قبل أسبوعين تقريبا صدر قرار من المكون العسكري بمجلس السيادة بإحالة ( 1015 ) من ضباط الشرطة إلى التقاعد وتضمن القرار نفسه ترقية عدد كبير من الضباط وعلى رأسهم وزير الداخلية والذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول . وبين أفراح المترقين إلى الرتبة الأعلى وأحزان المحالين إلى التقاعد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي إحتفالا بما أسماه البعض ب(( بل كيزان الشرطة )) ووضعهم في فتيل . وفي الليلة التالية لصدور القرار تكشف للكثيرين من العالمين ببواطن الأمور في أوساط الشرطة أن القرار الصادر من عسكريي مجلس السيادة لم يكن بلاً للكيزان وتفكيكاً للتمكين بوزارة الداخلية كما تبادر لرواد مواقع التواصل الإجتماعي وإنما هو حلقة جديدة من حلقات (الاستهبال) التي يمارسها الشريك العسكري بالحكومة الإنتقالية وإستمراراً لنهج التشريد بذات الأساليب الذي مارسها النظام البائد على مدى ثلاثة عقود . صحيح أن كشوفات الإحالة التي صدرت شملت قدرا متفاوتا من حيث القلة أو الكثرة من كيزان الشرطة في نظر البعض ، ولكن المحصلة النهائية تشير إلى أن تلك الكشوفات لم يتم إخضاعها للمعايير القياسية لتفكيك التمكين وشملت إحالة الكثير من العناصر التي لا تمت بصلة لكيزان الشرطة . وما يجدر ملاحظته أيضا عقب صدور القرار أن خلايا الإسلاميين لا زالت موجودة بقوة داخل صفوف الشرطة ولا زالت تعمل بحرية وتمارس ذات نشاطها الذي اعتادت عليه خلال حقبة النظام البائد . وتمثل الأمر الأكثر إثارة للدهشة في اللغط الكبير الذي ساد بين العاملين في الخدمة بالشرطة ومعاشييها ونَقْل البعض لأقاويل منسوبة لكبار القادة في وزارة الداخلية يفهم منها أن الكشوفات المرسلة من الوزارة للقصر لم تكن هي ذاتها التي صدرت من القصر الرئاسي . كما لفت نظر الكثيرين حالة التكتم التي صاحبت إصدار كشوفات الإحالة وعدم قيام قيادة الشرطة باصدار كشوفات تحوي رتب وأسماء المحالين كما هو مفترض ومعمول به وأكثر من ذلك قيام رئاسة الشرطة بإبلاغ المحالين بقرار إحالتهم من الخدمة عن طريق الهاتف . وفي الوقت الذي تكتمت فيه قيادة الشرطة على أعداد وأسماء المحالين إلى التقاعد تسربت إلى مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة المقروءة خلال الأسبوع الماضي وثيقتين تحوي إحداهما مقترح لما يسمى بالإدارة العامة للأمن الداخلي بينما تتضمن الوثيقة الأخرى مقترحات للقوة المطلوبة لتأسيس الإدارة المعنية . اذا افترضنا صحة هاتين الوثيقتين واللتين كانتا في حاجة إلى مهرهما بأعلى درجة ممكنة من السرية فثمة بعض الملاحظات : أولا : تسرب الوثيقتين إلى وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة إن دل على شئ فإنما يدل على غياب المهنية بشكل كبير ، حيث أن من المألوف في عُرف أجهزة الأمن والمخابرات أن تسرب مثل هذه الوثائق يُعتبر خطيئة كبرى ، ذلك لأنه يكشف أدق التفاصيل الخاصة بالأنشطة الأمنية التي يفترض ممارستها من قبل الجهاز الأمني المقترح . ثانيا : تلاحظ أن مقترح الهيكل التنظيمي تضمن اختصاصات ما كان يعرف بإدارة الشرطة الامنية سيئة الصيت والسمعة والتي كانت إحدى الأدوات التي استخدمها النظام البائد لقمع الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية التي قادت إلى إسقاط ذلك النظام ، كما كان من واجباتها أيضا التجسس على ضباط وفبركة التقارير عن أدائهم وسلوكهم والتوصية لاحالتهم لما يسمى بالصالح العام الأمر الذي يعني أن ثقافة فكر الانظمة الشمولية لا تزال هي المسيطرة على أذهان قادة الشرطة والأمن . ثالثا : تلاحظ أيضا أن من قام بإعداد جدول القوة المقترح للإدارة المذكورة إعتمد على الكم أكثر من الكيف إذ حوَّت المقترحات أعداد تقدر بأكثر من 15400 ضابط وضابط صف وجندي علما بأن مثل هذه الأعداد إذا ما قورنت بالوحدات التنظيمية الموضحة بالهيكل التنظيمي تعتبر أعداد خيالية وتفوق في كثرتها عضوية أكبر وأشهر أجهزة الأمن والمخابرات على مستوى العالم . وعلى سبيل المثال لا الحصر وبحسب التقديرات غير الرسمية فإن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أقوى أجهزة المخابرات على الاطلاق تضم في عضويتها عدد يزيد قليلا عن 20 ألف موظف ، بينما يضم جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي ( الشاباك ) أحد أقوى الأجهزة الأمنية بمنطقة الشرق الأوسط بضعة آلاف فقط من العاملين ، اما جهاز الأمن الداخلي البريطانى MI5 أو ما يعرف بالمكتب الخامس والذي يعتبر أقوى أجهزة مكافحة التجسس حول العالم فلا تزيد عضوية منتسبيه عن ألفي موظف . كذلك لم تتضمن المقترحات نوعية وأعداد الخبراء الذين يفترض أن يستعين بهم الجهاز الأمني في مجالات العلوم الحديثة ذات العلاقة مثل الاقتصاد والهندسة والإتصالات وتقنية المعلومات وغيرها مما يعني تغلب ثقافة الفكر الشمولي التي تعتمد على القوة العسكرية المدججة بالسلاح كركيزة أساسية لقيام أجهزة الأمن . وعموما يمكن القول أن المسارعة إلى إعداد مثل هذه المقترحات قبل إجازة قانون جهاز الأمن الداخلي يشير إلى نيِّة وزارة الداخلية لتأسيس الجهاز وفقا لرؤيتها الخاصة ورؤية قادتها دون النظر في الاستعانة برأي الخبراء أو برأي أي جهة أخرى تضمن استقلالية الجهاز واحترافيته المهنية . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.