بسم الله الرحمن الرحيم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ليس اضر علي القضايا والمطالب العادلة، من الدفاع عنها بواسطة اساطين الاجرم والفساد والهوس. وهذا ما ينطبق علي الطيب مصطفي، في تصديه لحديث عبدالرحيم دقلو، الملئ تحاملا وغطرسةً ونذرا للفتنة، ضد مكونات وجهات بعينها في الدولة السودانية، في احتفالية خروج موسي هلال من معتقله. وما يميز الطيب مصطفي عن اقرانه من رموز النظام التالف، انه يشكل ظاهرة بعينها. ومن ملامح هذه الظاهرة، فقدان الاتصال بالواقع والاكتفاء بما يعتنقه من هلوسات. والتحول الي معيار لمقاربة القضايا والاشياء والقيم. ولكن ما يهمنا تحديدا من هذه الظاهرة، هو فصل النتائج عن مسبباتها، او اختلاق اسباب متوهمة تتجاوب مع المعتقدات السالفة الذكر. وذلك سواء بوعي او بدون وعي، فهو يهدف للتشويش علي الوعي. كمقدمة للهروب من تحمل المسؤولية، ودفع ثمن الاخطاء والجرائم والكوارث. فصعود آل دقلو الي قمة المشهد السلطوي، عبر سيطرتهم علي المال والسلاح والرجال، ومن ثمَّ استخدام لغة الاستعلاء والاستعداء والتهديد والوصاية، التي يشتكي منها الطيب مصطفي، لم تاتِ مصادفة. ولكنها نتيجة منطقية لفرض الانقاذ لمشروعها الحضاري بقوة السلاح، في بيئة سياسية واجتماعية وظروف تاريخية طابعها الهشاشة، تعاني منها الدولة السودانية كمتلازمة. فالانقاذ كترجمة لمشروع الاسلامويين وعلي راسهم الطيب مصطفي، اجتهدت في هندسة المجتمع السوداني، وتوظيف جل موارد الدولة، للتغلب علي استحالات تواجه ذاك المشروع المتخيل. فهذه الرؤية الاحادية لمجتمع متعدد، حملت منذ البدء بذور فناءها. ولسوء الحظ، ان من قام علي ذلك التطبيق، كان يتحلي بدرجة من الغرور، وتدني منسوب الحساسية الانسانية والمعرفة الموضوعية، مما اباح له التصرف بكل صفاقة وارهاب واستهتار! وكانت كلفة ذلك التجريب العنيف، وبال علي الدولة والمجتمع. واحتمال ان لبوس القداسة التي تدثرها ذاك المشروع، لعبت الدور الاكبر في هذا العنف المجاني. ولكن المؤكد ان النزعات العدائية والشره في حيازة الامتيازات، وجدت تصريف لها في تبني المقدس. وفي كل الاحوال، ان حمَلَة المشروع الحضاري، وعلي راسهم عرابه الترابي، يعانون تناقضات بنيوية لا يمكن جسرها إلا باستخدام العنف. والمقصود، ان اي مشروع ديني يؤمن بالخلاص، وبدخوله علي السياسة، يحولها من مجال لتعدد الخيارات، الي حيز ضيق لا يسع إلا خيار واحد. وهو عمليا لا يقبل مشاركة آخرين مختلفين في الشان العام. والحال، ان ذلك لا يمكن انجازه إلا بتوسل العنف، او الاصح شرعنته (ومفهوم الجهاد يتيح متسع في هذا السياق) وهذا ما يجعل الانقلاب العسكري ليس وضع طارئ او وسيلة فقط، ولكنه بالاحري العمود الفقري الذي يتشكل حوله المشروع. اي الاستجابة للشرط الديمقراطي في اي وقت يظل عمل تكتيكي، حتي يحين اوان الانقلاب العسكري، او الحصول علي السلطة بواسطة العنف. وهذا ما يجعل لكل صاحب مشروع ديني جناح عسكري او تواصل مع المؤسسة العسكرية. وعموما، اي سلطة دينية حاكمة او في وارد السيطرة علي الحكم، وبما هي دينية فهي ملازمة