شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموروثات الكوشية العالمية .. بقلم: محجوب بابا
نشر في سودانيل يوم 25 - 06 - 2020

الموروثات الكوشية العالمية: شذرات حول امتداد بعض مَعَالم تُراث ثقافة الحضارة الكوشية من النيل إلى الشرق الاقصى عبر سواحل الخليج والى المغرب العربي والمكسيك عبر هضاب الأمازيق والمحيط الأطلسي
محجوب بابا
الارشيف الوطني مركز عيسى الثقافي، مملكة البحرين
هاتف محمول 0097339347132/
بريد الكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المَدخَل
انداحت ظِلال حضارة كوش على مدى عصور تاريحية عميقة وممتدة ومتتالية من مركزيها في نبتة ومروي (من 2000 الى 1500 ق م/ ومن 750ق م الى 350م على التوالي) الى الشرق الاقصى عبر سواحل الخليج، والى المغرب العربي والمكسيك عبر هضاب الأمازيق والمحيط الأطلسي. وكانت طوال فترات قوتها وحتى خلال اضمحلالها مُتَميزة بأنها الأغنى ثراءً والأعرق أصالةً والأوسع إنتشاراً. يُستَقرأ هذا التميز من مقارنات دراسة المُكتَشَات الآثارية في عدد من مواقع حفريات الآثار في السودان وخارج البلاد (مثل تراث العنقريب وهيئة المدافن وشكل وزخرفة الفخاريات في السودان واثيوبيا والهند). كما يُقرأ هذا التميز أيضاَ من سِجلات مَخطوطات البُرديات المحفوظة في المتاحف والمكتبات العالمية. فضلاً عن هذا وذاك توضح بعض مظاهر الفلكلور في امتداد حزام السافنا الفقيرة والكثيفة على انتشار معالم حضارة كوش ونفوذها وتأثيراتها الثقافية منطلقة من شمال وأواسط وادي النيل شرقاً على امتداد هضبة الأباسينيا في شرق إفريقيا (اثيوبيا الكبرى) وعبر البحر الأحمر وسواحل الخليج والمحيط العربي مُتفَاعلةً ومُتَعَايشةً مع ثقافات مابين النهرين والسند في بلاد الهند، فضلاً عن امتدادها غرباً على حزام سلسلة جبال اطلس الي الشعوب الامازيقية وعبر المحيط الى بلاد المكسيك في امريكا اللاتينية حيث توجد الاهرامات المُتشابهة مع مثيلاتها في كرمة والنقعة والمصورات.
بَعض مَعَالِم التُراث والموروثات الثقافية النوبية الكوشية المُمتَدة عبر البحار والقارات
يَستَخلصُ الآثاريون بعض مؤشرات مَعَالِم التُراث والموروثات الكوشية المُنداحة عبر البحار والقارات، وذلك على ضوء مُكتشفات حَملات اليونسكو الاولى لإنقاذ آثار النوبة قبل بناء خزان السد العالي وتلك اللاحقة قبل بناء سد مروي في شمال السودان. هذا و قد أُكتشِفت تلك الموروثات من حفريات سريعة على امتداد ضفتي نتوء النيل والى الجنوب منه، وبرهنت عن وجود مواقع استيطان قديمة ومقابر ومعابد ومواقع لتنقية الذهب في مواقع لم تُكتَشَف أصلاً في السابق. وأعلن البعضُ من هؤلاء العُلماء في تقارير منشورة ومقابلات وحوارات مسجلة الى انهم قد عثروا على أدلة وبراهين تؤكد ان مملكات كوش من عاصمتها نبتة قد بسطت نفوذها السياسي خلال فترة سيطرتها من العام 2000 ق م الى العام 1500 ق م على امتداد 750 ميلاً على وادي نهر النيل تمتد جنوباً من شمال الشلال الأول الى ما وراء الشلال الرابع. وأعلنوا أيضا أمتد نفوذ الكوشيين جنوباً من عاصمتها مروي خلال الحقبة من1500-750 ق م وحتى نهايتها في 350م، الى ما وراء منطقة أربجي شمال الجزيرة والى تخوم أعالي النيل في جنوب السودان. وعلى ضوء دراسات لاحقة أكد الآثاريون إنتشار معالم تأثيرات حضارة و ثقافة كوش علي امتداد هضبة الأباسينيا (إثيوبيا والصومال في القرن الافريقي) وسواحل سلطنة عمان والخليج الى بلاد الهند شرقاً. كما أوضحوا بأنها قد انداحت كذلك عبر سلسلة جبال الفاو والنوبة ومرة في أواسط وغرب السودان الى حزام سلسلة أطلس في المغرب العربي وعبر المحيط الأطلسي غرباً الى بلاد المكسيك.
