"حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    هدفين دون مقابل.. بالميراس يعقد مهمة الأهلي في المونديال بفوز مستحق    الفوز بهدفين.. ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود لإثارة الجدل: (بحب البنات يا ناس لأنهم ما بظلموا وما عندهم الغيرة والحقد بتاع الرجال)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام أبو حامد الغزالي ( 450 ه – 505 ه ): فقيهاً بين الفلاسفة و فيلسوفاً بين الفقهاء .. بقلم: صلاح محمد علي
نشر في سودانيل يوم 03 - 01 - 2020

الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي الفقيه الأصولي الشافعي العلامة والفليسوف الحاذق والمتكلم الماهر صاحب التصانيف و جامع أشتات العلوم الملقب بحجة الإسلام مجدد القرن الخامس الهجري و أحد أهم أعلام عصره . له تصنيفات طارت في الآفاق أهمها إحياء علوم الدين في التصوف ، والمستصفى في الأصول ، ومقاصد الفلاسفة وتهافت الفلاسفة ومحك النظر ومعيار العلم ، في الفلسفة ، والوسيط والوجيز في الفقه .و يعرف باسم (الغزّالي) بتشديد الزاي لمن ينسبه إلى صناعة الغزل وهي مهنة أبيه ويقال له (الغزالي) بتخفيف الزاي لمن ينسبه إلى (غزالة) من قرى طوس بخراسان ( أوزبكستان الحالية ) .
ابتدأ طلبه للعلم في صباه، فأخذ الفقه في طوس، ثم قدم نيسابور ولازم إمام الحرمين الجويني في نيسابور فأخذ عنه جملة من العلوم في الفقه وأصوله وعلم الكلام والمنطق . جلس الغزّالي للإقراء وإرشاد الطلبة وتأليف الكتب في أيام شيخه الجويني، وكان الإمام يتبجح به ويعتد بمكانه منه. ثم خرج من نيسابور وحضر مجلس الوزير نظام الملك فأقبل عليه وحل منه محلاً عظيماً لعلو درجته وحسن مناظرته، وكان مجلس نظام الملك محطاً للعلماء، ومقصد الأئمة والفضلاء، ووقع للإمام الغزّالي فيها اتفاقات حسنة من مناظرة الفحول، فظهر اسمه وطار صيته، فأشار عليه نظام الملك بالمسير إلى بغداد للقيام بالتدريس في المدرسة النظامية، فسار إليها سنة 484 ه وأعجب الكل بتدريسه ومناظرته وحضره الأئمة الكبار فصار إمام العراق بعد أن حاز إمامة خراسان .
يقول الغزالي " لما شفاني الله من أمراض الشك أنحصر طالبي الحق عندي في أربع فرق هي : المتكلمون و الباطنيةّ و الفلاسفة و الصوفية . فقلت في نفسي: الحق لا يعدو هذه الأصناف الأربعة، فهؤلاء هم السالكون سبل طلب الحق فإن شذَّ الحق عنهم فلا يبقى في درك الحق مطمع. فابتدرت استقصاء ما عند هذه الفرق. "
