عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. حسم السيد رئيس مجلس الوزراء أمر اختيار السادة ولاة الولايات المدنيين خلفاً للحكام العسكريين، وهو خطوة وإن جاءت متأخرة بعد مرور ما يقارب ثلث الفترة الانتقالية التي حددتها الوثيقة الدستورية، إلا أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، نحو ترسيخ مدنية الدولة، والمساهمة في تسريع تحقيق مطلوبات الفترة الانتقالية على مستوى الحكم الولائي. ويواجه الحكام الجدد تحديات كبيرة، حيث أن مستوى الحكم الولائي يمر بحالة من السيولة القانونية والمؤسسية، ويتسم بفراغ رؤية عريض يتطلب أن يكون قادة الولايات على مستوى عالي من الدربة والكفاءة ووضوح الرؤية بما يمكنهم من اجتياز هذه المرحلة من الرمال المتحركة . تتضح حالة السيولة القانونية بالنظر للوثيقة الدستورية التي تركت أمر الحكم الولائي معلقاً على أمر مستقبلي ولم تحسمه. فقد حددت أجهزة الفترة الانتقالية في المادة (9) وهي المستوى الاتحادي والمستوى الولائي أو الاقليمي و المستوى المحلي. وفيما يخص المستوى الولائي نصت على أن تمارس سلطاته بناء على مايقرر من تدابير لاحقة. ونصت المادة (12) من ذات الوثيقة على أن اختصاصات مجلس السيادة تشمل اعتماد ولاة الولايات أو حكام الأقاليم وفقاً لما يكون عليه الحال بعد تعيينهم من قبل رئيس الوزراء. فهذا كل ما ورد بشأن الحكم الولائي في الوثيقة الدستورية. ويظهر منه أن الوثيقة الدستورية لم تحدد اختصاصات الولاة ولم تضع بوصلة لتحديد اتجاهات عملهم، وتركت ذلك لتشريعات تصدر في وقت لاحق. ولم تصدر هذه التشريعات الضرورية حتى تاريخ تعيين السادة الولاة، مما يضعهم في موقف حرج بخصوص المهام التي يتعين عليهم الاضطلاع بها والصلاحيات الممنوحة لهم، ويصعب من مهمة مساءلتهم عن تنفيذ مطلوبات الفترة الانتقالية في الولايات. وهذا الوضع لا يمكن حله إلا بالمسارعة بإصدار تشريع ينظم الحكم الولائي والمحلي على السواء، ويحدد اختصاصات الوالي على نحو مفصل، ويوضح العلاقة بينه وبين الحكومة الاتحادية، على النحو الذي ألزمت به الوثيقة الدستورية. وبمقارنة هذا الوضع في الوثيقة الدستورية مع دستور السودان الانتقالي لسنة 2005. فإن دستور سنة 2005 كان أكثر تفصيلاً وشمولية للقواعد التي تحكم مستوى الحكم الولائي. الأمر الذي يضع مجلسي الوزراء والسيادة أمام مهمة عاجلة لإصدار تشريع ينظم أعمال الحكم الولائي والمحلي ويزيل ضبابية الوضع. في ظل هذه السيولة المؤسسية والقانونية التي تكتنف أوضاع الحكم الولائي والمحلي وعدم اكتمال بناء أجهزة الحكم، ستكون شخصية الوالي أمراً محورياً في تولي زمام المبادرة لنجاح الحكم فيها، ووضع الخطط والسهر على إنفاذها. فشخصية الوالي لن تكون شخصية سياسية وكفى، وإنما المطلوب منها لعب دور حاسم في حسن إدارة الولاية. وهذا يتطلب توفر مقدرات علمية ومعرفية ومهارات مكتسبة لدى الوالي تساعده على إدارة دفة الولاية في الاتجاه الصحيح، بتفهم لب المشكلات ووضع أحسن الخطط لمعالجتها بما في ذلك تحقيق المطلوبات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية والنهوض بالتنمية بمفهومها العام. وبالنظر للسير الذاتية للسادة الولاة الجدد يلاحظ أنهم يمثلون طيفاً عريضاً من أجيال السودان، حيث تتراوح سني ميلادهم من الخمسينات مروراً بالستينات وحتى السبعينات. وهذه مسألة لها دلالتها، وهي اختلاف مستويات التجارب التي اكتسبوها والخبرات التي تراكمت لديهم، واختلاف قوة الدفع الذاتي لدى كل منهم، كما أنهم ينتمون لاتجاهات سياسية مختلفة، إلا أن الثابت، هو أنه لم يكن لأي منهم صلة بالإدارة العامة. فقد جاء بعضهم من قطاع التعليم في مستوياته المختلفة، وجاء آخرون من خلفيات قانونية، وانتمى بعضهم لمهن مختلفة من بينها العمل التجاري، ولم يكن لأي منهم مؤهلات أكاديمية في مجالات الإدارة العامة أو ممارسة أعمال تتعلق بالحكم سوى والي ولاية غرب دافور، الذي تقول سيرته الذاتية أنه تخرج في كلية القانون وعمل ضابطاً إدارياً لحين من الزمان. وسيجد السادة الولاة أنفسهم في موقف من يتعلم من خلال التجربة، وسيهدرون وقتاً ثميناً حتى يصلوا إلى المستوى المطلوب من الحنكة والدربة في ممارسة الحكم. درجت عديد من الدول على إخضاع الذين يتولون مناصب قيادية في أجهزة الحكم، إلى دورات متخصصة في فنون الإدارة العامة ومهارات القيادة والحكم وحسن سياسة أمور الناس، وتصمم هذه الدورات خصيصاً لاختصار الوقت والجهد الذي يمكن أن يبذل في الحصول على مهارات الحكم الرشيد. وأصبحت هذه الدورات متاحة لدى المعاهد المتخصصة والشركات الاستشارية على مستوى العالم. وأرى في ظل هذه الظروف التي لا تحتمل إهدار مزيد من الوقت، أو إنفاقه في تجارب محفوفة بالفشل، أن يتم إخضاع السادة الولاة لدورات تدريبية مكثفة تمنحهم فنون القيادة والإدارة الحكومية المطلوبة ،بالاستعانة بمتخصصين في المجال، حتى لو تطلب الأمر طلب بيوت خبرة عالمية للمساعدة. وسيكون هذا أجدى كثيراً من إضاعة الوقت الثمين في تلمس الطريق. أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب