على الرغم من ان اعلان الحزب الاتحادى الديمقراطي يعود فقط الي السابع والعشرين من نوفمبر 1967 باندماج حزبي الوطني الاتحادى والشعب الديمقراطي ، الا ان للحركة الاتحادية فى السودان جذورا اعمق تعود الي مطلع العقد الرابع من القرن الماضي. لم يكن الاندماج الاخير الاول من نوعه في تاريخ هذه الحركة والتى تعددت مدارسها وتنظيماتها منذ مرحلة النشوء ، وعبر المراحل اللاحقة، ولا يمكن لاى باحث تناول حزب التجمع الاتحادي بعيدا عن تناول الحركة الاتحادية ، والتى تشكل الاساس والمرجعية التاريخية له . لم تكن الحركة الاتحادية حزبا واحدا , وانما تحالف اهتمامات توحدت في معارضتها لعدو مشترك . وتصدت الحركة الاتحادية للقضية الجوهرية الخاصة بالموقف من الاستعمار البريطاني ومستقبل السودان . وتعبر الاحزاب الاتحادية بمختلف اتجاهاتها عن طموح الطبقة الوسطي النامية. تأسس حزب الاشقاء اقدم الاحزاب السياسية السودانية 1944 وتبني الحزب الذي تطور تحت رئاسة اسماعيل الازهرى موقفا من مصر تراوح بين الوحدة الكاملة معها او اتحاد فيدرالي ولم يتم عقد مؤتمر لتكوينه ولم يصدر برنامج محدد وانما تكون من خلال عملية النشوء والارتقاء من خلال الممارسة والتجربة . امتاز هذا الحزب بالقدرة علي كسب المؤيدين وباستغلال الاساليب التنظيمية المتقنة , وتدعمت تلك القدرة بعد تحالفهم مع الختمية بجماهيرها العريضة. ولا يجد الاستاذ احمد خير المحامى , والذي عاصر تكوين حزب الاشقاء , حرجا في قيام الحزب دون الاستناد علي برنامج محدد . ويقول " ان الحزب لم يعلن عن مبادئه , كما لم يعلن عن توضيج خططه واساليبه حتي امام الهيئة العليا , ويرى ان تلك السرية كانت عاملا فعالا في قوتهم العددية . وهو يرى ايضا ان الاشقاء حزبان , حزب انتخابي تبرز قوته وضرورته في الانتخابات حيث يجمع قوة غفيرة متباينة لا يجمع بينها الا انتصار مرشح الحزب, ثم يبرز الحزب الثاني وهو الاقلية الحاكمة. الي جانب حزب الاشقاء برزت في مراحل تالية تنظيمات اتحادية اخرى اكثرها اهمية حزب الاتحاديين بقيادة حماد توفيق , وهم اساسا مدرسة ابوروف الذين دخلوا السياسة من منطلق الصفوية الثقافية التي تنفر من العمل الجماهيرى , ولهم موقف محدد من الطائفية وعدم التعاون معها .. فكروا في تاسيس حزب عندما اشتد الصراع وظهر الفرز في الحقل السياسي , فعقدوا اجتماعا تأسيسيا في اكتوبر 1944 واعلنوا فيه قيام حزبهم , ووضعوا دستورا سموه " مبادئ ولوائح حزب الاتحاديين , وهو خليط بين من مبادئ العدالة الاجتماعية المثالية المتأثرة بالاشتراكية الفابية الانجليزية التي تنادي بالتدرج في التغيير الاجتماعي علي عكس دعاة التغيير الثورى ,وقد دعا الاتحاديون الي حكومة سودانية ديمقراطية حرة مع مصر علي نظام الدومنيون الذي يعطي حق الانفصال او الاتحاد مستقبلا , اذ بدونه سوف تجرد الاجيال المقبلة من حرية الارادة وحرية الاختيار. اما الاحزاب الاتحادية الاخرى التي كونت الحزب الوطني الاتحادي فيما بعد هي حزب الاحرار وحزب وحدة وادي النيل , وفي عام 1953 اندمجت الاحزاب الاتحادية تحت مظلة الوطني الاتحادي بزعامة اسماعيل الازهرى. كما اسس الختمية حزب الشعب الديمقراطي بعد تباعدهم عن الوطني الاتحادي برئاسة الشيخ علي عبد الرحمن الضرير حتي الاندماج عام 1967 . وتم الاندماج في الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي اختير الازهرى رئيسا له والشيخ علي عبد الرحمن نائبا له ود. احمد السيد حمد امينا عاما له. تطرح علينا دراسة الازمة الاتحادية مهمة منهجية ذات وزن اذا اردنا ان نعطيها ديناميكية متماسكة تجمع شتاتها الظاهرى ، لدينا منهجان ديناميكيان يتكاملان جدليا يغطى كل منهما وجها اساسيا من وجوه الازمة، الاول هو المنهج التاريخى الذى يتتبع خصائص هذا الوجود الغالبة فى كل مرحلة من مراحل تطوره ، فاذا لم نعد للماضى البعيد فاننا لن نفهم الحاضر القريب. اما المنهج الثاني هو المنهج البنائى الذى يجمع هذا الشتات فى شبكة متناسقة. مراحل تطور التجمع الاتحادي: منذ بدايات تكوينه كان يعتبر من احزاب القوى الحديثة بحكم تكوينه وتوجهاته ، اما تكوينه لانه تكون من طبقة المثقفين الذين افرزتهم مراحل الصراع الاجتماعى في السودان ، واما توجهاته فقد حملت في طياتها افكار مدرسة الابروفيين وهي خليط من الوطنية ومبادئ العدالة الاجتماعية المثالية المتاثرة بالاشتراكية الفابية الانجليزية. ويمكن ان نحصر ثلاثة مراحل كانت فيها حركات التجديد داخل الحركة الاتحادية تاخذ فيها اشكال منتظمة:- التجربة الاولي: كانت فى الستينات من القرن الماضي وتمثلت فى مذكرة النواب الشهيرة ايام الزعيم الراحل اسماعيل الازهرى وكان من رموزها صالح محمود اسماعيل وموسي المبارك وعبد الوهاب موسي وجلهم من الشباب . التجربة الثانية: حدث انقطاع تاريخي ابان فترة الحكم المايوي وفى عهد الشريف حسين الهندى تواصلت مسيرة الاصلاح والتجدديد وذلك بادخال مفاهيم العمل الجبهوى والحصار الدبلوماسي وتدريب وتاهيل الكادر الحزبي ومذكرة مركزية الطلاب للشريف حسين 1979، وفى تلك الفترة شهدت اروقة الحزب اولي المحاولات الجادة لوضع المرتكزات الفكرية الاساسية التى تنبثق من الواقع السوداني وتلبي طموحات الاجيال الطالعة في الحزب وتم تدوين المرتكزات الفكرية الخمسة وهى الوطنية والديمقراطية والشخصية السودانية والاشتراكية الديمقراطية والتضامن العربي الافريقي. التجربة الثالثة: وهى الحركة الاوسع جاءت بعد انتفاضة رجب 1985 ويتجلي ذلك بوضوح في تكوين تنظيم الشباب الاتحادي ، واستمرت مع بداية مجئ الانقاذ والي الان تأخذ ملامحها من تيار الشباب والطلاب. وان من اعظم مراحل تطورات الحركة الاتحادية المرحلة التى تم فيها تكوين التجمع الاتحادى المعارض واشملها في اطروحات الحراك الاتحادي ، حيث انها تطورت تطورا كبيرا بل ان ما توصل اليه التجمع الاتحادي منفردا كان اساسا لما اتفقت عليه القوي السياسية لاحقا في اعلان قوي الحرية والتغيير الذي انجز ثورة ديسمبر المجيدة التي ازالت حكم الاسلاميين واسست للديمقراطية الرابعة, والتى يقول عنها الاستراتيجي الاتحادي الشاب الاستاذ عمار عثمان ( بمشروع الفرصة الاخيرة لاعادة بناء حزب الحركة الوطنية الاقوى) , والذي قدم ورقة "مسودة الرؤية الاستراتيجية والمنطلقات الفكرية" والتي تهدف الي بناء حزب مكتمل الاركان ووضع رؤية حزبية تبحث وتهتم بالاجابة علي : من نحن ؟ وماذا نريد؟ ومن واقع الايمان العميق بضرورة الانفتاح لتجديد تراثنا الفكرى والتضامني والمؤسسي واشاعة مناخ الحركة الديمقراطية داخل حزب التجمع الاتحادي ، نجد انفسنا نتحاور ونسهم في اكمال بناء مؤسساتنا القاعدية والمركزية. حقيقة ان التجديد لابد ان يكون في البداية بفعل محفز خارجي (موضوعي) يمارس تاثيرا كثيرا خلال الطور الاول منه، متجسدا الان فى المصير الحاسم الذى يمر به السودان، وايضا لابد للتجديد من محفز داخلي (ذاتي) هو الشعور بالحاجة اليه لدي شرائح اجتماعية معينة وتأهيلها النسبي للمساهمة فيه. فأن الجديد فى الدعوة لاجراء اصلاحات ديمقراطية هيكلية في تجربة التجمع الاتحادي الديمقراطي هو توافقها من حيث التوقيت مع اعلان تحول التجمع الاتحادي المعارض الى حزب التجمع الاتحادى وانطلاق مؤتمراته القاعدية . عليه ومن الضرورى لمؤتمر الحزب ان يتبني الاهداف التالية علي المستوي الحزبي: ● التأطير النظرى لفكر حزب التجمع الاتحادي واعادة قراءته كيما يستوعب المتغير الاجتماعي والاقتصادى ، وذلك علي الصعيدين المحلي والعالمي. ● توحيد المرتكزات والرؤى الفكرية لحزب التجمع الاتحادى ● العمل علي قيام المؤسسة الحزبية علي الاساس الديمقراطي وعبر شرعية الانتخاب في كل اجهزة الحزب وهياكله ليتسق البناء التنظيمى مع الطرح الفكرى. ● توطين ثقافة الديمقراطية وتطوير المفاهيم التنظيمية. ● اعادة استقطاب الكوادر الحزبية المثقفة والواعية والذين عجزت البنية التنظيمية الحزبية القديمة عن استيعابهم وذلك للاستفادة من فكرهم وخبراتهم. ● تأهيل الكادر الحزبي ورفع كفاءته بما يمكنه من تحقيق الاهداف الحزبية والوطنية . ● تمثيل المراة والشباب والطلاب تمثيلا فاعلا في الاجهزة القيادية لحزب التجمع الاتحادي. ومن الضرورى لاي حزب سياسي يطمح فى تحقيق اهدافه ورؤاه الفكرية والسياسية من وجود شكل تنظيمى قادر وكفء علي تنفيذ برامجه علي ارض الواقع وان تكامل وحدته الداخلية يجب ان تقوم علي الاتي: اولا: الوحدة الفكرية وهي الاهم لانها الضابط لكل نشاط او فعالية حزبية ، وهى اساس الالتزام داخل اى منظومة سياسية ، وهى المحدد للرؤية السياسية والتنظيمية. ُثانيا: الخط السياسي وهو الاسقاط العملي للرؤية الفكرية علي ارض الواقع ، وهو نتاج التفاعل الجدلي بين الفكر والواقع. ثالثا: التنظيم وهو مصدر الية ادارة النشاط الحزبي عبر مرجعيات مرتبطة بالرؤية الفكرية والطبيعة السياسية للمرحلة المعنية وطبيعة المجال ( الجغرافيا السياسية) وطبيعة الحزب . وتطلعا لامنيات جماهير حزب التجمع الاتحادي فى وطن موحد يقوم علي حق المواطنة