دبابيس ودالشريف    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    شاهد بالفيديو.. غرق مطار دبي    قوة مختصة من مكافحة المخدرات نهر النيل تداهم أحد أوكار تجارة المخدرات بمنطقة كنور وتلقي القبض على ثلاثة متهمين    ماذا حدث بالضبط؟ قبل سنة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    قمة الريال والسيتي بين طعنة رودريجو والدرس القاسي    رونالدو ينتظر عقوبة سلوكه المشين    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    ولايات أميركية تتحرك لحماية الأطفال على الإنترنت    قطر.. متقاعد يفقد 800 ألف ريال لفتحه رابطاً وهمياً    جيوش الاحتلالات وقاسم الانهيار الأخلاقي المشترك    خبير نظم معلومات: 35% من الحسابات الإلكترونية بالشرق الأوسط «وهمية ومزيفة»    مصر.. ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية إلى 10 مليارات دولار خلال 2023    شرطة دبي تضبط حافلة ركاب محملة بأسطوانات غاز!    مواطنو جنوب امدرمان يعانون من توقف خدمات الاتصال    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    تفاصيل إصابة زيزو وفتوح في ليلة فوز الزمالك على الأهلي    اجتماع للتربية فى كسلا يناقش بدء الدراسة بالولاية    شركة تتهم 3 موظفين سابقين بسرقة عملائها    شاهد بالفيديو .. قائد منطقة الشجرة العسكرية اللواء د. ركن نصر الدين عبد الفتاح يتفقد قوات حماية وتأمين الأعيان المدنية المتقدمة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    الجمارك السعودية: دخول الأدوية مرهون بوصفة طبية مختومة    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى لجنة مراجعة المناهج: ملاحظة حول اسم السودان في التاريخ القديم .. بقلم: عبد المنعم عجب الفَيا
نشر في سودانيل يوم 03 - 02 - 2021

طالعنا كتاب تاريخ الفصل السادس (المجمّد) فوجدناه يتحدث عن (تاريخ السودان القديم) بال"وحدة الخامسة" من الكتاب بالفصل المعنون (أنا سوداني).
يتحدث الكتاب في هذا الفصل عن السودان القديم تحت اسم (كوش) ويورد لمحات من تاريخ ممالكها وآثارها ومساهماتها في الحضارة الانسانية.
هنا أريد أن ألفت النظر إلى حقيقة لغوية وتاريخية وجغرافية في غاية الأهمية يجرى إغفالها وإهمالها دائما عندنا في السودان في كتب التاريخ وفي مناهج التعليم المدرسي والجامعي وفي الصحافة والاعلام وفي مجال الآثار وصناعة السياحة. وبدون معرفتنا بهذه الحقيقة التاريخية وتعريف العالم بها فإن مكانة بلادنا السامية والرائدة في تاريخ العالم القديم ومساهماتها في الحضارة الانسانية سوف تضيع إن لم تكن ضاعت بالفعل.
وهذه الحقيقة هي أن الاسم المقابل ل(كوش) في التاريخ والآثار والوثائق القديمة الإغريقية والرومانية وفي الكتاب المقدس (التوارة والإنجيل) وفي الدراسات والكتابات الغربية المعاصرة وفي كل اللغات هو (إثيوبيا).
فحيثما وردت كلمة (إثيوبيا) في كتابات الإغريق والرومان أو من ينقلون عنهم، وحينما وردت بالكتاب المقدس (التوراة والانجيل) يقصد بها كوش أي بلاد السودان الحاضرة.
ففي ملحمتي الأوديسا والإلياذة مثلاً (أقدم االنصوص الأدبية الإغريقية) نجد هوميروس يستعمل اسم (اثيوبيا) محل كوش. وكذلك نجد هيرودوت (484- 425 ق.م) في تاريخه والذي اشتهر ب(تاريخ هيرودوت) يتحدث عن كوش (السودان) تحت اسم (اثيوبيا).
والسؤال الآن كيف تحول الاسم كوش إلى إثيوبيا؟
"كوش" Cush اسم اطلقه قدماء المصريين على السودان وأخذه عنهم العبرانيون في التوارة بنسختها الأصلية: العبرية الآرامية وتلك المترجمة عنها. ثم جاء الإغريق وترجموا كلمة كوش إلى (إثيوبيا) وهي كلمة إغريقية مكونة من كلمتين وتعني بلاد السمر أو السود.