بدأ الغزالي في تحصيل علم الكلام وطالع كتب المحققين منهم، حتى عقله وفهمه حق الفهم، بل وصنف فيه عدة من الكتب التي أصبحت مرجعا في علم الكلام فيما بعد مثل كتاب الاقتصاد في الاعتقاد. ولقد قال الغزالي عن علم الكلام أنه حفظ العقيدة من الشكوك التي تثار حولها والطعون التي توجه إليها. أما أن يخلق علم الكلام عقيدة الإسلام في إنسان نشأ خاليا عنها غير مؤمن بها، فهذا ما لم يحاوله علم الكلام، وما لم يكن في مهمته، وقد قضت عليه مهمته تلك أن يأخذ مقدماته من هؤلاء الطاعنين المشككين ليؤاخذهم بلوازم مسلماتهم، وهي مقدمات واهية ضعيفة قال: وكان أكثر خوضهم (يقصد علم الكلام) في استخراج مناقضات الخصوم ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم . هذا هو مقصود علم الكلام؛ أما مقصود الغزالي فهو إدراك الحقيقة الدينية إداركا يقينيا عن مكاشفة ودقة ووضوح. لهذا يقول الغزالي مشيرا إلى علم الكلام: فلم يكن الكلام في حقي كافيا، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيا. ثم تناول الغزالي بحوث الفلاسفة التي تعرضوا فيها لموضوعات العقيدة، عله يجد لديهم من فنون المحاولات العقلية ما يقطع بصحة ما ذهبوا إليه بشأنها، فوجدهم قد اختلفوا فيها اختلافا كبيرا. سرعان ما أدرك الغزالي أن مزاولة العقل لهذه المهمة إقحام له فيما لا طاقة له به، وأن أسلوب العقل في تفهم الأمور الرياضية، ولا يمكن أن تخضع له المسائل الإلهية. فألف الغزالي في نقدهم وتفنيد آرائهم كتباً أهمها كتاب تهافت الفلاسفة.. و مما يحمد للغزالي أنه حين وقف في وجه الفلسفة الغازية لم يقف محارباً لها باعتباره سُنيّاً ، أو أشعريّاً ، أو شافعيّاً بل باعتباره مسلماً فحسب و لهذا فقد استمد أسلحته من جميع الفرق و المذاهب . و كان مما أعانه على مهمته أنه لم يبدأ هجومه على الفلسفة إلا بعد أن درسها و استوعبها .و عندما لم يجد ضآلته في الفلسفة ورآها غير جديرة بما يمنحها الناس من ثقة، إتجه إلى ثالث فرقة من أصناف الباحثين عن الحق وهي الباطنية .
في عهد الخليفة العباسي المستظهر برزت فرقة تسمى الباطنية وكانت ترى أنه يجب تأويل القرآن والبحث في باطنه وعدم قبول ظاهره فقد كانوا يؤمنون بالمعاني الباطنة. وإن لهذه الفرقة أفكاراً ضآلة وملحدة حتى أنها كانت تهدف إلى التشكيك في أركان الشريعة فمثلا يقولون ما الهدف من رمي الحجارة وما الداعي للسعي بين الصفا والمروة ؟ يعتقد كثير من العلماء أنها كانت فرقة ملحدة تكفيرية خطيرة أحس الخليفة العباسي بخطرها فطلب من الغزالي أن يؤلف كتابا يقوم فيه بالرد عليهم. فتمعن الغزالي بأفكارهم وتعمق بها وكما يقول : فلما خبرناهم نفضنا اليد عنهم أيضاً - وكتب كتاب "فضائح الباطنية"، فانتقدهم . وعندما لم يجد الغزالي ضآلته عند الباطنية وصل أخيراً عند الصوفية، و ابتدأ اعتزاله عن الناس .
أقبل الغزالي بهمته على طريق الصوفية، وبما أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل؛ وكان حاصل علومهم قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى ابتدأ بتحصيل علمهم من كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي، كتب الحارث المحاسبي، المتفرقات المأثورة عن الجنيد، المتفرقات المأثورة عن الشبلي، المتفرقات المأثورة عن أبي يزيد البسطامي.
