بقلم/عبد العزيز عثمان سام/ الخرطوم - الفاتح من أبريل2010م أكتب هذا الجزء الثاني من سلسلة، فناء الدولة السودانية، في هذا اليوم الفاتح من شهر أبريل لسنة2010م، وقد فرغتُ للتو من قراءة الجزء الأول، فامتلأتُ ثِقَةً برؤيتي في ذلك الجزء الأول الذي كتبته في بداية شهر مارس المنصرِم، ولم اكتب بعد ذلك، حيث ظللت كغيري من الناس أراقب المشهد السياسي والحُمَّي الانتخابية وقَيِّه اليومي حتى بلغ قمَّته بزيارة مرشح المؤتمر الوطني الحزب الحاكم إلي شرق السودان وخطاب قطع الأنوف والرقاب، وأكتمل المشهد باستضافة تلفزيونية للمفوضية القومية للانتخابات عبر قناة النيل الأزرق(برنامج حنين) قبل حوالي ثلاثة أيام، فتأكد لي تماماً صدق حدثِي بفناء الدولة السودانية في إبريل2010م بسبب الظلم والتزوير وإعادة إنتاج دولة القمع المركزية. وتتوالي الأحداث عاصفة بإعلان السيد/ياسر سعيد عرمان(صاحب شعار الأمل والتغيير)انسحابه من سباق انتخابات رئاسة الجمهورية ليلة الفاتح من إبريل2010م ففغَرَت كل الأفواه، وسقطت كل الرهانات بإمكانية قيام انتخابات تحقق الهدف المنشود وهو التحول السلمي الديمقراطي الذي يعقب الفترة الانتقالية لتنفيذ الاتفاقيات المُبرمة بين أبناء الهامش السوداني والمركز القابض علي سلطة وثروة وهوية البلاد. لا تقوم هذه الانتخابات، ولا يصحُّ قيامها بغياب الطرف الثاني وهو الهامش السوداني، وممثل الهامش قد انسحب من المعركة ويبطل بذلك مُجمل العملية لغياب جوهرها وجرثومتها والهدف منها..هي انتخابات لإحداث التحول السياسي عبر انتخابات حُرَّة ونزيهة يُطرَح فيها برنامجين ليتنافس عليهما الناس: الأول برنامج يُمثله ويرفع لواءه قوي المركز لتكريس دولة السودان القديمة القائمة علي هوية وثقافة مزيفة ومفروضة، وعلي الشمولية وإقصاء أبناء الهامش وقمعهم واحتقارهم ويفرض فيها نظام دولة هُم قوامها ويهيمنون علي السلطة والثروة القومية ويستخدمون الدين لقمع المخالفين لهم في الرأي ولو كانوا أكثر منهم عدداً وأقوي منهم تمسكاً بالدين وقيمه وأخلاقه، وما الدين إلاّ مدرسة لتتمِّة مكارم الأخلاق. والبرنامج الثاني يُمثِله ويقاتل لتحقيقه أهل الهامش الذين قاتلوا ويقاتلون لتحقيق دولة المواطنة المتساوية والحرية والكرامة والهوية الحقيقية لمجموع شعوب السودان، ويقاتلون لدحر الظلم والإقصاء والتهميش الذي يجعل سلطات المركز يضعون أهل الهامش من دارفور وكردفان وجبال النوبة في مستوطنات مُذلة لكرامة الإنسان في أقاصي أطراف العاصمة حيث تُمنَح الأسرة قطعة أرض مساحتها(200م م)علماً بان مُخيَّم دار السلام الذي يبعد ثلاثين كيلومتراُ عن قلب مدينة أم درمان التي بناها جدهم الخليفة عبد الله التعايشي الذي أسس دولة السودان، هو مخيم ضمن الحدود الجغرافية لإقليم كردفان الذي كان يتبع إدارياً لمملكة دارفور العظمي. والأدهي من ذلك أن سياسات المركز الظالمة عبر مصطلح المحسوبية(الآلية التي تُمارَس بها الظلم والتمييز بين المواطنين)تَمنَح المحسوبين لها من الوافدين من أقاليم السودان الشمالي قِطَع أرض سكنية بمساحات واسعة بالمخالفة حتى للقوانين السارية، لذلك تطلق علي تلك المخططات السكنية للمجموعات الموالية للمركز ثقافياً وعرقياُ عبارة(تنظيم القرى)ولاحقاً تُقَنن تلك الحيازات الشاسعة وتستخرج لها شهادات بحث وملكية، هي ذاتها السياسات التي حَرمُوا بموجبها تطبيق قوانين مهمة جداً لتسوية الحقوق علي الأرض ثم تسجيلها، وحرموا بالتالي إدخال الأرض في دارفور وكردفان والجنوب وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق في المنظومة الاقتصادية بينما خططوا وسجلوا جميع الأراضي في الولايات الشمالية رغم جدبِها وجفافها لتمكين أهلها من قبض ملايين الدولارات عِوضاً عن نزع تلك الأرض الجدباء لأجل بناء سدود وخزانات يعود ريعها ونفعها للذين تم تعويضهم!! هي عملية ظلم تم تقنينها عبر السنين، وحتى لا يقال إني أطلق الحديث جزافاً أقول:أن قانون تسوية وتسجيل الأراضي لسنة1925م الذي سنّه المستعمر الأجنبي لم يتم تطبيقه علي أيٍ من أقاليم الهامش السوداني، والحرب الدائرة في دارفور سببها عدم تطبيق قانون تسوية وتسجيل الأراضي لسنة1925م، وبعدم تسوية وتسجيل الحقوق علي الأرض وإصدار شهادات ملكية ورسم كروكي يُبيِّن حدود الأرض ونوع استخدامه تُرِكَ الأمر نهباً وفوضي فضلاً عن إخراج الأرض من المنظومة الاقتصادية.. عندما كنّا نفاوضهم في أبوجا/ نيجيريا حول ضرورة تسوية وتسجيل الأرض في دارفور كحل أوحد لوقف النزاع في الإقليم، وإدخال الأرض في ذلك الإقليم ضمن المنظومة الاقتصادية أسوة بأقاليم الشمال، لكنهم ظلّوا سادرين في غي الظلم ويرفضون تصحيح الوضع بتسجيل الحقوق علي الأرض، والآن قد حدثت تعقيدات كثيرة علي تلك الأوضاع ولن تُحَل مشكلة الأرض في دارفور في ظل نظام حُكم يهيمن عليه المركز، والحل يكمن في إفناء الدولة السودانية لتُعِيد دارفور مجدها العظيم. استكمِل فكرة سياسات الظلم والتمييز ضد أبناء الهامش في المركز فأقول:أن الهدف من منح المواطن من كردفان أو دارفور والجنوب وجبال النوبة قطعة أرض نائية في أطراف العاصمة بمساحة(200م م) القصد منه إذلاله والتضييق عليه لأن المركز يعلم جيداً أن إنسان الهامش السوداني يعول أسرة كبيرة قوامها عدد من الزوجات والأبناء والبنات ورِتل من الضيوف دائمي الإقامة، لذلك لا بُد من التضييق عليهم وجعل حياتهم جحيم لا يطاق، الأمر الذي سيُعجِّل بعودتهم الجبرية إلي أقاليمهم أو تفتيت أسرهم والقضاء علي مستقبل أبناءهم ليكونوا لُقمةً سائقة للمركز لتجنيدهم في المليشيا الجهادية وإرسالهم لقتل أهلهم في الهامش في الجنوب ودارفور دون وعي منهم، إلخ.. هكذا يفكر المركز ويخطط لبلع الهامش واستغلاله، وأنهي هذه الفكرة بالقول أن