اذا كان منبع اختلاف البعض مع السيدة وزيرة الخارجية مريم المنصورة محصوراً في الحضور الذهني، وقدراتها على طرح آرائها بشئ من مهارات العرض presentation skills فذلك أمر مقدور عليه. فمراكز التدريب تذخر بإمكانات تملّك الشخصية العامة هذه المهارات في ظرف زماني وجيز. أما اذا كان مناط الاختلاف في فحوى ما ذهبت إليه في التصريح حول استعمار - استثمار - الأراضي السودانية الشاسعة، فذلك حديث يستدعي التأمل من منظور نظرية مالتوس في النمو السكاني. ويستدعي كذلك فهم وإدراك تداخل مفهوم السيادة مع الأمن القومي مع التفكير الاستراتيجي من وجهة نظر الجيوبولتيك. وكلها مناظير تستلزم عتاد خاص في فهم كيف يتناسب النمو السكاني في السودان مع الموارد. و كيف يؤثر الحراك السكاني(إن كان هجرة او لجؤ أو زحف إستيطاني ) على التركيبة الديموغرافية للمنطقة المعنية... مهما يكن من أمر، وطالما كان الحديث منصباً حول أراضي الفشقة، قد يبدو أن السيدة الوزيرة تحدثت عن رؤية الحكومة الرسمية وهو الموقف الذي يصعب على كل مناصر للحكومة المدنية استهجانه، وهو موقف ليس بجديد، وقد اجترحته على استحياء احد الدول العربية الصغيرة ذات النفوذ الطاغي في مرحلة الانتقال كوسيلة تضمن ما أكدته السيدة الوزيرة الإستفادة الكسبية win - win. وهو اتجاه يتضمن ايجاد صيغة لاعتبار النمو السكاني المتسارع في الهضبة الإثيوبية مع محدودية الأراضي الخصبة للزراعة التي يمكن أن تستجيب لحاجيات أولئك السكان من الغذاء. ورغم أن هذا الطرح لم يتبلور بعد في مبادرة أو حل واضح المعالم، إلا أنه قد يبدو مرفوضاً لمعظم السودانيين، ذلك لأنه يُعتبر تبرعٌ بمساحات زراعية خصبة مقابل أن تعترف إثيوبيا بسودانية هذه الأراضي، وهذا لا يُعد مكسبا. بل تقرير المقرر اصلاً بحسب اتفاقية 1902 التي أشارت إليها الوزيرة، لذلك ستكون المعادلة خاسرة لدى الطرف السوداني. هذا فضلا عن أنه سيكون سابقة لفتح شهية بقية جيران السودان الذين يعانون ذات المشكلة .. خلاصة القول إن الرأي الذي ذهبت له السيدة الوزيرة هو بالتأكيد توجه حكومي وليس نزوة عابرة مرت بخاطرها وهي تقف في منصة المؤتمر الصحفي ... وهو موقف لا يتناسب مع حالة التعبئة التي بلغها الموقف على الحدود الشرقية المؤسس على ضرورة إسترجاع كافة الأراضي التي تم استيطانها من قبل الاثوبيين مدفوعين بعملية ترويع وتخويف من قبل من يُسموُن بالشفتة وهم في واقع الأمر قوات مسلحة شبه نظامية تسعى لتأكيد ذات النتيجة القاضية بشرعنة الوجود الأثيوبي إن كان وفق اتفاقية لاستخدام الأراضي السودانية الواسعة أو بوضع اليد عبر السلاح.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.