جاء يوم السبت 14/3/2020م من عاصمة جنوب السودان جوبا، خبراً يقول بتوقيع وفدا الحكومة السودانية لمفاوضات السلام، وحركة مالك عرمان الإسفيرية، بالأحرف الأولى، على الوثيقة السياسية الخاصة بقضايا الحكم والسلطات والصلاحيات في المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق. ووقع عن الحكومة السودانية، حسان نصر الله، وعن حركة مالك عرمان، عبد الله عيسى زايد، وعن الوساطة الجنوبية، ضيو مطوك. وأوضح عضو الوفد الحكومي السوداني لمفاوضات السلام، إسماعيل التاج، في تصريحات صحفية، أن "التوقيع على ورقة قضايا الحكم والسلطات والصلاحيات في المنطقتين يمثل خطوة جوهرية في مسار تحقيق السلام في السودان". إذن وكما جاء في الخبر المشار إليه اعلاه عزيزي القارئ، فإن وفد "البرهان دقلو" المفاوض في جوبا قد وقع مع حركة مالك عرمان الوهمية التي لا وجود لها على الإطلاق بشهادة المتفاوضين أنفسهم -سواء سياسيا في كل السودان أو عسكريا في المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق)، على وريقة ممسخة مبهدلة سمي بالوثيقة السياسية بقضايا الحكم والسلطات والصلاحيات في المنطقتين. وبهذه المسخرة تنكشف كل النوايا السيئة للمكوّن العسكري بالمجلس السيادي وأحزاب المركز (قحت) الساعية منذ البداية للإنقضاض على أهداف الثورة وشعاراتها العظيمة المتمثلة في (حرية سلام عدالة). وعليه، عندما يوقع ما يسمى «بحركة مالك عرمان أونلاين» مع وفد مجلس "البرهان دقلو" المفاوض، اتفاقا بإسم قضايا الحكم والسلطات والصلاحيات في المنطقتين، واعطائه صيغة السلام الشامل الدائم العادل في السودان، فعليك أن تعرف أيها القارىء أن الافلاس السياسي لدى الحكومة الإنتقالية ومجلسها السيادي قد بلغ ذروته. وعندما تحتمي حركة مالك عرمان أونلاين الوهمية، بمظلة أحزاب المركز (قحت)، وبمجلس السيادة الذي يتحكم المكوّن العسكري في كل قراراته، فعليك أن تعرف أيها السوداني الشريف أن حكومة السيد عبدالله حمدوك مسلوبة الإرادة والقرار وأنها غير جديرة وغير قادرة على جلب السلام الحقيقي للسودان. نعم.. إن التوقيع على مثل هذه الاتفاقات العبثية مع جماعة عبثية انتهازية، لا قاعدة جماهيرية لها ولا أرض ولا قوات لها، إنما دلالة قاطعة على إفلاس الأحزاب التي تدعي تمثيل الثورة والثوار (قحت)، وأن سكوت حكومة عبدالله على هذا العبث بإسم السلام، هو دليل قاطع على فشلها وعدم قدرتها على مواجهة غطرسة وعنجهية المكوّن العسكري المصِر على حشر أنفه في ملف السلام والإقتصاد والسياسة. بعد انتصار الثورة الشعبية العظيمة في السودان، كان الأنظار متجهة نحو جوبا التي أصبحت فجأةً ودون سابق إنذار محتضنا للأطراف السودانية التي تدعي سعيها لصنع السلام وإرساء دعائمه وإنهاء حالة الاحتراب والفوضى ومظاهر العنف التي لا يتم إلآ بالانتهاء من الآثار التي خلفتها الحرب الأهلية اللعينة على مختلف الصعد. لكن يبدو ومن خلال الفوضى السياسية التي تحدث في عاصمة جنوب السودان جوبا أن أعداء السلام يبذلون قصارى جهدهم ليعيش السودان حالة من الضبابية وعدم الوضوح. إن صنع السلام بحقيقته مسيرة طويلة لابد لها أن تنطلق من المجتمعات التي عايشت وعانت من الحروبات أولاً، لتتمكن من رسم ملامح مستقبلها والمشاركة الفاعلة في بناء أسس مجتمع مدني يتمتع فيه الأفراد بالعدالة والمساواة والحرية والرخاء الاقتصادي، بما من شأنه تحجيم العوامل التي دفعت البعض نحو حمل السلاح والتعبير عن رفض الواقع المأزوم المرير، ويقع واجباً على الحكومة المدنية المتمثلة في مجلس الوزراء وضع يدها على ملف السلام والجلوس مع الحركات والجماعات المسلحة الفاعلة التي حاربت النظام البائد سنينا طويلة وكانت السبب المباشر لنجاح ثورة ديسمبر 2018م. وأنا هنا تحديدا أقصد الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال التي تسيطر على مناطق وأراضي واسعة في المنطقتين تساوي مساحة دولة رواندا وبروندي