——————————— للدكتور عبد الله حمدوك كامل التأييد رئيساً للحكومة الانتقالية ، ولكن هذا التأييد لا يمنعنا من الإشارة إلى مكامن الخلل الذي قاد إلى المشهد المضطرب والظروف السيئة التي يعيشها الشعب لنعمل جميعاً على تجاوزها .. قال الدكتور حمدوك بعد أسابيع عديدة من قدومه رئيساً للوزراء (أنه لم يستلم برنامجاً من قوى الحرية والتغيير التي أتت به) !! .. هذا الحديث أكد صحة الرأي الذي كان مطروحاً بقوة عشية انتصار الثورة بأن الشخص الأنسب لرئاسة حكومتها الانتقالية هو أحد القيادات الحزبية الذين قادوا المعارضة السياسية في الداخل وعاشوا تجارب الاعتقال والتعذيب في مواجهة "الإنقاذ ، قيادي يعرف (مداخل ومخارج) النظام وعلى احتكاك بسلوك رموزه وحقائقهم ، على صلة بمجريات الثورة ووثائقها وعلى رأسها وثيقة "اعلان الحرية والتغيير" ، وتتوافر فيه المواصفات الشخصية المناسبة .. فوثيقة "إعلان الحرية والتغيير" تشتمل برنامجاً اقتصادياً مستمداً من (ميثاق نداء السودان والبديل الديمقراطي والسياسات البديلة) ، وتستهدف بوضوح بناء "دولة الرعاية الاجتماعية"، ورئيس حكومة بالمواصفات المذكورة هو الذي كان سيستعرض مع وزرائه كيفية تصريف بنود اعلان الحرية والتغيير كسياسات ورؤى اقتصادية محددة يتابع تنفيذها وزير المالية والاقتصاد والذي كان هو المنصب الأليق بالدكتور حمدوك ، بخبراته المالية والاقتصادية الثرية وعلاقاته الممتازة بالمؤسسات الدولية والإقليمية ذات الصلة . ولما لم يحدث هذا وتم اختيار الدكتور حمدوك رئيساً ، كان عليه أن يطلع على وثائق الثورة ، الوثائق التي تحتوي على برنامج حكومته ... ولكن ، يبدو أن الدكتور حمدوك قد حصر نفسه بين مجموعة من أصدقائه المقربين كمستشارين أساسيين ، وبما أن تلك المجموعة بعيدة ،أو غير متبينة لبرنامج قوى الحرية والتغيير ، أصبح حمدوك - بالنتيجة - غير ملم به فقال تلك المقولة الصادمة عن عدم استلامه برنامجاً من الثورة .. من ناحية أخرى ، وقبل ذلك ، كانت قيادة ق ح ت قد ارتكبت خطاًً قاتلاً عندما نادت بحكومة "كفاءات مستقلة" ، فمن جانب لم تلتزم (ق ح ت) بشعار الكفاءات المستقلة حتى النهاية وإنما سقطت في وحل المحاصصات المدمرة لوحدتها ومن جانب آخر أتاحت للدكتور حمدوك ألا يلتزم بكامل ترشيحات ق ح ت لوزراء الحكومة ، فاختار بعض الوزراء بطريقته ومعرفته مستنداً على شعار "الكفاءات المستقلة" الذي أطلقته ق ح ت ، فكان قدراً على الثورة أن يأتيها وزراء من الذين نهلوا من معين مدارس لا تنظر بعين الرضا لمثل وثيقة "اعلان الحرية والتغيير" وجوهرها المتمثل في "دولة الرعاية الاجتماعية" كوزير المالية صاحب الميزانية الكارثة والرؤى الرأسمالية الشرسة والصديق الوفي (عملياً) لمعسكر الفساد والاستبداد الذي جاءت الثورة لتدميره ، فإذا كان الدكتور حمدوك متوجساً - لأي سبب - من ممارسة سلطاته في إقالة مثل هؤلاء الوزراء فإننا نناشدهم أن يستقيلوا بأنفسهم قبل أن يقول شباب الثورة كلمتهم لمصلحة شعبهم .. كذلك لقاء الدكتور حمدوك بالدكتور غازي صلاح الدين الذي انتشر خبره واسعاً ، فهو ، في حال صحة الخبر ، ناتج في اعتقادي عن تهمة انحصاره في مجموعة أصدقائه/مستشاريه الذين من أهم مشاريعهم السياسية مشروع إجراء مصالحة وطنية شاملة لا تقصي أحداً حتى في الوقت الحالي ، بمعنى مصالحة تشمل الإسلامويين .. مثل هذا المستوى من التفكير المتسامح الطيب (المطلوق) يمكن أن يكون تفكيراً مستقبلياً متجاوزاً للراهن ، أما الآن يركل أهم الأسئلة حول المشروع ويسقطها تماماً ، أسئلة مثل : متى يكون الحوار مع الحركة الاسلاموية ؟ ومع من منها ؟ ، فهناك فرق في الإسلامويين بين القيادات والمجموعات التي نفذت انقلاب 30 يونيو 1989 وفعلت بالشعب وبالوطن ما فعلت ، حتى القافزين لاحقاً من المركب ، وبين القطاعات البريئة الحسنة النوايا والمعتقد (غالباً القطاعات الشابة) ... ثم مع من كان اللقاء (إذا كان الخبر صحيحاً) ؟ مع د.غازي صلاح الدين ، أحد أسوأ رموزهم وأكثرها عنفاً وحقداً ، الاضطهاد الذي يعيشه داخلياً في أوساط الاسلامويين يزيده شراسةً مع الآخرين ، ويتدثر بثياب الفكر والثقافة إذا دعا الحال ... وهنالك إشارات تقول أن للمجتمع الدولي رؤية برغماتية تقول بضرورة إشراك الاسلامويين في الحياة السياسية وفي السلطة ، لتستقر الأوضاع وتتقدم ، وغيرها من المشاريع المعادية للديمقراطية ، التي ترفض قيام ديمقراطية في السودان (وفي المنطقة عموماً) ، والتي لا ينتج عنها إلا نظام رأسمالي قمعي شرس وكأن تضحيات الشعب السوداني ودماء ابنائه كانت عبثاً .. ومن أكثر جوانب المشهد قتامةً إصرار الإخوة في الحركات المسلحة على (التفاوض) مع الحكومة في عواصم أجنبية حول السلام بدلاً عن (التحاور) في الداخل مع الأهل المعنيين ومع رفاقهم في ق ح ت والتعاون معهم على وقف الحرب والترتيبات المرافقة وبالتعاون مع المجتمع الدولي: - فهل كان انتصار الثورة على يد الشعب الأعزل في الداخل ناقصاً أو قاصراً عن استيعاب الأهمية الاستثنائية للسلام ؟؟ - أم كان لا بد للنصر النهائي أن يكون على يد القوى المسلحة ؟ - أليست الحركات المسلحة ، أو أغلبها على الأقل ، جزءاً من الثورة ومن ق ح ت ؟ أم أن الأمر لن يستقيم إلا إذا جاء على خطى نيفاشا ؟ "ولا ضرورة لإعادة ما كتبناه مراراً حول هذا الأمر" .. هذا هو المشهد اليوم في أبرز معالمه ، ومفاتيح تعديله والتقدم بالثورة للأمام وخاصةً في جبهتي السلام ومعاش الناس وهمومهم ، هي بين يدي قوى الحرية والتغيير ؛ فلتتجرد ولتصلح حالها وتتقدم .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.