قبيل مغادرته البيت الأبيض يوم 20 يناير 2020م، بلحظات خاطب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مناصريه، وعدد إنجازاته، تحدث عن الناتج القومي الأمريكي بالأرقام، وعدد الزيادة في الوظائف بالنسب واورد ما تم صرفه على الصحة، وذهب دون أن ينتظر خليفته، تلك سمة الحكومات ذات الغايات والمهام، فماذا فعل مجلس الوزراء السوداني المنصرف وماذا قال في إجتماعه يوم الأحد 7 فبراير 2021م؟. لقد وثق المجلس ذلك في بيان محشو بالإنشاء والتقريظ والثناء، ويمكن أن نشير للآتي : - لم يحتو البيان على اي رقم أو إحصاء في مجال الإقتصاد أو التنمية أو الناتج القومي أو الصحة أو التعليم أو أي مجال في خدمة المواطن ومعاشه وقضاياه. - لم يتحدث البيان عن أي منجزات محددة أو مهام تم تنفيذها من مقتضيات الإنتقال المحكوم بالوثيقة الدستورية. - أسرف البيان في الحديث عن عظم التكليف والإنسجام بين المجلس ينعقد ونصف الأعضاء بالتكليف، بعد أن تم قبول إستقالة 6 من وزراء الحكومة وإقالة السابع في يوم 9 يوليو 2020م، قبل توقيع إتفاق السلام في جوبا (3 أكتوبر 2020م) ، وبناءً على قراءات كثيرة تتحدث عن ضعف الأداء وغياب الإنسجام، بل هناك بيانات كثيرة صدرت من وزراء سابقين تكشف عن تباين صريح في المواقف والسياسات، ومنها بيانات وزير المالية السابق د. إبراهيم بدوي ووزير الطاقة مهندس عادل إبراهيم وآراء وزير الصحة السابق د. أكرم وبالأمس بيان وزير التربية والتعليم بروف محمد الامين، فهل هذا مؤشر للإنسجام والتوافق، وهو النقطة الأساسية التي اعتمد عليها البيان؟.. (2) تداول نشطاء أمس فيديو شديد التأثير، يتحدث فيه احد مرضى غسيل الكلى عن معاناته، وتروي دموعه مأساة كثيرين وهذا عنوان كبير للتدهور في المجال الصحي وإغلاق مستشفيات ولائية لإنعدام أبسط الإحتياجات، ويكفي بيان بروف محمد الامين وزير التربية والتعليم السابق ليكشف واقع التعليم، وفى بيان لوزارة الطاقة بموقعها أمس تتحدث عن توقف محطات حرارية توليد الكهرباء لعدم وجود وقود الفيرنس، و ناهيك عن تسارع إنهيار العملة الوطنية، فقد أصبح السودان الدولة الثانية عالميا في التضخم بعد فنزويلا، وتحولت الحياة إلى جحيم.. فأين إنجازات حكومة قال البيان : إنها قريبة من الشعب، بينما التظاهرات في كل مدن السودان وقراه، تهتف تسقط حكومة الجوع! وكانت تدابير الحكومة وسياساتها محل إنتقاد كل قوي الحاضنة السياسية واضطر البعض لنزع الغطاء السياسي عنها وطالب بإسقاطها.. لقد كانت حكومة معزولة جماهيريا وسياسيا وافتقرت للدعم الخارجي وكما قال الراحل الشريف الهندي (لو أختطفها كلب لما قال له أحد : جر)! (3) ومع ذلك وجدت الحكومة الجرأة للإشادة والثناء، وهذا أمر معيب، لإن إنكار الواقع يؤدي لتأزيم القضايا وتعقيدها.. وكان الأولى الذهاب بصمت أو مواجهة واقع بشجاعة.. لقد أستمر النقاش حول تشكيل الحكومة طيلة سبعة أشهر وأهم الوزارات تدار بوزراء دولة مكلفين، وحدثت ملاسنات حادة بين الوزراء حول قضايا جوهرية تهم حياة المواطن كالصحة وأسعار الوقود والخبز، ناهيك عن المواقف المتباينة حول السياسة الخارجية وتطورت الشأن العام، وتطبيق سياسات البنك الدولي مما أدى لزيادة التضخم بمعدل قياسي، مع غياب تام لرؤية جامعة وسياسات متسقة وشفافية واجبة.. وعليه فإن بيان مجلس الوزراء أمس عن نفسه يعتبر واحدة من غرائب السياسة السودانية. لقد كانت العرب تصنف بيت في قصيدة للأعشي بأنه أكذب الشعر ويقول فيه: لو أسندت ميتًا إلى صدرها - عاش ولم ينقل إلى قابر.. حتى يقول الناس ممّا رأوْا - يا عجبا للمَيِّتِ الناشر.. فإن بيان مجلس الوزراء يأتى في مرتبة متقدمة في مدارج التزييف الفطير.. لقد احسن د. عبدالله حمدوك حين أشترط على الوزراء والقوى السياسية الإلتزام ببرنامج الحكومة والتوقيع عليه، فهذا الشرط وحده يكشف مرارة التناكف والمزاحمة في المواقف بين الحواضن السياسية، وعليهم فتح صفحة جديدة وقناعات جديدة غاياتها : مصالح الوطن وخدمة المواطن. فلا قيمة ومعنى لتغيير الوجوه، ما لم يكن هناك تغيير للسياسات والتوجهات والإقتراب أكثر لهموم المواطن وضرورات الإنتقال. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ////////////////////