بسم الله الرحمن الرحيم [email protected] لقد أجاد الدكتور كمال عبيد وهو يصف القوى السياسية السودانية التى إجتمعت فى مؤتمر جوبا فى أكتوبر من العام الماضى، ذلك المؤتمر الذى أفرز ما عُرف لاحقاً بتحالف جوبا للقوى السياسية .. إذ وصف الدكتور فى تصريحٍ مرئى .. أحزاب المعارضة السودانية بأنها مثل ملوك البربون لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئاً .. وهو يُعلق على ما عكفت عليه آنذاك أحزاب المعارضة السودانية وبدعم من الحركة الشعبية من فعلٍ سياسى والذى تمخضت عنه المقررات الشهيرة والتى تقول فى خلاصاتها النهائية أن المؤتمر الوطنى إذا لم يُنفذ هذه المقررات بحلول الثلاثين من شهر نوفمبر 2009م فإن الأحزاب السياسية سوف لن تخوض الإنتخابات القادمة ، ليحل الموعد المضروب وقوى التحالف كأن على رؤوسها الطير. تذكرت هذا الوصف، عقب إعلان نتيجة رفع مذكرة تحالف المعارضة إلى مؤسسة الرئاسة والتى بدورها شكلت لجنة رباعية بينها وبين الحركة الشعبية للنظر فى أمرها ثم الرد عليها .. وبالفعل قد إجتمعت اللجنة وخرجت بعد عدة إجتماعات إستمرت لمدة يومين بأن المؤتمر الوطنى يرفض تأجيل الإنتخابات جملة وتفصيلاً .. واصفاً المذكرة بأنها مؤامرة من أحزاب المعارضة تهدف إلى إشاعة الفوضى، وقد تم إعلان الرفض فى تنوير قدمته قيادات الحركة التى شاركت فى اللجنة المذكورة بحضور رؤساء الأحزاب .. وقد طغى على لهجة قيادة الحركة الشعبية اليأس من عدم إثناء المؤتمر الوطنى وجعله يتنازل عن بعض مواقفه حيال طلب المعارضة، ليغلب الإحباط على رؤساء الأحزاب وقد ظهر ذلك فى تلك الجملة اليائسة التى قالها الأستاذ فاروق أبو عيسى رئيس تحالف أحزاب جوبا بأن (المسألة إنتهت). لقد صدق وصف الدكتور كمال عبيد على المعارضة تماماً .. إذ هى مثل ملوك البربون لم تنس شيئاً ولم تتعلم شيئاً .. زعماء المعارضة لم ينسوا طيلة فترة حكم المؤتمر الوطنى منذ عام 1989م وحتى اليوم رغبتهم فى الحكم وحلمهم بالوصول إلي السلطة .. ولكنهم للأسف لم يتعلموا من تجاربهم مع المؤتمر الوطنى من أنه سوف لن يتنازل عن السلطة مهما كلفه الأمر من تضحيات، حتى راعى الضأن فى خلائه يدرك هذه الحقيقة جيداً .. فمال بال من يدّعون أنهم هم أهل لقيادة بلادهم بوصفهم من الطليعة المستنيرة والمتعلمة والتى عركتها سوح السياسة وتعقيداتها؟ أم يمالئون المؤتمر الوطنى لعجزهم عن إزاحته من السلطة بالطريقة التى يؤمن و يعترف بها .. والتى رسخت فى الأذهان ويعترف بها لأنه هو نفسه تسلم السلطة عن طريقها.. فهو إذاً إبن بيئته .. وقد سبق أن تحدث العديد من قيادات المؤتمر ، مراراً وتكراراً ، عن أن الوسيلة الوحيدة لإزاحتهم عن السلطة هى عبر إستخدام القوة .. فلماذا تزوّر المعارضة عن المنازلة وقد ظل المؤتمر الوطنى يرمى بقفاز التحدى فى وجهها عدة مرات فلم تتعلم من هذا الموقف الذى تكرر كثيراً حتى أصبح سمة من أهم سمات الخطاب السياسى له؟. ولكن دعونا نعود إلى الوراء قليلاً، لنرى كيف أن المعارضة لم تنسى شيئاً ولم تتعلم شيئاً حتى هذه الساعة .. فهى، منذ أن إستولت هذه الحكومة على السلطة، لم تنسى شوقها الدفين للعودة إلى منصات الحكم ولا نذكر يوماً، أيها القراء الكرام، من أيام السنوات العشرين من عمر الإنقاذ أنها لم تفعل ذلك .. ولكن هل تذكروا فى يوم من هذه الأيام أن خصمها الرابض فى سدة السلطة نسى ولم يُفصح عن الطريقة الوحيدة التى بها يترك السلطة لمن أرادها؟ .. فالمؤتمر كلما شعر أن قلب المعارضة يهفو شوقاً إلى القصر الجمهورى .. قدم لها الروشتة الملائمة التى تُعينها إلى الوصول إلى هدفها لكن المعارضة لا تتعلم الدروس والعبر. كيف لم تفطن المعارضة على أن أى تداول للسلطة لابد أن يتم وفق دستور متفق عليه من قبل الجميع وأى دستور آخر لا يتيح لها أن تلج إلى دهاليز السلطة إلا بعد أن يلج الجمل فى سُم الخياط .. بدءاً من مفاوضات ميشاكوس فى كينيا ومشروع عزلها والحؤول بينها وبين عشقها السرمدى للسلطة، فكل التخطيط كان وقتها يشير بوضوح على أنها ليست معنية بما تفرزه المفاوضات التى كانت تجرى آنذاك من تقاسم سلطة وثروة ومشاركة فى صنع القرار السياسى فى البلاد.. فقد حاولت المعارضة وكانت وقتذاك ينتظم شملها فيما عرف بالتجمع الوطنى بأسمرا .. لكن باءت بالفشل كل محاولاتها للحاق بمائدة المفاوضات والتى كان شريكا اليوم يتصدراها.. وكان الرفض من الطرفين بل كان رفض الحركة الشعبية أكثر وضوحاً وسفوراً من رفض المؤتمر الوطنى المستبطن بل إن المؤتمر الوطنى كان أميل إلى مشاركة طفيفة من القوى السياسية، فكيف لم تتعلم من تجربة مفاوضات نيفاشا أن الحركة الشعبية لا تحرص عليها ولا تحرص على مشاركتها فى السلطة أو فى وضع الدستور والذى جاء ثنائياً ومفصل على قياس الشريكين .. فكيف ستحرص على مشاركتها اليوم للدرجة التى يمكن أن تفرط فى إتفاق السلام الشامل وتقف فى خندق واحد مع المعارضة وترفض الإنتخابات؟ بل إن مسرح الأحداث يقضى بوقوف المؤتمر الوطنى وإتفاق نيفاشا فى جانب وفى الجانب الآخر تقف المعارضة وضعفها وعدم تعلمها .. فأى الجانبين ستختار الحركة لو خُيرت؟!. عموماً، إذا ما قُدر لقوى التحالف أن تُقاطع الإنتخابات فإننا على يقين أن الحركة الشعبية لن تكن معها بأية حال من الأحوال، فنقطة عدم المشاركة محطة لن يقف فيها قطار الحركة بأى حالٍ من الأحوال لأنها ببساطة ستحرص على إتفاق السلام الشامل أكثر من حرصها على قيام الإنتخابات وفق رؤية الأحزاب السياسية التى ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها فإذا إنسحبت فليس لديها ما تخسره .. أما الشعبية فستخسر الكثير.