مهما كان الامتحان مكشوفا فإن ساعة عرض النتيجة لابد من أن تكون لها رعشتها ودهشتها ولعل هذا ما حدث بالامس فقرار محكمة الجنايات الدولية لم تكن فيه أية مفاجاة وقد كان مكشوفا في ادق تفاصيله اذ كان يجب ان يصدر في مطلع فبراير ولكن أحداث غزة كانت مستحوزة على الاعلام العالمي وكان سيكون محرجا للذين يقفون وراء القرار فبالتالي تم تأجيله الى السابع عشر من ذات الشهر ولكن قيل إن امريكا كانت معترضة على عدم تضمين طلب التوقيف جريمة الابادة الجماعية والابادة الجماعية بالنسبة لامريكا مهمة جدا لانها هي اول من اطلقها على ما جرى في دارفور كما ان اتهام رئيس السودان بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية فقط يعتبر مخففا لأن كل الرؤساء الامريكيين تقريبا متهمين بذلك ولكن من غير محكمة الجنايات الدولية. عود على بدء فقد صدر القرار المكشوف بالامس ولكن رغم ذلك كما ذكرنا احدث ( الخضة) المتوقعة فقد طارت به جميع الفضائيات وبقية وسائل الاتصال لا بل تسابقت الفضائيات في طريقة التغطية فالفترة بين اعلان التوقيت وتنفيذ الاعلان كانت كافية لكي تستعد هذه الفضائيات بمراسلين في لاهاي والخرطوم وضيوف على الهاتف وعلى الاقمار الاصطناعية وضيوف داخل الاستديو، لقد كان يوم أمس من أيام السودان دون شك اما كونه يوما ايجابيا او سلبيا فهذا ما ستحدده الايام المقبلة. مثلما كان 11سبتمبر 2001م يوماً مفصلياً في التاريخ الامريكي الحديث فإن يوم الرابع من مارس 2009م سيكون يوماً مفصلياً في تاريخ السودان وسوف يختلف عن بقية الايام التي كنا نصفها بأنها تاريخية فهذا هو (البحر الغطى التمد) وهنا سوف تظهر الارادة السودانية وقدرتها على فهم حقيقة ما يجري وحقيقة قوتها وحقيقة قوة الآخرين فصراع الارادات تديره العقول وليس العضلات فبعد هذا اليوم اما ان ينطلق السودان الى الامام ويركل كل احزانه واما أن يسقط ..لاسمح الله .. في مستنقع الاسية والاخفاق ونبحث لنا عن «يافطة» كبيرة يكتب عليها هنا كانت دولة اسمها السودان (يناير 1956م - مارس2009م)، وفي تقديري الخاص ان ارادة الحياة لدى السودانيين كبيرة وهي التي سوف تنتصر في النهاية فقط المطلوب هو حسن ادارة هذه الارادة دون تهوين اوتهويل أي دون افراط او تفريط في فهم ما يراد بنا وما نريده لانفسنا. الحمد لله ان العالم اختلف عما كان عليه في الفترة (1884م - 1898م) أي أيام حكم المهدية فقد كان حكام السودان غير مدركين لما يخطط لهم عالميا وغير قادرين على ايصال صوتهم للعالم ولكن ما شاهدناه في أمسية الامس الاربعاء 4مارس2009 يوضح بجلاء ان الهيمنة الاعلامية قد انفرطت فقد تابعت الحدث من «الجزيرة» و«العربية» وال «بي. بي. سي» وفي كل هذه القنوات كان صوت حكومة السودان مسموعاً مع صوت المحكمة لحظة بلحظة ففي الجزيرة كان عبد الباسط سبدرات وفي ال «بي. بي. سي» كان بروفيسور غندور وفي «العربية» كان محمد محمد خير لا بل كانت مشاهد المظاهرات التي انطلقت في الخرطوم تعرض اولا بأول في تلك الشاشات نقلا عن الفضائية السودانية فأذن هذا هو الوضع المحلي والاقليمي اعلامياً والاعلام سيكون له القدح المعلى في هذا الحدث. نعم لم يتحول العالم الى مدينة فاضلة ولم تسده قيم العدل والحق ومازال حكم القوي على الضعيف سارياً ولكن الاعلام خرج من هذه المعادلة وهذا أول الخيط ونواصل ان شاء الله.