في هذا السياق يقول عالم الآثار (جيف ايمبرلينغ)، قائد فريق الكشف الأثري التابع لجامعة شيكاغو في السودان، يقول ما معناه "إن هيمنة حكام كوش على مساحات واسعة على امتداد الإتجاهات الأربعة من وادي النيل يدل على انها كانت طرفاً أساسياً في المعادلة السياسية والعسكرية قبل الميلاد على نحو اكبر بكثير مما كان متصوراً، كما ساعدت دراسات الآثار والنقوش على تأكيد فكرة اوسع بشأن ما تعنيه الدولة في السياق القديم خارج مراكز السلطة المستقرة آنذاك في كل من بلاد النيل وما بين النهرين..."(ترجمة). تذكر الباحثة جيل شتاين، مديرة معهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو، أيضاً "إن كل ما هو معروف حتى الآن عن مملكة كوش القديمة جاء من مخطوطات البرديات ومن بعض الكشوف في العَمارة النوبية في حيز البحيرة النوبية بوادي حلفا الغريقة وتلك المشاهدة في العَواصم والبلدان الكوشية مثل دنقلا والبجراوية وآثار مواقع نبته ومروي وموقع حفريات كرمة في شمال السودان..." (ترجمة). أما حول انتشار فنون ومعالم العَمارة النوبية كما ورد في اطروحة ماجستير بعنوان (Nubian House Decoration) للمرحوم الدكتور حاكم الرئيس الأسبق لشعبة الآثار آداب جامعة الخرطوم، يلاحظ تواجد بعض معالمها على نطاق الأمتداد الثقافي لموروثات كوش لاسيما في دول الخليج العربي (مثل هندسة صناعة بوبات المنازل والأقفال التي على شكل الصليب). هذا وينبه عُلماء الآثار الى الخطورة القائمة من أن مياه الخزانات المُستحدثة والمخطط لها في شمال السودان سوف تَغمر وتَهدر آثار أراضي كوش التي لم تشهد كشوفاً اثرية كافية مما يعني استدامة الغموض عن الكثير من جوانب الحياة في هذه المملكة والحضارة التليدة ويعتبر إضاعةً وخُسراناً لبعض مصادر تأصيل السودانوية المنشودة، كما كان الحال بعد بناء السد العالي والإغراق ببحيرة النوبة أقصى شمال السودان. وشبهوا هذا الوضع بأنه أشبه بشعورالسجين غير المُذنب ليلاً الذى يواجه المَقصلة صباحاً... كما وصف صامويل جونسون.