لذلك نجد أن الكتاب المقدس The Bible(التوراة والانجيل) في نصه الاصلي، العبري والآرامي، يستعمل كلمة Cush "كوش"، بينما النص الاغريقي واللاتيني المنقول عن النصين، العبري والارامي، فيترجم كوش إلى "إثيوبيا" Ethiopia إشارة إلى السودان الحالي.
فكل ترجمات الكتاب المقدس التي أخذت عن النص العبري والارامي أبقت على كلمة (كوش) كما هي، بينما تلك التي أُخذت عن النص الاغريقي واللاتيني فأبقت على كلمة إثيوبيا الاغريقية.
ولكن لحسن الحظ نجد بعض ترجمات الكتاب المقدس إلى اللغات الأوربية المعاصرة مثل الإنجليزية، تستعمل اسم "السودان" بديلا لكوش واثيوبيا. وكانت مصادفة سعيدة عندما وجدت أن الترجمتين الانجليزيتين للكتاب المقدس اللتين وجدتهما بمكتبتي واللتين حوزتهما في أزمان مختلفة وتعودان إلى مصادر مختلفة، يستعملان الاسم Sudan "السودان" بديلاً عن (كوش) و(إثيوبيا).
وهناك قلة من الترجمات تستعين بشروحات تفيد أن المقصود بكوش وإثيوبيا، بلاد السودان الحالية. غير أني لم أعثر على ترجمة عربية واحدة للكتاب المقدس، استعملت اسم السودان في محل كوش وإثيوبيا. فكلها تقريبا تستعمل إما كوش وإما إثيوبيا.
ولا شك أن الملايين الذين يقرأون الكتاب المقدس اليوم سوف لن ينتبهوا من تلقاء أنفسهم أن إثيوبيا المذكورة في الكتاب المقدس يقصد بها بلاد السودان وإنما ستنصرف أذهانهم على الفور إلى إثيوبيا الحالية حصرا.
إن دولة (إثيوبيا) الشقيقة الحاضرة لم تتخذ هذا الاسم إلا في سنة 1945م بأمر من الإمبراطور السابق هيلاسي لاسي. فقد كانت تعرف في التاريخ القديم باسم "الحبشة" ولا تزال، وقد جرى تحريف لفظ الحبشة في اللاتينية إلى "ابيسينيا"Abyssinia .
غير أن جل الكتابات العربية المعاصرة، تغفل إما جهلا أو عمدا بيان أن إثيوبيا في التاريخ القديم أول ما تعني السودان الحالي. بل حتى أن كثيرا من المصادر الغربية لا تلقي بالا لهذا التمييز فيحدث الخلط.
والمؤرخ العربي الوحيد، في حدود اطلاعنا، الذي كتب عن تاريخ السودان القديم تحت اسم (إثيوبيا) هو نعوم شقير (انظر: جغرافية وتاريخ السودان) 1903. وهذا ما لم يقدِم عليه أي مؤرخ سوداني بحسب ما نعلم.
ولكل ما تقدم فإن ترجمة كلمة إثيوبيا الواردة في الكتاب المقدس أو كتب التاريخ والنصوص القديمة، إلى الحبشة، على النحو الذي نجده في بعض الترجمات العربية المعاصرة يعد خطأ فادحاً.
السودان في تاريخ هيرودوت:
من أعظم آثار الإغريق المكتوبة كتاب (التواريخ) لهيرودتHerodotus والذي اشتهر ب(تاريخ هيرودوت). عاش هيرودوت في القرن الخامس قبل ميلاد المسيح (484 425 ق.م) ويُلقب (ابو التاريخ). وبيدي الآن الترجمة العربية الكاملة نقلا عن النص الانجليزي. وقد طبع الكتاب لأول مرة بالإغريقية واللاتينية سنة 1450م.
كتب هيرودوت في (تاريخه) عن السودان تحت اسم إثيوبيا والأثيوبيين حيث ذكر بعض ملوك السودان الذين حكموا مصر الفرعونية وأثبت عادة الختان عند السودانيين وذكر مملكة مروي.
وكان ذلك إثر زيارته لمصر حيث كتب عن حضارتها القديمة ولكنه لم يتمكن من الذهاب جنوبا أبعد من الحدود المصرية السودانية فاكتفى باستقصاء معلوماته التاريخية عن السودان وحضارته من المصريين ومن آثارهم.
يصف هيرودت رحلة الوصول إلى السودان من جنوب مصر حتى مروي القديمة بقوله: "والمنطقة جنوب ألفنتين يسكنها الأثيوبيين.. فاذا جاوزت ذلك القسم من النهر خلال أربعين يوما انتهى بك المسير لتركب القارب ثانية وتمضي اثنى عشر يوما اخرى لتصل الى بلدة عظيمة تسمى مروي يقال إنها عاصمة الاثيوبيين." ص 145
وإلفنتين Elephantine هي جزيرة "فيلة" بأسوان ولا تزال تحمل هذا الاسم إلى اليوم وهي من أجمل المناطق السياحية بمصر وتشكل اليوم جزء من مدينة اسوان. والكلمة اغريقية نسبة إلى الفيل ومنها جاءت الكلمة الانجليزية elephant.
أما مروي فهي عاصمة مملكة مروي السودانية المعروفة وكان موقع عاصمتها بكبوشية الحالية شمال شندي وهي ليست مروي الحاضرة الآن بديار الشايقية. هذا، وامتدت مملكة مروي القديمة شرقا الى الحبشة (مملكة أكسوم) وغربا الى دارفور وجنوبا الى أعالي النيل وجنوب النيل الأزرق.
ونعرف من هيرودت أن حدود مصر والسودان الحالية هي نفسها التي كانت زمن الفراعنة حيث يذكر أن ألفنتين (اسوان) كانت نقطة حدود مصر الجنوبية، يقول: "أقام المصريون ثلاث حاميات أحداها في مدينة ألفنتين في مواجهة الاثيوبيين والاخرى في بيلسوم ودفناي لمواجهة السوريين والعرب والثالثة في ميريا أمام الليبيين، وما زالت هذه المواقع قائمة في أيامنا". يقصد أيام كتابة تاريخه. ص 145
ثم يعرض هيرودوت لحكم ملوك السودان، مصر الفرعونية ويذكر منهم شابكو، يقول: "في عهد نسيس حملت اثيوبيا وملكها شابكوس على مصر حملة كبيرة فهرب الملك الكفيف تاركا البلاد في قبضة الاثيوبيين الذين امتد حكمهم فيها خمسين سنة". ص 196
وشابكوس الذي يذكره هيرودت هنا هو الملك السوداني شابكو أخ الملك تهراقا. وحرف السين الزائد علامة الاسم المذكر في الاغريقية. وتخبرنا المصادر التاريخية أن أول ملك سوداني حكم مصر هو كشتا الذي خلفه بعنخي من 751 الى 616 ق.م قبل الميلاد وبسط بعنخي سيطرته على كامل الأراضي المصرية بعد طرد الليبيين وقد سجل انتصاراته وامجاده بلوحة وجدت بمعبد جبل البركل وتوجد الان بالمتحف المصري.
وخلف بعنخي على حكم مصر الملك السوداني شابكو الذي نقل عاصمته من نبتة الى طيبة المصرية (الأقصر) وهو الذي ورد ذكره عند هيرودت. وخلف شابكو اخاه تهراقا الذي حارب الاشوريين في القدس وسوريا وخلف تهراقا على حكم مصر والسودان، الملك شبكتو ثم ثانوت آمون. وامتد حكم ملوك السودان لمصر الفرعونية مدة خمسين سنة. (انظر نعوم شقير- تاريخ السودان، ومكي شبيكة – السودان عبر القرون).
ويذكر هيرودت أن هنالك ثمانية عشر حاكما سودانيا حكموا مصر، يقول: "وقد قرأ عليَّ هؤلاء الكهنة نصا من أوراق البردي يحتوي على أسماء ثلثمائة وثلاثين حاكما تعاقبوا على عرش مصر منهم ثمانية عشر اثيوبيا وملكة مصرية واحدة ". ص 176
ولا ينسى هيرودت أن يتحدث عن عادة الختان عند السودانيين ويقول إنه لا يدري إذا كان المصريون أخذوها عن السودان: "الختان معروف عند المصريين والاثيوبيين منذ أقدم العصور. وهذا أمر يقر به الفينيقيون والسوريون سكان فلسطين فيقولون إنما أخذوا هذا التقليد من المصريين. أما الاثيوبيون فلا أملك أن أجزم إن كانوا أخذوا بهذا التقليد عن المصريين، أم أن المصريين يقتدون بهم في اتباعه ولكن مما لا ريب فيه أنه يعود إلى تاريخ بالغ القدم في اثيوبيا". ص 178
لكن للأسف الشديد كل هذه المعلومات القيمة الواردة عن السودان في كتاب هيردوت في ترجمته العربية التي بين أيدينا تضيع، فقد أغفل المترجم أن يوضح للقاريء في المقدمة والهوامش الكثيرة التي صاحبت الترجمة، أن أثيوبيا والاثيوبيين حيثما وردتا بالكتاب فالمقصود بهما السودان والسودانيين.