للعنف، لانها جبلت علي رفض المنافسة التي تستلزم الاختلاف، ولذا فهي لا تتسامح مع المختلفين. المهم، هذه النظرة ذات البعد الواحد تتجاوز السياسة، لتهيمن علي كل فضاء الدولة، وبما فيها الخيارات الاشد خصوصية، كالملابس الشخصية والذائقة الفنية. وبالطبع كان من نتاج ذلك الغاء الحياة السياسية وانشطة المجتمع المدني، واصبح التركيز التام علي السلطة، سواء من ناحية حمايتها، او التمرغ في امتيازاتها وملذاتها. والمفارقة بعد تحييد وابعاد واضعاف الاحزاب السياسية والانشطة المدنية بصفة عامة، ارتدَّ الصراع علي السلطة الي داخل مراكز القوي للجماعة الحاكمة، وكانت النتيجة حدوث الانشقاق الشهير. لتتكشف الصورة لمن به غفلة، بانهم لا يملكون لا مشروع ولا تصور لادارة الدولة ولا يحزنون، وان ما يملكونه من مشروع حضاري، ما هو إلا تكتيك مضلل واستغلال للبسطاء للوصول الي السلطة. وعند هذه المرحلة من تباين المصالح والصراع المراهق حول السلطة بين اجنحة الاسلاميين، اصبح كل فريق يوظف ما بين يديه من كروت، ويستثمر في التناقضات الداخلية والخارجية، غض النظر عن الخطورة والتبعات لمعركة تكسير العظام بين الطرفين. وكان من ضمن ساحات المعركة الاستفادة من منطقة دارفور، وما تعانيه من الهشاشة الامنية وتعقيدات التركيبة الاجتماعية وتباين الانشطة الاقتصادية، والمظالم التاريخية، ومحازاتها لدول لا تقل عتها هشاشة وتعقيد وسيولة. وقبل كل ذلك، لجوء نظام البشير الذي تحول لنظام عسكري صرف بعد ذهاب الترابي، للحل العسكري والامني، كخيار مفضل ضد المعارضة والمعارضين. وكل ذلك اطال امد الصراع، وسمح بدخول التقاطعات الداخلية والخارجية لتحصيل المكاسب للكثيرين (لجوء وتشريد وابادة قوم عند قوم فوائد) ومن ضمن هؤلاء، والاصح علي راسهم، كان حميدتي وآله من اكبر الرابحين، بعد ان استثمر فيه الكثيرون، وكل له مآربه الخاصة. مما سبق يتضح ان السبب الجوهري للازمة الراهنة، يرجع بشكل اساس للضربة الغادرة التي وجهها الاسلامويون للدولة والمجتمع. ونتج عن ذلك تقويض لمؤسسات الدولة من جهة، وانحسار لدور وتاثير الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، كروافع للحياة الديمقراطية والصراع السلمي حول السلطة من جهة، وتدهور الاحوال الاقتصادية بسبب الفساد واختلال الاولويات من جهة، وصعود نفوذ وتاثير التكوينات ما قبل الدولتية، بل والمعاكسة والمضادة لبناء الدولة الحديثة، كالمليشيات والحركات المسلحة والنعرات القبلية والمطالب الجهوية من جهة. وباختصار مشروع الدولة الدينية، مشروع مازوم، يعبر عن ازمة الاسلامويين في تعاملهم مع متطلبات عصرهم. والحال كذلك، ما كان في وسع هكذا مشروع، تقديم حلول مواكبة لروح العصر، ولكن الخبر السيئ انه لم يكتفِ بعجزه، ولكنه تقهقر بالدولة والمجتمع عشرات السنين الي الوراء، وصدق دكتور حيدر ابراهيم عندما وصف الحالة الراهنة بالسلطنة الزرقاء (دولة الفونج). وبناءً علي اعلاه، يصبح الطيب مصطفي وآل دقلو وجهان لعملة واحدة من عدة اوجه، منها: اولا، لانهما مرتبطان ببعضهما كنتيجة وسبب كما سلف ذكره، اي ما كان لآل دقلو فرصة للحصول