من الجدير بالذكر أنه قد أستقدم، خلال السنوات القليلة الماضية، عدد مقدر من مجموعات الآثاريين من جامعات بريطانيا وألمانيا والمجر وبولندا والولايات المتحدة، وذلك للتنقيب في مواقع الأثار المُحتَمَلةِ ولإجراء الحفريات في المواقع التي من المتوقع ان تغمرها مياه السدود المُرتَقَبَة، وتم ذلك اعتماداً على خارطة نتائج المسح الجيولوجي. تفاجأت هذه المجموعات بوجود آثار هائلة تدلُ على وجود استيطان مُتمَدِن وحَضري في هذه المناطق منذ ما قبل حقبات كوش، فضلاً عن اكتشاف مقابر وأعمال فنية منحوتة على الحجر لم تكتمل دراستها بعد. هذا وتترأس واحدة من عمليات انقاذ هذه الآثار مجموعة تحت إشراف البروفسير(هنريك بانر) من متحف الآثار بغدانسك في بولندا، والذي قد اجرى مسحاً على 711 موقعاً اثرياً خلال العام 2003. كما ورد أيضاً في ورقة بحث منشورة في مجلة «آركيولوجي» تقريراً لعالم الآثار (لديريك ويلسبي) من المتحف البريطاني، ينص على "إن هذه المنطقة (حزام كوش)، غنية بالآثار القيمة إلا ان مستوى مجهودات الإنقاذ متواضعة جداً ولا يمكن حتى مقارنتها بما كان قبيل بناء خزاني أسوان والسد العالي ، والتي قد أنقذت معابد النوبيين في ابو سنبل وفيله وفرص وبوهين، بتفكيكها وإعادة نصبها على أراضي مرتفعة أو في مباني المتاحف القومية على الرغم من سلبيات تحويلها من بيئتها الأم..."(ترجمة) . هذا ومن الجدير بالذكر أن فريقاً من علماء التنقيب الأثري من معهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة شيكاغو قد نجحوا في عمليات تنظيف على صخرة وآثار لموقع يُعرف (بحوش الجروف) في منطقة الشلال الرابع على النيل والتي تبعد 225 ميلاً الى الشمال من العاصمة الخرطوم، ومن أبرز ما اكتشفه هذا الفريق أدوات كوشية كانت تستخدم في تنقية ومُعالجة خام الذهب والذي قد تأُكدَ من دراسات سابقة، أن معدن الذهب والذي يطلق عليه مُسمى (نوبNub أو نابري أو تبيدي) في اللغة النوبية مُشتَقة من مسمى (Nubian)، قد كان مصدر ثروة أساسية لمملكة كوش. كما أكتشف هؤلاء الآثاريون من جامعة شيكاغو ايضا، بقايا أعمال تتعلق بتنقية ومعالجة الذهب في المنطقة، وأعلنَ عنهم رئيس الفريق (البروفسير ايمبرلينغ) ان فريقه قد إكتشف ما يزيد على 55 حجراً ضخماً في أماكن متفرقة كانت تستخدم في عمليات طحن الذهب، وأشاروا الى ان هذه الأحجار متشابهة مع تلك المُكتَشَفَة في مواقع عالمية أخرى على حدود امتدادات موروثات كوش العالمية، كانت تستخدم ايضأ في عمليات مُعالجة معدن الذهب، وعلى وجه التحديد في طحن الصخور بغرض استخلاص ذرات الذهب. يقول العالم (بروس ويليامز)، الباحث في معهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو، "إن البحث عن الذهب كان ومازال حتى التاريخ المعاصرنشاطاً تقليدياً في هذه المناطق..."(ترجمة). كما وأن هؤلاء العلماء قد وقفوا على ما هو أقيم من مجرد بريق الذهب، لا سيما وان حجارة الطحن التي قد اكتشفوها هي أكبر حجماً وأكثر عدداً على نحو لا يُرجَح معها ان يكون استخدامها قد اقتصر فقط على معالجة الذهب لأغراض التجارة المحلية. ويبدو ذلك دليلاً قوياً على وجود علاقة وثيقة بين الاستقرار المرتبط بنشاط تنقية الذهب ومدائن كوش. هكذا الأراء تؤكد مصداقية إطلاق مُصطلح النوبيين (Nubian's) شاملة ومُترَادفة مع مُصطلح الكوشيين(Kushite's). وإذا وضعنا في الإعتبار القيمة الإنسانية والإجتماعية العالمية العليا لمعدن الذهب في كافة ثقافات العالم، فضلاً عن حَدَاثَة مَعارف وسائل التعدين الجيولوجي المُعاصرة وأدواتها المُستَحدثة في جنوب إفريقيا وغيرها من اقطار العالم، قد نتوصل إلى، بل ونبرهن أسبقية وريادة معارف النوبيين الكوشيين في مجالات تعدين وصك وصياغة الذهب حتى صارت من أسماء بعض العائلات فيهم (مثل نابري وتبيدي). وعلى ذات المعيار يمكن تأكيد ريادة النوبيين الكوشيين في تعدين وصهر الحديد ومعادن عنصر الفلزات وصناعة العجلات والأسلحة الحديدية، مما أوحى إلى إجماع الأركيولوجين والباحثين إطلاق مُصطَلَح برمنجهام إفريقيا Birmingham of Africa
على مناطق مُخلفات آثار أفران صهر المعادن في مناطق نبته والنقعة والمصورات نواحي شندي وموقع دفوف كرمة البلد وجبل البركة في مروي.