وبعد أن اطلع الغزالي على كنه مقاصدهم العلمية، وحصل ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع ، ظهر له أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات. فيقول: " فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال، لا أصحاب الأقوال. وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصّلته، ولم يبقَ إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم، بل بالذوق والسلوك . "
عند ذلك لاحظ الغزالي على نفسه انغماسه في العلائق وأنه في تدريسه وتعليمه مقبل على علوم غير مهمة ولا نافعة في طريق الآخرة، ونيته غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت. فلم يزل يتفكر فيه مدة يصمم العزم على الخروج من بغداد ومفارقة تلك الأحوال يوماً ويحل العزم يوماً، يقدم فيه رجلاً ويؤخر عنه أخرى. يقول الغزالي في " المنقذ من الضلال " : ( فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا، ودواعي الآخرة، قريباً من ستة أشهر أولها رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة (488 ه). وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوماً واحداً تطييباً لقلوب المختلفة إلي، فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة...ثم لما أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلى الله تعالى التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب، وأظهرت عزم الخروج إلى مكة وأنا أدبّر في نفسي سفر الشام حذراً أن يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمي على المقام في الشام ) . ثم دخل الشام، وأقام به قريباً من سنتين لا شغل له إلا العزلة والخلوة؛ والرياضة والمجاهدة، اشتغالاً بتزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، وتصفية القلب لذكر الله تعالى، كما كان يحصله من كتب الصوفية. فكان يعتكف مدة في مسجد دمشق، يصعد منارة المسجد طول النهار، ويغلق بابها على نفسه. ثم رحل منها إلى بيت المقدس، يدخل كل يوم الصخرة، ويغلق بابها على نفسه. ثم يتابع الغزالي رحلته وخلوته ويقول عن نفسه: " ثم تحركت فيَّ داعية فريضة الحج والاستمداد من بركات مكة والمدينة وزيارة رسول الله بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله وسلامه عليه فسرت إلى الحجاز. "
ودام الغزالي في خلوته و اعتزاله أكثر من عشر سنين ليصل إلى نتيجة : " إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل لو جُمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلاً. فإن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة؛ وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به " .
وخلال فترة اعتزاله ألف الغزالي كتابه إحياء علوم الدين والذي ابتدأ تأليفه في القدس ثم أتمه بدمشق، وهو يمثل تجربته التي عاشها في تلك الفترة. ويعتبر كتاب الإحياء أحد أهم كتبه التي ألفها، وأحد أهم وأشمل الكتب في علم التصوف. حتى أنه قيل عنه: من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء ! اتسم منهج الامام الغزالي بعد مسيرته الصوفية بشيء من الوسطية ووقف بآرائة ضد العصبية الدينية والافكار التكفيرية حيث ارجع ابتعاد الناس عن طريق الحق والتدين متمثل في طريقة الدعوة التي تباناها اشخاص يزكون انفسم باظار فساد غيرهم وان لم يكن ثمة فساد و إخراج الدين عن منهج الفطرة الذي اتسم به منذ بداية الدعوة فكانت من حكمه الشهيرة في كتاب احياء علوم الدين قوله : " إن انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغّضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم " . يقول عن رجوعه لبلده : " كنت أنشر العلم الذي به يكتسب الجاه وكان ذلك قصدي ونيتي. وأما الآن فأدعو إلى العلم الذي به يُترك الجاه . هذا هو الآن نيتي وقصدي وأمنيتي ؛ يعلم الله ذلك مني ؛ وأنا أبغي أن أصلح نفسي وغيري، ولست أدري أ أصِل مرادي أم أُخترم دون غرضي؟ " .
عاد الغزالي إلى وطنه طوس لازماً بيته مقبلاً على العبادة ونصح العباد وإرشادهم ودعائهم إلى الله تعالى، والاستعداد للدار الآخرة مرشد الضالين ومفيد الطالبين، وكان معظم تدريسه في التفسير والحديث والتصوف. يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه " الإمام الغزالي بين مادحيه و ناقديه " :
( الغزالي ملأ الدنيا و شغل الناس في حياته و بعد وفاته ، و اختلف فيه السابقون ، كما اختلف فيه اللاحقون و المعاصرون : فمن مبالغ في الإعجاب به و الثناء عليه ، و من مسرف في الاتهام له و التحامل عليه ، و من معتدل بين هؤلاء و هؤلاء ، يعطي الرجل حقه، و يمدحه بما هو أهله ، و ينقده فيما يرى أنه قصّر أو أخطأ فيه ، و العصمة لمن عصمه الله . و جدنا من السابقين من يعظم كتبه حتى قال بعضهم من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء ! وفي مقابل هذا هناك من يقول إنه إحياء لدينه هو و ليس إحياء لدين المسلمين .. فلا عجب أن رأينا من تقرّب إلى الله بإحراق كتبه و من تقرّب إلى الله بنشرها و تعميمها ! و على كل حال فإننا نجد المعجبين به و المثنين عليه أكثر عدداً و أعز نفراً من الطاعنين عليه ) . كما يعتبره كثير من العلماء ، من معاصريه و من المحدثين ، أنه أحد العباقرة الذين تعددت جوانب نبوغهم و عطائهم ، الجامعيين للمعرفة الموسوعية : إذ شملت معارفه الفقه ، والأصول ، والكلام ، و المنطق ، و الفلسفة ، و التصوف ، والأخلاق فقد صنّف في كلٍ منها تصانيف تشهد له بالعمق و الأصالة و التفوق . و يعتبره كثير من المحدّثين فيلسوفاً بين الفقهاء ، فقيهاً بين الفلاسفة .