مجتمعين. لنكن واضحين مع أنفسنا ومع الآخرين أيضا، وهو أن التوقيع على اتفاق بإسم السلام في المنطقتين مع جماعة مصطنعة ومختلقة ووهمية، والقول إن هذا الإتفاق بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، يعد بكل المقاييس والمعايير السياسية، عملا اجراميا بإمتياز، وتحويراً متعمداً لعملية السلام الحقيقي الذي يحتاجه السودانيين، وهذا ما لا يمكن القبول به أبداً. نود أن نذكر السيد الدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء السوداني، أنه رئيس حكومة انتجت من صلب الثورة السودانية العظيمة، وتوافق عليه كل المكونات السياسية. وعليه أن يحترم الحالة التي اوصلته إلى موقعه هذا، عبر مصارحة السودانيين بالذي يحدث في جوبا من تخبط وتضارب في التصريحات للمسؤولين الحكوميين المقيمين هناك منذ أكتوبر 2019م، عن سير ملف عملية السلام، وأن الصمت والسكوت على ما يحدث من عبث وفوضى لن يؤدي الى نتيجة محمودة بل سيزيد المشاكل التي يريد السيد حمدوك حلها. السيد عبدالله حمدوك، جاء إلى السلطة في زمن سوداني زفت مليئ بكل التعقيدات والأزمات القاتلة، لكن هذا لا يمنعنا من أن نطرح عليه بعض الأسئلة الخاصة بملف السلام الذي يعتبر في نظره وفي نظر كل الناس، أم كل الملفات -أي تحقيق التقدم في ملف السلام يسهل من الملفات الأخرى. السؤال الأول: السيد عبدلله حمدوك أول مسؤول سوداني يزور عاصمة دولة الحركة الشعبية لتحرير السودان بمعية وفد رفيع من حكومته، وبرفقة الأعضاء الدائمين للأمم المتحدة، ودول الترويكا، والإتحاد الأوروبي والأفريقي، ومبعوث الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى السودان وجنوب السودان. وفي هذه الزيارة قدم حمدوك خطابا جيدا اعترف فيه بأن السلام هو مفتاح عبور السودان لأزماته المستفحلة. لكن منذ ذاك الخطاب الناري الذي أعجب به كل السودانيين، لم نرى خطوات ملموسة لتحقيق عملية السلام، بل رأينا المكوّن العسكري والجنجويدي يتقدمان هذا الملف.. فما الذي يحدث في هذا الملف الذي يعتبر أم كل الملفات؟ السؤال الثاني: سمعنا من وفد الحكومة المفاوض إلى جوبا ومن "توت قلواك" بتاع جنوب السودان وشخص يسمى ضيو مطوك، بأن التوقيع على السلام السوداني النهائي سيتم في الشهر القادم -أي شهر أبريل 2020م.. فأي سلام تريدون التوقيع عليه ووفد الخرطوم لم يجلس حتى الآن مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال التي زار السيد حمدوك عاصمتها كاودا قبل أشهر ومع حركة تحرير السودان -عبدالواحد محمد نور؟ السؤال الثالث: علّ السيد حمدوك سمع أو عرف من الأخبار الواردة من جوبا يوم السبت 14/3/2020م بتوقيع وفد حكومة الخرطوم لمفاوضات السلام على وثيقة سياسية مع حركة مالك عرمان أونلاين، بالأحرف الأولى، خاصة بقضايا الحكم والسلطات والصلاحيات في المنطقتين.. فما هو رد رئيس الوزراء على هذه المسخرة والعبث؟ عزيزي القارئ.. قبل شهرين أو ثلاثة أشهر، تسلل في ليلة من الليالي الظلماء، المدعو مالك عقار بمساعدة المكوّن العسكري من جنوب السودان إلى منطقة النيل الأزرق، ومن هناك قام بأخذ الصور مع المواطنين وارسالها لوسائل الإعلام للترويج السياسي الرخيص له، بحجة أن للمدعو جيش وأراضي يسيطر عليها في النيل الأزرق. لكن الرد على هذه الأكاذيب، جاء قبل يومين من تأريخ هذا المقال بهجوم عسكري واسع قام به عدد من أفراد الجيش الشعبي على منطقة "اولو" مكان اختباء المدعو مالك عقار اير الذي رغم كبر سنه وزيادة وزنه ومعاناته من مرض السكري، استطاع أن يفتح برجليه وسط الغابات الكثيفة وينجو بنفسه من القبض عليه لتقديمه للعدالة بتهم مختلفة.. فأين سيتم تنفيذ ما اتفق عليه في جوبا، ومالك عقار قد هرب من المنطقة الوحيدة التي تسلل إليها خفية.. هل سيتم تنفيذه في معسكرات النزوح التي لجأ إليها عقار بعد هروبه من منطقة "اولو"، أم أين سيتم تنفيذه؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.