فيما يتعلق بمظاهر التأثير الثقافي المنتشر من بؤرة مراكز النوبيين الكوشيين والممتد شرقاً وغرباً كما سبقت الإشارة إليه، يلاحظ أولاً هيمنة التفاعل والتذوق والانجذاب لموسيقى السُلم الخماسي على شامل مساحات هذا الإمتداد، وتحديداً علي هضبة الأباسينيا في شرق إفريقيا واواسط غرب أفريقيا. هذا ومما يذكر في هذا المقام أن الامبراطور الراحل هيلاسلاسي قد إستبدل مُسمى بلاد الحبشة السابق بمسمي إثيوبيا وهي ترجمة مسمى كوش في اللغة اللاتينية اليونانية القديمة). وعليه يُلاحظ تقديس الأباسينيين الإثيوبين للملكة أو الأميرة النوبية (الكنداكا) وتخليدها كإبنة للآله برَمزية قوة الأسد، مع العِلم بأن مسمى الكنداكة قد أطلق حصرياً (إسماً وصِفةً) على ملكات وأميرات مملكات النوبيين الكوشيين المتعاقبة. ومن هنا يلاحظ ايضاً تقديس وتخليد الجمايكيون في امريكا اللاتينية ذات الإسم (الكنداكا) من وحي إعتقادهم في قدسية الإمبراطور الإثيوبي الراحل هيلاسلاسي القائم على إيمانهم القاطع بأنه إبن إبنة الإله الكنداكة ( الأسد) وهذا يدعم هكذا التنويه رمزية الأسد في الشعار الرسمي وعرش الإمبراطورية في اثيوبيا. وللأسد كما نعلم ما له من رمزية وحضور في آثار مملكات النوبيين الكوشيين ويلاحظ بجلاء في آثار نبته وكرمة وفي معابد بوهين وتماثيل تهراقا المعروضة في المتاحف العالمية.
أما عن مظاهر إمتداد ثقافة النوبيين الكوشيين على المستويين المحلي والخارجي، يُلاحظ التشابه اللغوي وموسيقي النُطق وحَركية الرقص الجماعي بين مكونات لهجتي اللغة النوبية (الفدجا والأوشكرين) وامكانية التفاهم والتواصل للناطقين باللهجتين على مساحة أراضي النوبيين الكوشيين شمالاً وجنوباً. أما على المستوى الخارجي، غرباً على نطاق مناطق الأمازيق، قد يلاحظ االتشابه اللغوي مع الأمازيغية، ومع أواسط غرب افريقيا وعلى نطاق إثيوبيا والقرن الإفريقي شرقاً، يلاحظ التشابه في أنغام الموسيقي ومظاهر الرقص الجماعي وألوان الملبس وأنواع المأكل وأدوات الإعاشة المنزلية. هذا ومن الجدير بالذكر أن عَالمة الأنثربولوجي الإنجليزية بروفسير روزاProf. Rosa وفي تسجيل سمنار قدمته في 4-يوليو1987 بمعهد الدراسات الشرقية جامعة لندن، وكنت شخصياً من المدعويين للمشاركة في مناقشتها، قد أوضحت وابرزت كل هذه الملاحظات الثقافية باستصحاب عرض عدد من لقطات تصوير فوتوغرافي وفيديو من ميادين دراستها الأنثربولوجية. إذن على ضوء هذا وذاك، يمكن التوصية الى الجامعات والجهات المعنية الأخرى بأن هكذا المظاهر الثقافية والأجتماعية المُعَاشَة في حاجةٍ ماسة إلى المزيد من التلقيح والدراسات المُتَعمقة.
