منذ نعومة اظافرنا تفتحت عيوننا على أصوات حبوباتنا وأمهاتنا وهن ينطقن تلك الجملة الحبيبة العجيبة (حجيتكم ما بجيتكم) ونرد عليها نحن الذي يعرف الكلام والذي بدأ بتعلم جمع الكلمات مع بعضها (خيراً جانا وجاك) وبعدها ندخل عالماً آخر نحلق مع أخضر عزاري ومع بت السلطان ومع فاطنة السمحة.. وود النمير.. وقمر وليل.. ونقلة ونقلتين ومع الغول ابنومة سنة وابقومة سنة.. مع بت الحطاب ومع الشاطر حسن.. مع العديد من الاحاجي والأساطير التي نسمعها بأذاننا الصغيرة وتجحظ عيوننا في وجه حبوبتنا حتى ننام من الخوف عندما تأكل الغولة البنات السبع بعد ان تشل حركتهن بعصيدة عضام الناس وتشويهن على نار الدوكة.. وننام على وجوهنا ابتسامات رضا غريرة عندما يتزوج ود السلطان بت الحطاب التي طردتها زوجة ابيها حتى لا تذهب مع بناتها إلى فرح القصر. ٭ واذا رجع كل واحد منا إلى ذكريات طفولته يجد في أعماقه حسن الشاطر الذي كان في الاصل اصغر ابناء السلطان الذي عيره أخوه بعدم انجابه الاولاد. ونجد في أعماقنا ود النمير.. والعجوز ام كلاماً يجوز ونجد أيضاً الغول والسحار وبت الحطاب التي تنهمر الأمطار عندما تبكي وتنبت الأشجار والازهار وتتساقط قطع الذهب والفضة من فمها اذا ضحكت. ٭ نشب ونكبر على مفاهيم معينة تزرع في أعماقنا بعناية منذ الصغر.. فكل ما تمور به هذه الأحاجي والاساطير هو صوت المجموعة وضمير الأمة ووجدانها الذي يكره الشر وينتصر للضعيف ويمجد الشجاعة والكرم. ونجد أيضاً استشراق المستقبل في المرأة التي تأتي بخارق الأعمال.. حسن الشاطر والعجوز الحكيمة وانتصار المغلوب على أمره دائماً، كل هذه الأشياء وغيرها هى التي اسهمت في تكويني وتكوينك.. الاهازيج واللولايات والأغاني وكلها بلا استثناء عن واقع معين ومصالح معينة. ٭ الآن وفي هذه الآونة التي نتحث فيها عن البعث الحضاري وعن الهوية السودانية يقف أمامنا بإلحاح شديد تساؤل كبير كبر مصيبتنا الحالية وهو هل المطلوب قبول كل هذا الكم من الأحاجي والأساطير والامثال والسير باعتبار انه تراث أهلنا ووجدانه الجماعي؟.. مثلاً ماهو موقفنا من العديد من الأغاني التي تمجد القيم الاقطاعية أو التي تمجد اتجاهاً عنصرياً أو قبلياً أو عشائرياً أو طائفياً.. أشير إلى عيال اب جويل الكمبلو وعرضوا أو أغنية الشيخ سيرو التي يأتي بثلاثة قدور صندلية وثلاثة قدور محلية ونسيبتو قالت شوية.. وهو نفسه أي الشيخ كمل قماش النصارى أو أغنية الشتيلة فوق جدولا جيت أمد أيدي اتناولا الحراريس قالو لي لا انت فقري ما بتقدرا.. أو أغنية انت ما بدوك لي زولاً مسيكين إلا واحدا نخلو مقرون في البساتين وحس سواقيهو يصحي الكانو نايمين.. وأغنية سيد الحيشيان الثلاثة الدفع المية للمشاطة والنماذج كثيرة جداً وليستحضر كل منا ما يأتي بخاطره من مثل هذه الأغاني. ٭ وأيضاً ما موقفنا من الأمثال (كان جريت جري الوحوش غير رزقك ما بتحوش) أو (أدين وأتبين).. أو (الدين في الكتوف والاصل معروف).. أو ( الله ما شق حنكاً ضيعوا).. أو (الشقي ما بسعد) وأمثال كثيرة لها دلالات لا تساعد في وضع الأسس لاعادة صياغة الانسان السوداني بمعطيات الواقع ولكن بالمثل هناك الاشراقات الدافعة في مجال الأمثال والأقوال.. أيد على أيد تجدع بعيد.. والكلمة الطيبة بخور الباطن.. ارقد نهينك قوم نعينك.. الفقرا اتقساموا النبقة.. الليك ليك كان لبن عُشر احلبو في عينيك.. والليك كان أكل لحمك ما بكسر عضمك.. وبيت الشورة ما خرب وقال الشاعر الشعبي: ما أكل الحلو والمعاه جيعان وما لبس الحرير والمعاه عريان مأمون السجايا البستودع النسوان ضباح الخلايا لي عشا الضيفان هذا مع تحياتي وشكري الصحافة