في عام 1992 ، وحينما قمت بزيارة خاطفة إلى جامعة الخرطوم في محاولة فاشلة لاستعادة بعض الذكريات الطلابية الجميلة ، وجدت حمى النشاط السياسي في أعلى درجاتها في مقهى النشاط قبيل إجراء مناسبة انتخابية ما ، وكانت الصحف الحائطية الحزبية ، التي تعكس وجهات النظر السياسية للإسلاميين والشيوعيين والاتحاديين والأنصار ، تعج بوجهات النظر الحزبية المتعارضة والمتضاربة ما بين مؤيدة ومعارضة لانقلاب 1989 الذي ما زال يبحث عن الشرعية حتى تاريخ اليوم! وحينما دلفت إلى أحد أركان الجامعة فوجئت بشعار غريب كتبه أحد مجانين الجامعة بطين النيل الأزرق على صفحة أحد الحيطان ، كان الشعار يحمل عبارات إعدام البشير الترابي ونقد! في الليلة الماضية وحينما كنت أقوم بتقليب القنوات الفضائية بسأم بالغ ، استمعت إلى حديث سياسي دار في أحد البرامج السياسية الحوارية التي تنتجها قناة النيل الأزرق ، وفجأة لمع في ذاكرتي ذلك الشعار المجنون القديم الذي كان يطالب بإعدام كافة رموز السياسة السودانية ، فقد انفجر أحد المواطنين السودانيين من أولئك المقيمين بشكل دائم في ليبيا وطالب بمحاكمة البشير والترابي والصادق ونقد بسبب ما ارتكبوه في حق الشعب السوداني من جرائم سياسية أدت إلى الأوضاع الحالية السيئة التي جعلت السودان من أفسد وأفقر دول العالم ! لقد رد أحد المرشحين الرئاسيين على ذلك بشكل مقتضب حينما قال إن العدالة مطلوبة ولكن المبالغة في طلبها غير مقبولة أما مقدم البرنامج فقد اعتبر أن الأمر مجرد فشفشة وأن هدف البرنامج الأساسي هو أن يتيح الفرصة لكل مواطن سوداني ليفش غبينته السياسية على كيفو ولكن بالطبع دون حدوث أي تغيير في الأوضاع على أرض الواقع السياسي السوداني! من المؤكد أن تقديم هكذا برامج سياسية حوارية هو أمر مفيد لصحة الديمقراطية السودانية حديثة الولادة والتي تحاول الوقوف على قدميها الهزيلتين قبيل الانتخابات السودانية التي بدأ موعد إجرائها يقترب على عجل لكن من المؤكد أيضاُ أن الشعارات المجنونة القديمة وشعارات الفشفشة الحديثة لن تغير من صورة الواقع السياسي السوداني الراهن وسيفوز بها واحد من الذين تطالب تلك الشعارات باعدامهم أو محاكمتهم لأن حواء السياسة السودانية لم تلد غير تلك الرموز السياسية السودانية التي تسعي للحكم الأبدي عبر الانقلابات أو الديمقراطيات الهشة ولأن كل الشعب السوداني الذي انجب هؤلاء الزعماء الخالدين فيها أبدا يستحق الوضع في قفص الاتهام فكل من فكر أو خطط أو شارك أو صمت أو صهين عند فواح روائح الفساد والأخطاء السياسية الكبيرة والفادحة وكل من اغترب أو هاجر أو بدل جنسيته مسؤول بالتضامن أو الانفراد عن كافة الجرائم أو الانحرافات السياسية التي وقعت في سودان اليوم الذي يكافح باستماتة من أجل أن يحافظ على شكله الجغرافي المعروف في خريطة العالم ، اللهم احفظ السودان وشعب السودان واهد قادته السياسيين إلى الاقتناع بفكرة الحكم لأربع سنوات فقط لا غير آمين يا رب العالمين! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر