الناظر بتأمل الي طبيعة الصراع التطوري في السودان عبر تاريخه الحديث، يري أن هذا الصراع علي مستوي الفكر و الممارسة بعد أن ينهض تلة مخضرة ما يلبث أن يهوي نحو هوة سحيقة، ثم تتواصل هذي الملهاة عبر تاريخنا الحديث مما جعل أي صعود يهوي بسرعة و لا يورث قيمة بعينها . .. التحرر في الأصل هو تحرر عقلي، و هذا التحرر هو الذي يسبق علي الدوام أي تجربة ممارسة علي الأرض للمجتمعات البشرية ، فلا يمكن ابدا ان تتقدم العربة الحصان، لذلك مجتمعات الديمقراطية و الأستنارة اشتغلت أولا علي هذا العقل و تحريره من المتناقضات و الأوهام التي تفضي به الي النكوص القهقري و عملوا علي تغذيته بأستمرار بما يجعل النكوص عصيا، لذلك حتي عندما تحدث منحنيات في التاريخ و هذه واردة جدا، يتم تداركها بتلك المحصنات الاستنارية و يرمم ما تشقق في بنيات الوعي المجتمعي و يسير المجتمع في مساره الطبيعي . هذه المعادلة لم تحدث عندنا و ذلك مرده الي أننا لم نحسن تشييد أعمدة استنارتنا بشكل مؤسس و لم نحرسها جيدا لذلك يحدث دوما الاختطاف للمشهد و الذي يكلفنا سنوات من الإنهيار و التضعضع حتي يفيض بنا الكيل فنقوم لرفع الأعمدة من جديد في إنتظار فترات الضعف الجديدة حتي تهوي من جديد و لكن التاريخ لا يمكن أن يستمر هكذا و الي الأبد . .. تتبادر إلى الذهن أسئلة عمن هم المختطفين؟ و ما هي أدوات اختطافهم؟ و ما الذي يساعدهم في مسعاهم البئيس هذا؟ للإجابة على مثل هذه الأسئلة لابد من الرجوع إلى تكوينات العقل السوداني .. كيف تأسست و سبر غور تاريخها، ليس السياسي فقط، و إنما الاجتماعي لأنه_لأهميته_ هو بالضرورة الغائب في معظم الدراسات و التحليلات _أن لم نقل كلها _ التي تناولت الشأن السوداني و نكباته المتكررة في الانكفاء المرة تلو المرة بعد أن يمضي بحوت تحرره حقبا . .. نواصل عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.