فهو مثلا على رغم من أنه خصص هامشا للحديث عن فترة حكم الملك شابكو لمصر، إلا أنه لم يشر مطلقا إلى أن هذا الملك الذي وصف في النص بالاثيوبي انه سوداني، الأمر الذي يدل على أن المدلول التاريخي والجغرافي لكلمة اثيوبيا عند هيرودوت وعند الاغريق عامة كانت غائبة عنه، كما هو الحال في سائر الكتابات العربية.
السودان في التوراة والإنجيل:
كوش في التوراة، ولد حام ابن نوح، وقد سميت عليه بلاد السودان في الكتاب المقدس. وتذهب بعض المصادر الى أن الكلمة ذات أصل مصري قديم "كاش" بمعنى ذو البشرة السوداء، استعملها المصريون لوصف سكان بلاد السودان القديم. فاخذتها عنهم شعوب التوراة اسما لهذه البلاد.
وكنت في وقت سابق، قد قمت بمسح استقصائي فوجدت أن الإشارة إلى بلاد السودان الحاضرة وردت في العهد القديم (التوراة) The Old Testament أكثر من خمس وعشرين مرة، تارة تحت اسم كوش في بعض الترجمات، وتارات أخرى أخرى تحت اسم إثيوبيا.
وأما بالعهد الجديد (الانجيل) The New Testament فقد وردت الإشارة إلى السودان مرة واحدة تحت اسم إثيوبيا على النحو الذي سوف يأتي بيانه أدناه.
وتحدد التوراة السودان القديم بأنها البلاد الواقعة جنوب أسوان وهي حدوده الحاضرة ذاتها. فقد ورد بسفر حزيقال بالعهد القديم من الكتاب المقدس: "وأجعل أرض مصر خرابا مفقرة من مجدل إلى اسوان إلى تخم كوش" سفر حزيقال، الاصحاح 29. والنص بالانجليزية :
I will make all of Egypt an empty waste, from the city of Migdol to the city of Aswan in the south, all the way to the Sudanese boarder."
لاحظ هنا أن النص الإنجليزي يذكر اسم السودان صراحة بقوله: "إلى الحدود السودانية".
وأول ما يرد ذكره عن السودان بالتوراة، نهر النيل، حيث توصف جنة عدن التي كان فيها آدم وحواء، بأنها كانت تشقها أربعة أنهر. أحد هذه الأنهر، يسمى جيحون، وهو نهر النيل.
تقول التوراة: "واسم النهر الثاني جيحون وهو المحيط بجميع أرض كوش". سفر التكوين، الاصحاح الثالث عشر. وقد ورد في الحديث النبوي، أن النيل من أنهار الجنة. وترد الإشارة إلى أنهار السودان في الكتاب المقدس أكثر من مرة.
إلا أن الأمر اللافت للنظر أن التوراة تمجد روحانية شعب كوش وتشيد ببسالتهم في الحروب وتصفهم بأنهم مهابون من كل الشعوب ويثني على طول قاماتهم وجمال بشرتهم الناعمة (الداكنة). ورد ذلك بسفر اشيعاء: الاصحاح الثامن عشر وهو وقف النص الانجليزي الذي بحوزتي:
Beyond the rivers of Sudan there is a land where the sound of wings is heard. From that land ambassadors come down the Nile in boats made of reeds. Swift messengers! Take a message back to your land divided by rivers, to your strong and powerful nation, to your tall and smoothed-skinned people, who are feared all over the world."
ونترجمها كما يلي: "من وراء أنهار السودان من تلك الأرض التي يسمع منها حفيف الأجنحة، من هنالك جاء الرسل خفافا سراعا في النيل على مراكب من البردى، أيها الرسل الخفاف خذوا هذه الرسالة وعودوا إلى أرضكم التي تجري خلالها الانهار، إلى قومكم طوال القامة، ذوي البشرة الناعمة، الأقوياء الاشداء المهابين من جميع شعوب الأرض". انتهى.
قوله: "الأرض التي يسمع منها حفيف الاجنحة" إشارة إلى الآلهة عند الأولين، وهي عبارة تنم عن المكانة الروحية للسودان لدى الشعوب القديمة.
وقد وجدت ما يشير إلى أن قدماء الإغريق يعتقدون أن أرض السودان (كوش) موطن آلهتهم. (انظر بالإنجليزية: مايكل راسل، النوبة والحبشة) 1830م.
