدى غلطات الشيوعية.
بارك الله في الخالة اوجين فلقد كانت محاربة امدرمانية شديده المراس....
وكثيرا ما كانت تحكي لنا عن ما سمعته عن مذابح الارمن بواسطة الاتراك. وكيف ان والدتها قد نجت من الموت وهي على ظهر والدتها عندما صرعت الرصاصة الام وهم يفرون من الاتراك. وكانت تقول ان المذابح التي واجهها الارمن هي اسوأ بكثير من مذابح المهدية التي كانت لا تزال في السن شهود العيان الذين عاشوا في امدرمان. ولم نكن نصدقها وكانت والدتي تقول لها ليس هنالك شيء يقارب الفظاعات التي ارتكبت في المهدية.
كل ما اقرأ عن مذابح الاتراك اتذكر الخالة اوجين وابتسامتها العذبة ووالدتها الحزينة التي كانت ترتدي الملابس السوداء طيلة حياتها . واتذكر مراد باشا الذي كان يدفع بالارمن في مسيرات لا نهاية لها وعندما قال له احد شيوخ الارمن نحن على استعداد علي ان نمشي الى اي مكان ولكن اعطونا احذية فقال له مراد باشا سنعطيكم احذية. فأعطى الشيخ وآخرين احذية الخيل او الحدوة وقاموا بتثبيتها على ارجلهم بالمسامير. والذي اغتال مراد باشا في جنيفا قال له قبل ان يطلق عليه الرصاص انا ابن ذلك الشيخ الذي زودته بحدوة الحصان.
ويبدو ان كل هذا قد اعطى اوجين ووالدتها وكثير من الارمن القوة لكي , تكافح وتحارب ....
التحية,,,,
ع.س. شوقي ,,,,
Shawgi Badri [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.