قطعة الأرض السكنية بمساحة(200م م) التي ظلت تمنحها سُلطة المركز لأهل الهامش في دار السلام وجبل الأولياء وجخيص لا يصلح لسكن لائق بالأُسر القادمة من الهامش ولا يسع لطابور صباحي لأفراد الأسرة ناهيك عن سكن ملائم لهم، وهي سياسات مُجرِمَة سادت واستقرت، والآن في الدعاية الانتخابية لمرشحي المركز يتباهون بكلِ المنِّ والأذى بأنهم قدَّموا الخدمات وشعارهم الذين يريدون به سرقة أصوات الناخبين هو: من أجل مواصلة مسيرة هذه السياسات التي كرّسَت الظلم والمحسوبية والإقصاء والتمييز بين المواطنين بسبب انتماءهم الإقليمي أو ما يسمونه هم الجهوي. عَوْدَاً إلي موضوع هذا الجزء، قلت أن الانتخابات القادمة شرط صِحتِها الثنائية لتتويج مخرجات اتفاقيات السلام المبرمة بين المركز والهامش والعهود المقطوعة ببناء دولة المواطنة والحريات بعد فترة انتقال قُلتُ سابقاً أنها قصيرة نسبياً مقارنة بفترات الحرب التي هتكت نسيج المجتمع ودمرت الثقة بين مكوناته، ولن تَفِ بالهدف المنشود تحقيقه خلالها، ولم تَمنَح الأطراف ولا للمؤسسات السياسية والاجتماعية القائمة الفرصة الكافية لتنزيل السلام برِفق(Smooth landing) فوقعت الكارثة وانهارت كافة المشروعات المشتركة، وتقاتلت الأكلة علي قصعة كرسي الحكم في معركة انتخابية غير متكافئة وغير مُلتزِمة بميثاق شرف سياسي ولا بقواعد الفرسان، وجاء مليئاً بالشتم والطعن والتجريح بدلاً من التأكيد علي مطلوبات بناء الوطن الواحد وطرح برنامج يُميِّز كل مرشح عن الآخر ويُمِيل عقل الناخب إليه، بل كان سجالاً من التهريج والشتم والتجريم والتهديد بقطع جميع أعضاء الجسم!! وفي هذا المناخ الوخيم قررت الحركة الشعبية لتحرير السودان سحب مرشح أهل الهامش الحالمين بسودان المواطنة والحرية من المعركة الانتخابية، وكان أهل الهامش يحلمون بتحقيق دولتهم الجديدة من خلال انتخابهم لمرشحهم المسحوب، ومن ثم ليدخلوا إلي معركتهم الأساسية وهي معركة الهوية والثقافة للدولة الجديدة ولكن.. وبانسحاب الهامش من المعركة الانتخابية لغياب قواعد اللعبة وسيادة قانون المركز علي المشهد، وتأجلت بذلك المعركة الحاسمة في موقعتي الثقافة والهوية للدولة السودانية الجديدة الواحدة التي أجهضت حملها بعد حَبِلٍ لم يتعدَّ شهور الوَحَم الأولي. إذاً، انفضَّ السامر، وسأكتب في الجزء الثالث حول النتائج المتوقعة وردود الأفعال والمواقف التي سيتخذها الأطراف جراء هذا الحدث، ولن أضع في الاعتبار مُخرجَات اجتماع القوي السياسية السودانية(قوي جوبا)أمسية اليوم الخميس الفاتح من أبريل2010م لأنها قوي سياسية فاقدة لكل شيء وعاجزة عن إعطاء أي شئ، ومعركتها مع ممثل المركز، حزب المؤتمر الوطني معركة خاصة بالمركز وبتمثيله في مواجهة الهامش ولا اختلاف بينهم إلا في المقدار أمّا النوع فواحد. (نواصل في الجزء الثالث) abdelaziz sam [[email protected]]