في الوقتِ الذي اقترب فيه عدد الأمريكيين المصابين بفيروس كورونا من 1.5 مليون وتجاوز عدد القتلى 87500 شخصاً، يصيب فيروس "الاستطلاعات" ساكن البيت الأبيض دونالد ترامب ويدفعه نحو التراجع بنسبة ثمانية في المئة خلف مُنافِسه الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة التي سَتُجْرى في نوفمبر من العام الحالي. ومن الواضح أنّ جائحة كوفيد 19 وحْدها، على الأقَل حالياً، هي التي تقف وراء تدهور شَعْبِيّة ترامب إلى هذه الدرجة. وقد فَعَلت فِعْلها، لأنّ الرئيس ترامب الذي يتحدث عن انتصاره على الفيروس الصيني كما سمّاه، يناقضه خبراء علم الفيروسات، مُحَذِّرين من أنّ الوباء لم يَنْتَه بَعد. وفي مواجهة محصلة مُرْعِبة لإعداد الضحايا، أصبح المزيد والمزيد من الأمريكيين ينتقدون بشدَّة الطريقة غير المُقْنِعة التي تعامل بها رئيسهم مع أزمةِ الجائحةِ حتى الآن. لا ريب أنّ الولاياتالمتحدة على رأس قائمة الدول التي تَفَشّى فيها الوباء بسرعة وفرض نفسه عليها منذ عدة أسابيع، ويتحدث المُتَخَصِّصون عن توقعات قاتمة للفترة المقبلة. والمعارضة متمثلة في الحزب الديمقراطي، وكذلك أصوات داخل الحزب الجمهوري، ما برحوا يُذَكِّرون الناخبين يومياً أنّ رئيسهم اسْتَخَفَّ في البداية بخطر الفيروس القادم من الصين، وبعد ذلك أوْصى بمعالجاتٍ خياليةٍ فانتازيّة، غير مؤكدة من وجهة نظر عِلْمِيّة. وأخيراً وليس آخراً، عارض ترامب مراراً وتكراراً خبراء في عِلْمِ الفيروسات، ويضغط لفَتْحِ الاقتصاد الأمريكي بسرعة بِظَنِّ أنّه ورقته الرابحة لمعركة انتخابات نوفمبر على الرغم من توصِية المُتَخَصِّصين للانتقال التدريجي، مع الاحتفاظ بالحجْرِ الصحي في بعض الولايات. وإلى ذلك جرت يوم الثلاثاء 12 مايو الجاري معركة ليست أخيرة من الحرب مع المتخصصين، حيث لا يسمع الرئيس لهم ولا يلقي المُتَخَصِّصون بالاً للرئيس الذي اصبح يَخْرُج من المعارك دائماً متوتراً. فقد حَذَّر علماء في علم الفيروسات لجنة الصحة بمجلس الشيوخ من أنّ الوباء بعيدٌ عن سَيْطَرة السُلْطات. وكان الرئيس ترامب في اليوم السابق قد وقف مزهواً أمام الأمّة، يجادل بقوله: "لقد ارتقينا إلى مستوى عالٍ لمقابلة اللحظة، وانتصرنا"، بينما حذَّر كل من أنتوني فوسي أشهر المُتَخَصِّصين في الأمراض المُعْدِيَة، وروبرت ر. ريدفيلد مدير مركز التحكُّم والوقاية من الأمراض والاوبئة، أعضاء مجلس الشيوخ من العواقب الوخيمة إذا أعادت البلاد فتح اقتصادها في وقت قريب جداً، مشيرين إلى أنّ الولاياتالمتحدة لا تزال تعاني من نَقْصٍ في قدرتها على فحص المواطنين وتحديد الذين اتصلوا بالأشخاص المصابين. ونقلت صحيفة (نيويورك تايمز) عن فوسي قوله "إذا لم نَرُد بشكلٍ صحيحٍ، فإنّنا سنواجه خطر عودة الأزمة في الخريف القادم، لأنّه بلا شك ستنتشر العدوى في المجتمع". وتابع "إذا أعادت الولاياتالمتحدة فتح اقتصاداتها بسرعة كبيرة، فهناك خطر حقيقي لتفشي وباء لن تتمكن البلاد من السيطرة عليه بعد الآن". وقال فوسي إنّ الموجة الثانية لن تتوقف عند زيادة "الموت والمعاناة"، ومن الممكن تفاديهما، بل ستذهب أبْعَد من ذلك إلى إحباط جهود الانتعاش الاقتصادي". كما حذّر بأنّ مِن شِبه المؤكد لن يتوفر لقاح ضد الفيروس حَتّى بداية العام الدراسي الجديد، كما وأنّ تفشي الوباء في أجزاء أخرى من العالم سيضرب الولاياتالمتحدة مرة ثانية. وهكذا قَدَّم كل من فوسي وريدفيلد، صورة مغايرة تماماً عن تلك التي رَوَّج لها ترامب، الذي يصِر على الخروج سريعاً من مرحلة الحجر الصحي، مواصلاً في معظم ظهوره العلني إطلاق وعود "الانْتِقال إلى أمريكا العظيمة". # كارثة في استطلاعات الرأي: أظهر استطلاع للرأي نشرته (رويترز) يوم الثلاثاء الماضي أنّ 46% من الناخبين المُسَجلين اختاروا الديمقراطي جو بايدن لانتخابات نوفمبر القادم، و38% من الأصوات ذهبت إلى ترامب. علاوة على ذلك، فإنّ الأمريكيين الذين يختلفون مع ترامب حول الكيفية التي يقود بها البلاد خلال الوباء، أكثر بنسبة 13% من أولئك الذين ينظرون بتقديرٍ لاستراتيجيتة. واستناداً على ذلك، يُطْرح السؤال: هل خَطى ترامب أوَّل خَطْوة خارج البيت الأبيض؟ الشاهد، بعض الصحف الأوربية واسعة الانتشار، كتبت في اليومين السابقين "الاستطلاع يشير إلى أنّ ترامب وضع قدماً خارج البيت الأبيض"، ولا شك أنّ مشوار الخروج من أي بيت، حَتّى البيت الأبيض الامريكي نفسه، عادة يبدأ بخطوةٍ، فهل قام بها دونالد ترامب وهو يحمل اثقال فشله في التعامل مع جائحة كوفيد 19؟ ربّما لا يزال الوقت مُبكراً للحديث عن ذلك، فكل الاسْتِطْلاعات كانت تقول إنّ الديمقراطيّة هيلاري كلينتون كانت تتقدم على منافسها الجمهوري دونالد ترامب الذي فاجأ الجميع، بما فيهم ناخبيه، ودخل البيت الأبيض رئيسا منتخباً، وبقيت كلينتون تَنْدُب حَظّها أو قُدْرَة مُنافِسها على صُنْعِ المفاجآت، وهي الآن تنتظر أنْ يثأر لها بايدن. فهل يَفْعلها ترامب مَرَّة ثانية ويطيح بِمَن يتقدم عليه في "إسْتِطْلاعات زمن الكورونا"؟ أمْ أنّ الثانية "واقعة"، ولا مجال لها في لعبة الانتخابات الأمريكيّة؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.