حملت الأسافير صور رجال حملوا السلاح وأقفلوا الطرقات رداً على تعيين إمرأة والياً عليهم، كيف تحكم (أم توب) شوارباً ولحى، ما اقترفت يداك في حقهم يا حمدوك لا تقبله النخوة والرجولة، كيف وقد خلت سلسلة الولاة السابقين من النساء، لكنهم وبلا استثناء لم يفلحوا في تغيير وجه الحياة البائسة في هذه الرقعة من السودان، شُلَّت السكة حديد ولم يرف لوالٍ جفن، أُغْلِقَت أبواب مصانع التعليب التي فتحت بيوتاً حتى من مخلفاتها، بل أُغرِقَت مدينةٌ بأكملها ولم نسمع صوت حكام الشمال، أرهق الزئبق وممارسات التعدين الأهلي صحة الناس وما تحرك والي، تناقل الناس أحاديث النفايات المسرطنة والمخلفات المجهولة التي خُبِأت في جوف تربتها وما علمنا صدق الخبر من إفكه، وإنْ تداول الناس أخبار حالات السرطان المتزايدة هناك، كل ذلك لم يحرك الشارع ضد هؤلاء الولاة ،،، لكنه تحرك ضد (أم توب) ،،، فقط لأنها إمرأة. من أراد أن يعرف المعنى الحقيقي للتهميش فلتطأ أقدامه أرض ولايتي نهر النيل والشمالية، قالها أحد عتاة قادة حرب الجنوب حينها عندما زار ولاية نهر النيل عقب توقيع إتفاقية السلام، وبعد أن رأى البؤس بعينيه هناك: مالكم لا تحملون السلاح وتبحثون عن غابة تأخذون من خلالها حقوقكم! فشلت كل العهود السابقة في توفير شيئٍ من حياةٍ كريمة لمواطني الولايتين، تعبت سيارات الإسعاف من اللهث وهي تحمل المرضى إلى الخرطوم، تحمل معهم أشواق التعافي من علل بسيطةٍ أحياناً لكنها تسوقهم إلى البنادر المرهقة، فمشافيهم خراب ونطاسيهم عُزَّل بلا معينات وصيدلياتهم خواء. لكن السؤال الملح، هل هذه الغضبة فعلاً لله، أم خوفاً من نجاح أنثى في قيادة مجتمع موغل في الذكورية، أم خوفاً من كشف فسادٍ مستتر؟ إن تصريح والي نهر النيل د. أمنة المكي عن عزمها تفكيك تمكين النظام البائد في الولاية سيثير غضبة الفاسدين، وكعهدنا بهم فهم يُلبسون خوفهم على مصالحهم رداء الدين ويثيرون عاطفة البسطاء الحادبين على دينهم، أياديهم تتحسس ما اقترفت في ظل نظام العهد البائد، يخشون انكشاف ستور فسادٍ أسدل أستاره على هذه الرقعة من الأرض ردحاً من الزمن، فمصالحهم لا تتفق مع أجواء الحرية والعدالة والمساواة. إن كانت غضبتكم لله، فلماذا صمتت أفواهكم في العهود السابقة على استوزار النساء، وإن كانت خوفاً من نوايا (ستات التياب) في إعادة الحقوق المغتصبة لأهلها وتفكيك الفساد في ولايات الشمال، (فبلوا راسكم)، فقد جاءكم ما يُفزِعكم، وما استقبال والي نهر النيل د. آمنة المكي عند أبواب مدينة الدامر إلا تفويض شعبي لها وعيونهم رقيبةً عليها، ينتظرون عودة الروح لمستشفى عطبرة، وتحسين معاش الناس وسد الفجوات الكثيرة من موارد الولاية الذاتية لا من عطايا المركز. شارك كثير من أبناء هاتين الولايتين في حكم السودان دون أن يتركوا بصمات إيجابية كبرى، سكبوا على مسامع أهلهما أحاديثاً تفيض عذوبة، هي كل ما نالوا منهم، ثقبت عيون الترقب الصحاري والجبال التي تكسو الشمال، فانتظار بر الأبناء أشد مضاضة من عقوق الغرباء، إمتدت صورٌ زاهيات في عيون الآخرين عن الشمال النيلي، ظنوها واقعاً وبعض الظن إثم، لكن إرتداد الصوت الخاوي كان حصاد هذا الشمال، والآن آن أوان تغيير المشهد الكلي وبزوغ شمس التعافي من توهدٍ لازم المنطقة طويلاً، وحان نهوض هممٍ أقعدتها أنظمة عجفاء، فبسم الله نبدأ. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.