الكاملة لجميع افراده من خلال مجتمع مدني ونظام سياسي يستند علي التعددية الحزبية والثقافية ، واتساقا مع امال الجماهير الاتحادية في حزب ديمقراطي تحكمه المؤسسات يساهم في بناء الدولة الوطنية الحديثة ، عليه ان يتبني الاهداف التالية: على المستوي الوطني:- ● تميز السودانيين اثنياتهم وثقافاتهم واديانهم والوانهم والتي لها جميعا حق الوجود والتعايش وحق النمو والازدهار وحق التفاعل والانصهار ، التي هي مصدر للغني وحافز للتطور ومدخل لعلاقات اقليمية ودولية ذات خير وفير لشعبنا. ● ان ما ندعو اليه هو دولة مدنية ، ان مشروعية الصراع الاجتماعي ودنيوية المصالح الاقتصادية ومشروعية المعارضة السياسية ، ووضع الدين موضع القداسة والالهام ، وحق الشعب فى ان يملك مصيره ويحدد شروط عيشه المشترك ، هو وجه التحديد ما نعنيه بالدولة المدنية. ● قيام الديمقراطية علي اساس التعددية والحزبية وكفالة الحقوق الاساسية والحريات كما نصت عليها المواثيق والعهود الاقليمية والدولية. ● مساواة الناس امام القانون وعدم التمييز بينهم علي اساس الدين او العرق او الجنس او اللون. ● وضع الضمانات والكوابح ضد الطغيان وسوء استغلال النفوذ بفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وضمان استقلال القضاء. ● استقلال مؤسسات المجتمع المدني من جامعات ونقابات ومنظمات اهلية وجمعيات غير حكومية وروابط ثقافية وابداعية. ● حق الحرية – حرية الضمير والمعتقد والبحث والفكر والتعبير والتعليم والتنظيم والانتقال والابداع الادبي والفني. ● ان حجم بلادنا وتعددها العرقى ونموها غير المتوازن ومقتضيات اشراك الجماهير فى حكم انفسهم واتخاذ القرار السياسي علي اقرب مستوي ممكن من اؤلئك الذين يتأثرون به مباشرة يجعل الحكم الفيدرالي هو انسب الاشكال لتطور بلادنا السياسي. ● برنامجنا اتحادى مما يحتم علينا العمل علي وحدة شطرى السودان القديم ، وجعل السودان الكبير جديرا بالانتماء اليه والعيش فيه لانه يطرح علي الشعبين وحدة المصير العملية فى الشدة والرخاء ، في الحقوق والواجبات. ● بناء قوات نظامية مهمتها الدفاع عن الوطن وتأمين النظام الديمقراطي. ● ارساء دعائم اقتصاد تنموي تنافسي ومنتج، ولكننا جعلناه مشروطا بالمسئولية الاجتماعية بحيث لا يترك لاليات العرض والطلب وحدها دون تدخل الدولة عبر التخطيط والمراقبة والمساءلة وتقوية دور الطبقة الوسطى في دمقرطة وتحديث المجتمع ، واعادة توزيع المداخيل الضريبية عبر تمويل الخدمات والمرافق العامة ، وهو ما ندعوه بالديمقراطية الاجتماعية الموجة الثانية من الاشتراكية الديمقراطية. ● الاهتمام بقضايا البيئة وعلي راسها الجفاف والتصحر وسوء استغلال المياه الجوفية. ● الزامية التعليم العام وديمقراطيته ومراجعة المناهج وتكثيف برامج محو الامية. ● انتهاج سياسة خارجية متوازنة تقوم علي اساس استقلال القرار السوداني وتعكس هوية البلاد ووحدتها الوطنية وتراعي المصالح الوطنية العليا والمصالح المشتركة للشعوب ومبادئ حسن الجوار.