هذا، وتسجل التوراة بعض الأحداث التي تمجد تاريخ ملوك (كوش) الذين حكموا مصر وهزموا الاشوريين وأخرجوهم من مصر وأورشليم. ومنهم ترهاقا العظيم الذي وردت الاشارة إليه بالاسم مرتين في التوراة. مرة في سفر الملوك الثاني ومرة بسفر اشيعاء. والعبارة المذكورة في السفرين حسب الترجمة الإنجليزية هي:
‘Word reached the Assyrians that the Egyptian army, led by king Tirhakah of Sudan, was coming to attack them."
ونترجمها كالآتي: "ووصلت رسالة الى الاشوريين بان ترهاقا ملك السودان جاء يقود جيوش المصريين لمهاجمتهم." سفر اشيعاء الاصحاح 37
وكان الأشوريون، حكام بابل، على أبواب أورشليم حين دعا اشيعاء الرب أن يحفظ شبعه منهم ويستغيث بملوك كوش ليصدوا عن العبرانيين شر الأشوريين الذين شكلوا خطرا ماحقا آنذاك على دول المنطقة.
ويؤيد التاريخ إشارة التوراة إلى الملك ترهاقا ويخبرنا أن ملوك كوش قد اخضعوا مصر وحكموها وامتد نفوذهم إلى فلسطين وسوريا وأنهم حاربوا الأشوريين وأخرجوهم من مصر والقدس. وأشهر هؤلاء الملوك، بعنخي وترهاقا. (انظر: نعوم شقير، جغرافية وتاريخ السودان).
ومن الإشارات اللافتة في التوارة أن موسى عليه السلام قد تزوج بسودانية (كوشية) حيث جاء سفر العدد، الاصحاح الثاني عشر: "وتزوج موسى بامرأة كوشية وقد عنفه كل من مريم وهارون على ذلك."
هذه بعض الإشارات الواردة بالتوراة (العهد القديم) من الكتاب المقدس، عن السودان. واذا انتقلنا إلى الانجيل (العهد الجديد) من الكتاب المقدس، نجد أن الاشارة إلى السودان وردت مرة واحدة باسم اثيوبيا.
وسبب ذلك أن الإنجيل كُتب أول مرة باللغة الإغريقية وقد رأينا أن الإغريق ترجموا (كوش) إلى إثيوبيا. جاء بسفر أعمال الرسل، الاصحاح الثامن في الترجمة الإنجليزية:
Now there was an Ethiopian, a court official of the queen Candace, in charge of her entire treasury.,
وترجمتها: "وإذ برجل من إثيوبيا، وزير ببلاط الملكة كنداكة، والمؤتمن على جميع خزائنها".
وذكر الملكة كنداكة هنا يدل دلالة قاطعة أن المقصود بإثيوبيا هنا السودان الحالي. وذلك أن ملكات مملكة مروي كان يطلق عليهن لقب (كنداكة). ومع ذلك تجد بعض الترجمات العربية تترجم كلمة (إثيوبيا) في هذا النص إلى الحبشة، فتأمل!
وقد تنبّه الأب "فانتيني" الايطالي إلى هذا الخطأ في الترجمات العربية ونوَّه إلى أن كندانة هنا: "هي ملكة مروي كبوشية لأن هنالك عددا من الوثائق يؤكد أن هذا اللقب يختص بملكة مروي كبوشية". انتهى. (انظر: فانتيني، تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة ص41).
المراجع والمصادر:
1- الكتاب المقدس (العهد القديم والجديد).
2- هيرودت، تاريخ هيرودت، ترجمة عبد الإله الملاح، مراجعة: د. أحمد السقاف ود. حمد بن صراي، المجمع الثقافي، ابو ظبي، 2001
3- نعوم شقير، تاريخ وجغرافية السودان، دار الثقافة، لبنان، الطبعة الأولى 1903.
4- دكتور مكي شبيكة، السودان عبر القرون، دار الجيل، بيروت، ط1991
5- ج. فانتيني، تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة، الخرطوم 1976
6- السودان في التوارة والإنجيل، عبد المنعم عجب الفيا، سودانايل،9/4/2012
7- السودن في آثار الحضارة الإغريقية، عبد المنعم عجب الفيا، سودانايل، 10/4/2012
8- عبد المنعم عجب الفيا، أوراق في الثقافة السودانية، مدارات للنشر، الخرطوم، 2018
9- Michael Russell, Nubia and Abyssinia ,New York, 1833
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.