اثار لقاء البرهان بنتياهو غبارا كثيفا علي المسرح السياسي السوداني. وبنظرة واقعية للسياسة الدولية لن تتحقق رؤية حماس برمي إسرائيل في البحر ، كما لن تتحقق دولة إسرائيل من النيل الي الفرات. اتفاقات أوسلو في بداية التسعينات هي التي فتحت الباب نحو علاقات التطبيع الظاهرة والخفية. ونقلت إسرائيل من دولة العدو والكيان الصهيوني الي دولة إسرائيل. استنكر صائب عريقات لقاء البرهان بنتياهو ، بينما كان يقود المفاوضات مع إسرائيل كأحد أبطال هيلوود. كلما حققته له تلك المفاوضات لا يتعدى كونه حاكم بسلطة إدارية لا تتعدى سلطة مجلس بلدي.. سلطة بلا سيادة في ظل ضامن دولي لا يخفي انحيازه التاريخي لدولة إسرائيل. طالما قامت السلطة الفلسطينية علي أساس أوسلو سيكون من الجائز لأي دولة أن تنشأ علاقات طبيعية مع إسرائيل. مهما يكن من امر ، فقد كانت آراء القوي السياسية الحية والمؤثرة في المشهد متباينة حول لقاء البرهان بنتياهو فقد كان رأي الحزب الشيوعي مثلا واضحا لابس فيه متكأ علي موقف موروث منذ ما قبل إنتهاء الحرب الباردة.. ولا يصح فيه التقييم بالخطأ أو الصواب. بينما اكتفي الاتحاديون بأنهم لم يتم اخطارهم بهذا اللقاء كقوي سياسية ضمن قوي الحرية والتغيير. وان البرهان تغول علي صلاحيات مجلس الوزراء في رسم معالم السياسة الخارجية في الوقت الذي لم يفصح فيه البيان عن تلك المعالم. الصادق المهدي قال إن اللقاء مع رئيس وزراء إسرائيل الحالي ويقصد بالطبع- نتنياهو كونه ملاحق من قبل المحاكم الإسرائيلية ويعبر عن تطلعات اليمين الإسرائيلي المتطرف - لا يخدم مصلحة لا وطنية ولا إقليمية ولا دولية. الواضح أن وطأ الأقدام الخارجية واضح علي رقاب كل مرتقب... اللهم إلا أن يكون المرء مستبيع. أكبر الأخطاء التي ارتكبتها القيادة التاريخية للفلسطينيين أن ربطت القضية الفلسطينية بالاخوة العربية. وهذه يتوبيا لا تسمن ولا تغني من جوع. فالعرب ليسوا علي قلب رجل واحد ، وحتي الموقف التاريخي المعلن في مؤتمر الخرطوم الشهير بالاءات الثلاثة ، قد تبخر بين محاولات التسوية والتطبيع اللاحقة. ويمكن القول اجمالا انه طالما كانت هنالك دويلات إرتبطت مصالحها مع أمريكا ، وطالما كانت امريكا هي الكفيل الرسمي لإسرائيل فإن الابتزاز سيظل قائم على أشده لصالح التطبيع و الذي يمكن أن يقول المرء بثقة انه قائم قائم ولكن البعض يصر علي أن يقوم بالطريقة الصحيحة.. أي ضمن "تسوية تاريخية" تضمن وجود إسرائيل بسلام وسط محيط مناوئ لها دينيا وفكريا وثقافيا يتقبلها بحكم الأمر الواقع مقابل إعطاء الفلسطينيين حقهم في دولة ضمن حدود ما يعرف ب أراضي ال 67 وتكون عاصمتها القدس الشرقية وهذا أقصي ما كان يطمح له المفاوض الفلسطيني. في قمة نزوعه الواقعي قال الشاعر الرائع الراحل درويش في معرض رده علي سؤال حول وضع إسرائيل قال :(الي جواري وليس من فوقي).