كنا قد تحدثنا في المقالة الأولى عن شجرة الفساد واختيار المؤتمر الوطني لرمز الشجرة وقلنا أن الشجرة تعني الاخضرار والحياة وهذا منافي تماماً لطبيعة النخبة الأصولية التي بدأت حكمها بالولوغ في دماء البشر، فضباط رمضان الذين تم سحقهم وبدم بارد إلى بيوت الأشباح التي اغتيل فيها المثقفين وعُذب وجُلد فيها البشر وكأنهم حيوانات.. فجماعة المؤتمر الوطني أحالوا السودان إلى سجن كبير من الجهل والتجهيل الذي يُمارس عن طريق المناهج المبلّدة للذهن والطرق الببغاوية في إيصال المعلومة إلى المتعلمين والتي لا تختلف كثيراً عن طريقة الخلوة. فالنخبة الأصولية وإيمانها الأعمى أحالت السودان إلى بؤرة من بؤر الفساد، فنافع وصحبه ومن اجل امحافظة على السلطة والتي هي ليست لخدمة الإنسان وإنما لخدمة الفئات المسيطرة تاريخياً على الدولة السودانية، قاموا باستخدام كل الوسائل التي لا تمت بصلة إلى الدين أو الفلسفات الإنسانية بحرق وقتل الإنسان السوداني وتكسير وتهشيم الأحزاب السياسية وذلك لكي يبقى المؤتمر الوطني هو الحزب المسيطر في الساحة السياسية ولكن هيهات، فاختلاف وتضارب المصالح جعل المؤتمر الوطني حزبين! أيضاً جماعة المؤتمر الوطني وبسبب الفكر الشمولي القائم على إرهاب الخصوم وتصفيتهم ونبذهم أقاموا نظاماً قائماً على الأسرة والحاكم الواحد الذي يسأل ولا يُسئل.. هو وأسرته وبطانته التي أحالت الدولة من مؤسسات وما فيها تأتمر بأمر (الحاكم الواحد) الذي تكون السلطة في خدمته وإسعاده هو ليس الشعب، وبرضو دجالي المؤتمر الوطني مصرين على حكاية (هي لله لا للسلطة ولا للجاه) ولكن اتضح ومنذ الأيام الأولى (للإنقاذ) أنها (اي السلطة) هي للجاه والسلطة والتسلط على عباد الله المساكين وكان هذا واضحاً من خلال العمارات الفارهات والعربات التي تكلف المواطن وليس الدولة ملايين الجنيهات التي تأتي عن طريق الضرائب والغلظة في جمعها ومن بترول الجنوب المخلوط بالدم، دماء الجنوبيين البسطاء ودماء المهمشين والمنبوذين، فكان قادة النظام يرفلون في النعيم وأسرهم، وكانت السلطة من أجل شبر بل مئات الأفدنة في كافوري والمنشية والرياض، أما الشباب الذي صدق خزعبلات قادة الصولية الإسلامية كان يواجه جحيم الحرب. وقادة النظام يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها من أجل الإنسان ولخدمة البشرية .. فالشعب السوداني لم ير من جماعة المؤتمر الوطني وشخوصه المجرمين وعقليتهم الشريرة سوى الفساد والإفقار، فهم أحالوا السودان والسودانيين أقطاب متنافرة وذلك بسبب التفاوت الاقتصادي الذي جعل كل الشعب في (كفة) وهم في (كفة) أخرى فهم يمتلكون كل شئ ومجموع الشعب الذي لا يمتلك من الدنيا إلا حُطامها. فأصبحنا على هامش الحياة السياسية والاقتصادية، أفراداً، رجالاً ونساءً، لا نعطي للحياة معناها وللوجود قيمته وذلك بسبب السجون الاقتصادية والسياسية التي أشادتها النخبة الأصولية وإيمانها الكاره للآخرين. فنحن لسنا أحراراً في أفكارنا ومعتقداتنا .. فالمؤتمر الوطني وخال الريس يريدوننا كالببغاوات، نردد ما يقولون وما يفعلون، وهم الأنبياء الكذبة الذين حذرنا منهم المسيح عليه السلام. فنحن لن نصدق أباطيلهم حول استهداف العروبة والإسلام، فالإسلام والعروبة في خطر بسبب التفكير الظلامي الذي يقسم السودانيين إلى مسلمين وكفار ومسيحيين ومسلمين. فهذا ممكن الخطر في فكر المؤتمر الوطني، والذي ينشره في مساجد التزمت والإكراه التي يدعون فيها بإنزال العذاب على (النصارى) و(الكفار) بدون مراعاة مشاعر الآخرين الذين يشاركوننا الوطن. أيضاً دولة المؤتمر الوطني، وأقول دولة مجازاً لأن الدول بالمفهوم الغربي الذي أرسى مؤسسات تنظر بعين المساواة إلى جميع الأفراد، في معزل عن آرائهم وأفكارهم وموقعهم الاقتصادي ومعتقداتهم ومنابتهم الاجتماعية والإثنية والدينية، ولكن في (دولة) المؤتمر الوطني فالكل، وهذا الكل يشمل الإنسان مسخر لخدمة الفاشية الإسلامية، فالإنسان لا قيمة له في معادلته الأيدلوجية الخالية من اي نزعة إنسانية .. فلا وجود للمؤسسات ففي إمكان أي (مسئول) وإن كان كما قال الراحل الدوش مسئول كبير غير الله انعدم، أن، يقوم بإجراء مكالمة تلفونية صغيرة يكون حاصل جمعها ملايين طائلة في جيبه، ويكون حاصل طرحها من لبن الأطفال ومشاريع التنمية. وهذا هو رأس المال