في هذا المقام وفيما يتعلق بأوجه المُشَابهة بين معالم ثقافة حضارات النوبيين الكوشيين علي ضفاف النيل ومعالم ثقافة الحضارات السائدة علي سواحل الخليج، يُذكر بدايةً أنه من الإشارات الموحية لعراقتيهما، ملامح ومعارف حيازات جنات النخل وتراثيات أستصلاح وإستزراع الأراضيواستخدامات وسائل الري مثل الساقيةٌ والشادوف، فضلاً عن ثقافة العزف الموسيقي والإيقاع على آلة الطنبورٌ والدفوف (الطار) وإنشاد الأهازيج ورقصات الفلكلور الغنائي والعلاجي في حلقات رقصات الزار. كما يذكر سمة الانفتاح على ثقافات العالم، والتي تعتبر القاسم المشترك الأعظم بين الحضارتين الخليجية والكوشية النيلية. هذا وقد لا يخفى على المشاهد تشابهات الهندسة والتخطيط والزُخرفَات وأشكال الأقفال (الكوشر الصليب) وصناعة وتشكيل الأبواب والنوافذ المميزة للمعمار السكني بين المجتمعين النوبي الكوشي والعربي الخليجي في آسيا.
المَخرَج
إرتكز هذا المقال على ابراز خصوصية ثقافات حضارة النوبيين الكوشيين والخلل والضعف في تقييدها وربطها وإنحباسها بإدعاءات الملكية أو التبعية الى أيٍ من دولتي وادي النيل شمالاً وجنوباً. ذلك لأنه من الثابت أن تركيبة الانثربولجيا والثقافات السائدة في دولة شمال الوادي،(مصرالسفلى)، عبارة عن تركيبة هجين واختلاط كيميائي جيني بين مجموعات بشرية فينيقية وجنوب أوربية وتركية مُهاجرة اليها ومُستوطنة فيها منذ الأزل، أما دولة جنوب الوادي (السودان) لم تكن في الأصل محددة بوضعها الحالى في ذلك الزمان الغابر، حيث أن مُسَمَى سودان في اللغة العربية، أو إثيوبيا في اللغة اليونانية كان مُسَمَياً لكامل حِزام السافنا جنوب الصحراء من ساحل البحر الأحمر وبلاد الصومال وهضاب الأباسينيا إلي أقصي غرب إفريقيا. وعليه أطلق الإسم سابقاً مضافاً الى إسم دولتي الحكم الثنائي وبعد الاستقلال معرفاً بالألف واللام (السودان). وبما أنه من غير المنطقي إدعاءات انتساب المُسمى السابق تاريخياً الى المُسَمى اللاحق ميلاداً، يكون حتمياً الإعتداد بخصوصية وأصالة ثقافات حضارة النوبيين الكوشيين والنأي بها من متاهات التجاذب والملكية بين الدولتين. فوق كل هذا وذاك لأثار النوبيين الكوشيين إختلافات جوهرية وخصوصية مميزة لها مقارنةً مع تلك المَنسوبة الى حضارات مصر القديمة مما أدي الى تعريفها بمصطلح النبيولوجي Nubianology. كما وأن هذه الاختلافات والتباين ثابتة في الدراسات المنشورة للبروفسير هيكوك أستاذ تخصصات ماقبل التاريخ في جامعة الخرطوم، وهو كما يصفُ الآثاريون هو المكتشف والمُحَلل القارئ لخط الهجاء المنحوت علي جدران إهرامات النقعة والمصورات والبجراوية ومعابد بوهين وسمنة الواقعة على نطاق مملكات النوبيين الكوشيين. في الختام يمكن توضيح أن الغرض الأساس من محتويات هذا المقال يتلخص في استعراض مجرد الشذرات حول موضوعاتها، فضلاً عن دعوة المختصيين في دراسات الحَضارات والمجتمعات إلى إيفاء أجيال اللاحقة بالمعارف حول الثقافات التليدة، لاسيما وأن من لا ماضٍ له ليس له حاضر، كما لا يتأتى له المُستقبل المؤسس على تأصيل الهوية. ولا يُعقَل بل من المُستَهجن إدعاءات تسيس المَعَالم الثقافية في حومة الجهويات الغاشمة وبالله التوفيق.
محجوب بابا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.