انتهت مفاوضات - التباعد المجتمعي- أو المفاوضات عن بعد حول السد الإثيوبي ، دون أن تحرز تقدما، بل يمكن وصفها بالفاشلة. وعلى الأثر بعثت مصر لمجلس الأمن تستحثه على التدخل إزاء ما أسمته بالموقف الإثيوبي المتعنت ، لأنه في تقديرها يهدد الأمن والسلم الدوليين. في حين لملمت إثيوبيا أوراقها التي طرحتها على الطاولة، راضية بتلك المخرجات التي دارت فيها دورة مع الزمن كاسبة إياه ، لأنها في الأصل تفاوض من أجل كسبه والاستفادة منه استنادا على استراتيجية واضحة المعالم تجر بها الفرقاء الي تخوم شهر يوليو حيث تعقد العزم على ملء السد وتشغيله منفردة باعتبار ما ظلت تردده على أعلى المستويات (المياه مياهها ، السد سدها، الأرض أرضها، والسيادة سيادتها). بينما ظل وفد السودان جالسا فوق ما أسماه وزير الري " مداميك" الحوار الذي ظل يرسيها كقاعدة للحوار والتي ادعى أنه قد قطع فيها أكثر من نسبة 90% من مجمل القضايا الخلافية والتي توقفت على الملء والتشغيل. وقد قيل في مناسبة أخرى انهم قطعوا 95% بمعني انه قد تبقى فقط 5% من القضايا الخلافية. مهما يكن من أمر؛ هنا لابد للمتأمل أن يعقد مقارنة بين أوزان النسب المئوية في تحقيق أهداف التفاوض. فإذا وصل شخص ما في اي موضوع تفاوضي الي اكثر من 90% يعني ذلك أن بقية العشرة في المائة تندرج في إطار ما يمكن أن يخسره المفاوض من كروت مقابل أن يضمن اتفاق مع غريمه، ليعلن أن الجميع قد كسب ، وذلك طبقا للبديهية البسيطة انه لن يوجد في تفاوض على أمور معقدة اتفاق بنسبة 100%. لأن سيكون معنى ذلك أن أحد الأطراف قد ازعن للآخر كما يحدث في أعقاب الحروب بين المنتصر والمهزوم ، وذلك لا يُعد تفاوض وإنما إملاء شروط تحددها عوامل القوة عند الطرف الذي يملي تلك الشروط. لذلك فإن المتأمل سيخلص لنتيجة واحدة مفادها أنه لم يكن هنالك توافق بتلك النسبة المهولة 90% ، أو أن هذا الرقم مبالغ فيه وهو عبارة عن اتفاق حول إجراءات شكلية ممهدة للتفاوض. أو أنه لايحمل أي دلالة ذات اهمية Non significant بالنسبة لكروت التفاوض. أو أن نسبة ال 10% ذات ثقل كبير يفوق وزن ال 90% مما يجعل الخلاصة معكوسة تماما. بمعني أن ما تم التوافق عليه هو في الأساس 10% وان المتبقي 90% وبذلك يفهم من أن التفاوض لم يحرز تقدما ذا شأن يذكر. وبالتالي ينفض التفاوض بناء على هذا البون الشاسع الذي حمل مصر أن تذهب لمجلس الأمن الدولي مباشرة بعد إعلان فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي دعى لها السودان، كإيماءة وتمهيد لخيار مرحلة ما بعد التفاوض. بينما أخذت إثيوبيا تنهئ نفسها على تحقيق استراتيجيتها بالوصول الي ما يمكن تسميته "الميس" Final destination . في الوقت الذي ظل فيه السودان في حالة توهان حقيقي نسبة لعدم القدرة على إحصاء حتى النقاط المحرزة في التفاوض. د.محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.