قال فيه شيخه الجويني ( إمام الحرمين ) : ( الغزالي بحر مغدق ) .
و يقول العلامة أبو الحسن الندوي :
( الغزالي من نوابغ الإسلام و عقوله الكبيرة و من كبار رجال الإصلاح و التجديد الذين لهم فضل كبير في إيقاظ الفكر الإسلامي و مهما قيل فيه فإن إخلاصه أسمى من أن يشّك فيه ) . و الغزالي ، من الناحية الأخرى ، يعتبر أحد أقطاب التصوف و المجاهدة الروحية و رجال التربية والدعوة إلى الله تعالى فقد شهد له بهذا كبار الصوفية مثل أبي الحسن الشاذلي و أبي العباس المرسي و غيرهما.
قال المرسي : ( أشهد له بالصدّيقية العظمى ) .
و قال تلميذه الإمام محمد بن يحيى ( الغزالي هو الشافعي الثاني ) .
يقول الشيخ القرضاوي في كتابه الذي سبقت الإشارة إليه :
" عاش الغزالي في منتصف القرن الخامس الهجري الذي تعددت فيه النحل والمدارس العقلية و تصارعت فيه الاتجاهات الفكرية و الدينية – و الذي تواضعت فيه الفلسفة و الباطنية على إضعاف العالم الإسلامي و أحدثت فيه تبلبلاً فكرياً كان من شأنه أن يؤدي إلى الإلحاد . لذلك كان في حاجة إلى شخصية قوية ترد إليه الإيمان بالعقيدة و الاعتماد على مصادر الدين الأصيلة لذلك كان من لطف الله و رحمته أن رُزق العالم الأسلامي ، و هو في أشد حاجة ، هذه الشخصية الفذة " .
من أقوال الغزالي : - الرجال يعرفون بالحق و ليس الحق يعرف بالرجال فمن عرف الحق بالرجال حار في متاهات الضلال . - كل أحد يؤخذ منه و يرد عليه و ليس في العلم معصوم بعد رسول الله ( ص ) . - لا يجوز نصب العقل عدواً للشرع و لا نصب الشرع عدواً للعقل بل ينبغي المزج بين العلوم العقلية و العلوم الدينية و ذلك لأن أحدهما يؤيد الآخر و يصدّقه .
ألّف الإمام الغزّالي خلال حياته أكثر من أربعمائة مصنفا ما بين كتاب ورسالة في مختلف صنوف العلم أهمها : في العقيدة وعلم الكلام والفلسفة : مقاصد الفلاسفة ، تهافت الفلاسفة ، الاقتصاد في الأعتقاد ، إلجام العوام عن علم الكلام ، المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى ، فضائح الباطنية ، القسطاس المستقيم . في الفقه وأصوله والمنطق : المستصفى في علم أصول الفقه ، المنخول في تعليقات الأصول ، الوسيط في فقه الإمام الشافعي ، معيار العلم في المنطق. في التصوف : إحياء علوم الدين ، بداية الهداية ، المنقذ من الضلال ، معراج السالكين ، ميزان العمل ، أيها الولد المحب ، كيمياء السعادة .
ألا رحم الله حجّة الإسلام الإمام أبا حامد الغزالي رحمة و اسعة و غفر له و جزاه عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء و أسكنه جنّاته العلى مع الصدّيقين و الشهداء و الصّالحين و حسُن أولئك رفيقاً و نفعنا بعلمه وجاهه .
مصادر : - الموسوعة الأسلامية الشاملة ، ويكيبيديا الموسوعة الحرة ، " الإمام الغزالي بين مادحيه و ناقديه "
*****
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.