للشيخ الأمين ود مسمار أحد زعماء العبدللاب، ولدان أحدهما حمَّاد (وهو المعني في هذا المثل) والآخر عبد الله. كلاهما كان فارساً، بيد أن عبد الله كان أشجع من حمَّاد. وفي إحدى المعارك التي دارت بين العبداللاب والفونج، في ناحية أربجي، وكان يقودها الشيخ الأمين وعلى ميمنة الجيش عبد الله وعلى الميسرة حمَّاد. وفي أوج وطيس المعركة واشتدادها أُصيب الشيخ الأمين في فخذه بضربة سيف ماضية إصابةً بالغةً أسقطته عن صهوة جواده، فأشار عبد الله إلى أخيه حمَّاد أن يردف أباهما وينسحبا من أرض المعركة، واضطلع عبد الله بمهمة صد خيل العدو التي تستهدف حصان أبيه وأخيه، فكلما رأى فرساً متجهاً صوبهما تصدى له وصداه (قَلَبَه) وظلوا على هذه الحالة إلى أن انسحبوا وفرسانهم جميعهم من المعركة التي خسروها ولا ريب. وبعد أشهر بينما الشيخ في مجلسه ومعه عدد من أعيان القبائل زاروه معاودين، كان يحكي عن وقائع تلك المعركة وتفاصيلها، وكان ولداه حاضرين، فقال أثناء سرده: - "لو ما حمَّاد، كان رُحنا فيها كلنا1". وهنا قال سأل عبد الله مندهشاً: - "الخيل تقلِّب والشكر لي حمَّاد؟". فصارت عبارته مثلاً يضرب في مقامه. فائدة: حدث في المثل، مع مرِّ السنين وكثرة التواتر، تحوير غيَّر في معناه ومدلوله تماماً، فقد أصبح الناس يقولون: "الخيل تجقلِب...الخ"، وهذا خطأ والصواب (تقلِّب). هذا، وقد أورد حسن نجيلة في كتابه2 أن الكبابيش يمارسون رياضة أو سباق خيل يسمى "قَلَب الخيل"، وفيه تقلب الخيل أي تصد وترجع بعد أن تصل نهاية المضمار. وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من تصحيح المفردة والمثل. فضلاً عن ذلك فإن مفردة "تجقلب" تعني الحركة في مكان واحد نحو حركة حبوب "البليلة" أثناء فورانها داخل القدر. ووقع بروفسير عون الشريف قاسم (رحمه الله) في ذات الخطأ، فلقد أورد في معجمه3 في معرض شرحه مفردة "جقلب": "جقلبت الخيل جرت في غير نظام. من أمثالهم الخيل تجقلب والشكر لي حمَّاد. وجقلب أيضاً ضاق صبره ولم يتجلّد ... قال الحمري: - "عيني اللَّجلَجَت قلبي البِسوِّي جَقْلُوبة"4. ولاحظ هنا "جقلبة القلب" أقرب في المعنى إلى الحركة والاضطراب في مكان واحد من معنى ضيق الصبر وقلة الجلد الذي ذهب إليه عون الشريف هنةً أيضاً. 1- والصحيح: (تقلِّب) 2- (أي لهلكنا جميعاً) 3- زكرياتي في البادية 4- (قاموس اللهجة العامية في السودان)