الطفيلي الذي يكسب من عرق التعابى والمنبوذين والمهمشين وليمت الفقراء بغيظهم، طالما رأس المال في ازدياد! نقطة ثانية: النخبة الأصولية الفاشية مصرة على استخدام الدين في المعترك السياسي وذلك عن طريق تكفير الخصوم وإصدار افتاوى التي تبيح دماء الاخرين. فهي كما قلنا بعد أن احتكرت الدنيا عن طريق احتكار السماء، لذا المعركة هي تحرير الاثنين معاً، فالنخبة الأصولية لا تمتلك الإسلام ولا السودان .. فالسودان ملك لجميع السودانيين والدين المتسامح والمنفتح على الآخرين لا تمثله تلك النخبة، وإنما اصحاب الطرق الصوفية الذين نشروا الإسلام بالتي هي أحسن وليس بطريقة (فلترق منهم دماء أو ترق كل الدماء) ... ولكن السؤال المهم لماذا لا يفتي هؤلاء الجهلة لتحقيق العدالة والمساواة التي اختل ميزانها في ظل حكمهم؟ وما هو رايهم في سرقة المال العام وتبديد ثروات (الشعب) ونهبها وسرقتها؟ لماذا لا يصدرون فتوى باحترام الإنسان – لا يُهان – لا يُكفر؟ وما هو رأيهم في اغتصاب النساء وحرق القرى واغتيال المدنيين العزل؟ كم هي عبثية وفاجعة في آنٍ (حياتنا) نحن السودانيين تحت ظل حكم النخبة الأصولية التي قتلت ودمرت الإنسان والبيئة معاً، فنحن نعيش في عالم ملئ بالإفقار بمعناه المادي والمعنوي بالرغم من الموارد المتعددة من أنهار وأرض وسهول .. ولكن كما تعجب الشاعر والإنسان مظفر النواب من الجوع الذي يسكن الأهوار فها نحن نتعجب معه .. لماذا يسكن جوع في السودان جوع ومئات الأنهار!فالإنسان يحيا في بلادي بإرادة المؤتمر الوطني الذي يتحكم في رقابنا ويحدد لنا كيف نتزوج وكيف نسير في الطريق (وسير سير يا البشير) نحو الدمار وحرق القرى وإفقار المواطن وتدمير النسيج الاجتماعي الذي كان نتاجه قرية (الأطفال الغير شرعيين) وهذا كله بسبب الإفقار الاقتصادي وسيادة قيم السوق والنهم الطفيلي، فنحن رجعنا مئات السنين إلى أزمنة محاكم التفتيش وتفتيش الضمائر وعصور الظلمات وأزمنة البربرية التي تبيح قتل الإنسان وحرق القرى واغتصاب النساء، وكأن الإنسان فصيلة من فصائل الحيوانات .. وأيضاً النخبة الفاشية والأصولية جعلت حياة الفرد منا عبارة عن مذلة ومهانة. فالنخبة الأصولية أجاعت الشعب ودمرت نسيجه الاجتماعي وفككت القيم الأسرية .. فكم هي فظة وغليظة ومبتذلة النخبة التي تُدمر المشاريع الزراعية والتعليم والصحة وتنهب ثروات الشعب وكانها في سباق مع الزمن على طريقة (hit and run) اضرب-اخطف واجري – فالنخبة الأصولية تمتلك سلطة الباطل والقمع والتسلط على الشعب وهي محمية بأيدلوجيا الفكر الظلامي السلفي الذي يقسم السودانيين إلى مؤمنين وكفار ويترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لاستكمال النهب والسرقة .. وأخيراً نحن على موعد مع التاريخ، فإما أن نظل تحت حكم النخبة الأصولية وزمانها المسخ الذي جعل السودان مرتعاً خصباً ونهباً لرأس المال الطفيلي ولعلعة الرصاص في هوامش السودان الذي لا يستثني بشر وحيوان من القتل الجماعي الذي طال الجميع .. وآخره قتل طالب جامعة الخرطوم ابن دارفور بحر الدين وسوف لن يكون الأخير في ظل دولة الاستبداد واللصوص والإرهاب الفكري. فنحن لسنا شركاء في هذا الوطن في ظل دولة المؤتمر الوطني .. فليس هذا زمن المثقفين الحقيقيين والعضويين الذي يحسون بألم الشعب ومعاناته ... وإنما هو زمن الهندي عز الدين وليس الحاج وراق المنفيين والجالسين على الرصيف .. ولكن مكانهم الطبيعي هو الشعب بكل فئاته وهو (أي الشعب) أرحب وأوسع من سلطة المؤتمر الوطني .. والليل على الغرباء طويل! فأمثال وراق من الكتاب الديمقراطيين يكتبون لافتضاح الظلمة وتعرية السلطة الغاشمة .. وأمثال الهندي يكتبون لإشادة سلطة البغض والتكبر والموت الجماعي ولتدمير الوعي وتثبيت الوعي الزائف ومن أجل دنانير معدودات وهنا تكمن المفارقة! ولكن أمثال وراق عملة نادرة في هذا الزمن لكنهم يظلون منارة وصرخة في وجه الطغيان والاستبداد وهم شهود أحياء على زمن الانحطاط والفساد ويقاومون الإغراءات والانتهازية والقمع والتشرد والفقر بكل معانيه، وهم جوابي حقيقة .. أما أمثال الهندي وغيره من طفابيع المؤتمر الوطني فهم من زمرة وحواريي مسيلمة الكذاب ومن سيافي الحجاج وابي العباس السفاح ومداحي المتوكل .. فمعاً من اجل اقتلاع شجرة الفساد والإفساد والقتل والدمار والتجويع ....!