(انتهازاً محوراً لمثل شايقي يقول البِدَع في كريمي والفِرجي في البركل) لم أر حكمة رفع التفاوض بين الحكومة والحركات المسلحة من دارفور خاصة بعد مأساة الجنينة. فحين حمي الكوع واشتدت الحاجة لتناصر أطراف التفاوض، الحكومة والحركات، للتعاطي مع مسألة دارفور ميدانياً، لو صح التعبير، علقوا التفاوض وانفضوا كل إلى لعب دوره المحفوظ. تنادت الحكومة بالسفر إلى الجنينة لممارسة طقس "طي الصفحة". فتلتقي بأطراف في النزاع لم تسمهم وتعقد بينهم "قلد" آخر، و"تشرع" في عون النازحين الإنساني، وتشدد على جمع السلاح، وتسجل صوت شكر للقوات المسلحة والقوات النظامية . . . والدعم السريع. والعاقبة في المسرات. كان على الحكومة أن تأخذ في وفدها المفاوضين عن الحركات المسلحة الدارفورية خاصة ليقفا معاً على مسألة دارفور كواقع معاش لا كتاريخ اكتملت حلقاته ولم يبق سوى قبض مستحقاته. فلم تنطفئ نار حريق بيوت الناس والترويع. ولم يكتمل النزوح فصولا. وكان من شأن هذا الوفد المشترك أن يعطي التفاوض في جوبا هيبة الوجود بين رتل الضحايا في حِمى مدارس الحكومة ومكاتبها مجردين من كفاف أثاثاهم ومعاشهم. وأن يجلله بهيبة المساءلة أمام دارفوريين يعيشون الحديث باسمهم في ردهات التفاوض واقعاً مهيناً مؤذياً. وددت لو تداول هذا الوفد المشترك في أمر ولاة دارفور ميدانياً في سياق شكوى ضحايا الجنينة وغيرهم ممن ولاهم المجلس العسكري عليهم وحالهم يقلون حين الفزع. فظل هؤلاء الضحايا، في روايتهم وكما تدل قرائن الأحوال، لثلاثة أيام ولياليها مُستباحين من خصم فسل بغير غطاء واق من الدولة. وكان تعيين الولاة في الدولة الجديدة، كما نعلم، عظم نزاع كبير بين الحكومة والجبهة الثورية. فعطلته الجبهة الثورية، وهو فريضة دستورية، حتى اكتمال المفاوضات. وألحت الحكومة على القيام به ولكنها انحرفت به لمحاصاصات "قحتية" في الدرك الأسفل خجل منها بعض من تورط فيها واعتذروا. وكان كل من قحت والحركات ستتحرر من شره الوظيفة العامة نوعاً ما متى تداولا موضوع الوالي مع جمهور جعل من إزاحة واليهم بنداَ مقدماً من مطلبه. وكنت أريد لكادر الحركات المفاوض العودة في نطاق مسؤوليتهم عن احقاق السلام إلى حقول العنف التي جعلت إقليمهم شظايا. فيتواضع غالب هذا الكادر على أن محنة دارفور وتفرق أهلها مكيدة خاصة من صنع المركز في الخرطوم. وأردت من عودتهم في صحبة مركز نعده مختلفاً ليروا إرثاً في الكارثة هم طرف فيه. وفي تقديري أنهم كانوا سيسمعون في الجنينة ما لا يرضيهم عن أدائهم السياسي. أو أنهم سمعوا. فقد التقطت من حديث لشباب جريح الخاطر في المدينة أنهم رفضوا لممثلي الحركات أن يدلوا بتصريحات على خلفية المحنة. فقال لا نريد لمحنتنا أن تكون "مناسبة لصورة". لا خلاف أن المركز أصلى دارفور رجماً وهدماً. ولم يمتنع عن هذا الفسق السياسي في أرجاء الوطن الأخرى. ولكن ما ساقه إلى "تكتيك الأرض المحروقة" في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق دون بقية القطر أنها خرجت لقتاله بالسلاح. فاختارت حركات الهامش التكتيك المسلح في وجود خيار العمل الشعبي الدؤوب بزعم أن مثل الإنقاذ لا تسمع إلا لحامل السلاح. ولم تصدق مقولتهم لا في هذه الثورة ولا في 1985. بل ولا في 1964 عند آخرين. فخرج منا في الحزب الشيوعي نفر قالوا إن دعوتنا للإضراب السياسي للإطاحة بنظام الفريق عبود نوع من العطالة المقنعة. وسيستبدلونه بالعمل المسلح. وانقسموا عنا في 1964 في جماعة عرفت ب"الحزب الشيوعي القيادة الثورية". ولم يكتمل استعدادهم للمقاومة المسلحة بعد وعينك ما تشوف إلا ثورة أكتوبر. أردت من استصحاب الحركات إلى حقول صراعهم ضد الإنقاذ أن يقبسوا من حكمة أمريكية عن المسؤولية التقصيرية. فسمعتهم يقولون إنك متى كسرت شئياً حملته بين يديك صار ملكك حلالاً بلالأً. ومهما تحدثنا عن فظاظة الإنقاذ واستهتارها بالسلاح فلم تكن تقاتل نفسها بنفسها وأفسدت. ونقول اختصاراً أن النصر لم ينعقد للحركات كما أرادت. والباقي تاريخ وحاضر: صار المعسكر اللئيم في دارفورة بديلاً للقرية المطمئنة. وانكسرت القرى على يد من اضغن عليها وأشعل الحرائق في ناسها وبيوتها ولكن بمحضر من أحبها وقاتل من أجلها وخانه التوفيق. وددت من وجود الحركات في وفد الحكومة لدارفور أن تحسن الظن في حكومة الثورة فوق ما ظلت تفعل. فمن المعيب أن يستخف (لا ينقد. هذا أمر مختلف) بحكومة الثورة ثوري يزعم نسباً بالثورة (بل الأصل فيها) كما يفعل قادة بعض الحركات المسلحة حتى انتهوا إلى تسميتها "حكومة الأمر الواقع" قبولاً بقدره تعالى. وقرأت للأستاذ عبد الواحد محمد نور كلمة لا أعتقد أنها قلّبها على لسانه مرتين من فرط الغلو. فقال على حكومة الخرطوم أن تكف عن اعتقالات كادرهم. ووصف الاعتقالات بممارسة غبية تختبر حلمهم وصبرهم. وأكدت له من جهة أخرى أن النظام البائد لم يسقط بعد مما يفرض تفكيكيه إلخ. ولا أعرف كيف طرأ لثوري كعبد الواحد أن كيد الثورة المضادة يلغي حقيقة سقوط النظام. ومتاعب النظام هي من صنع الثورة المضادة في داخله وخارجه. وهي المتاعب التي انتظرنا قادة الحركات المسلحة أن يتعاطوا مع الحكومة فيها رفاقاُ في الوعثاء في مثل الجنينة لا متحصلين منتظرين قبض استحقاقهم في جوبا. وإلى حديث عن هذه الأطراف الغامضة في الجنينة التي طوت صفحة الخلاف في قول الحكومة كما سمعنا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.