علي كل هذه الامتيازات غير المستحقة (غير الشرعية) لولا الانقلاب علي الشرعية الديمقراطية، الذي قام به اخوة الطيب مصطفي. والحال كذلك، كل ما يتمتع به الطيب مصطفي وآل دقلو ليس غير شرعي فقط، ولكن الاسوأ انه يشكل عائق امام عودة الشرعية. ثانيا، بما ان وضعهما خصم علي الشرعية، فيظل حديثهما عن دعم الثورة او الثوار او بناء الدولة او عودة الديمقراطية، وما شابه ذلك، هو حديث خارج السياق، واقرب لذر الرماد في العيون، لشرعنة اوضاعهم غير الشرعية، فمن جهة الطيب مصطفي، فهو يريد الحفاظ علي امتيازاته، والحلم بعودة الاسلاميين للسلطة بصورة او اخري! ومن جهة حميدتي، فهو يسابق الزمن لتكريس سيطرته علي السلطة، ولو بصيغة انتخابية مطبوخة (اسلوب ناعم) او بتهديد سلامة الدولة (اسلوب خشن). ثالثا، احدهما، الطيب مصطفي يستند علي مشروع ديني قائم علي الاساطير والاوهام. وهو ذو طبيعة متعالية علي الدولة وحاجات المجتمع. ولذلك كان وقعه عليهما كارثيا. اما الآخر (آل دقلو) يستند علي مشروع جهوي، تحتوشه تهيؤات ومزاعم تاريخية ومظلوميات يتم تضخيمها، لاستخدامها كاستراتيجية سيطرة. رابعا، كلا المشروعين الديني والجهوي هي في الاصل مشاريع سلطة، احدهما يتوسل الدين والآخر يتوسل الجهة للسيطرة علي السلطة. وبما انها مشاريع سلطة، فتاليا رؤاها ومخططاتها واهدافها ووسائلها، تنصرف ناحية الوصول للسلطة والسيطرة عليها والبقاء فيها. اما ما يترتب علي مشاريع السلطة كغاية، فهو للاسف خصم علي مقومات بقاء الدولة وسلامة تماسك المجتمع. بمعني تصبح الدولة بمواردها ومؤسساتها والمجتمع بتباينه وتضارب مصالحه، في خدمة السلطة، وليس العكس اي السلطة في خدمة الدولة والمجتمع. والحال كذلك، اذا عمل المشروع الديني علي ردنا الي عصر الاصطفاف علي اسس التمايز الديني، بعد افراغ مؤسسات الدولة من وظائفها وحرمان المجتمع من خياراته! فالمشروع الجهوي يعدنا برد ما تبقي من ملامح الدولة، الي حضن القبيلة والادارة الاهلية وثقافة الطيب ود ضحوية علي احسن فروض، ونشر الفوضي وثقافة البقاء للاعنف علي اسوأ الفروض. والمحصلة، حتي ما تحصلنا عليه من حداثة ملتبسة بكلفة عالية، فنحن موعودون بردة شاملة عليها، بدأت بجهل وغرور الاسلامويين وانتهت لجهالات وتطلعات الدقلاويين؟! خامسا، بما ان المشروع الديني ينحو منحي مغاير لبناء الدولة وخدمة المجتمع، وهو يتكرس حصريا لخدمة راسمالية العقيدة! وهو ما ادي لتحطيم الدولة وبؤس المجتمع. فكذلك المشروع الجهوي ينحو نحو جعل الجهة/العنصر/العرق اداة تحليل حصرية للصراع، ومن ثمَّ تصبح منهج عمل للوصول للسلطة، وانتهاءً باسلوب ممارسة السلطة. واذا كان المشروع الاول افرز مجموعة متسلطة، استباحت موارد الدولة ومؤسساتها، واستخدمت المجتمع كحقل تجريب لخطرفاتها. فان المشروع الجهوي يفرز قادة من صنف آل دقلو، كل ما يملكونه من مؤهلات سياسية وقيادية، هي التوافر علي عتاد حربي ومشاعر سلبية (كره احقاد روح تشف وانتقام)! اي اذا كانت الاوضاع التي افرزتهم معتلة، فهم ليس دواء للعلل، ولكن بالاحري هم رد علي العلل بعلل مضادة! وبتعبير آخر، هل آل دقلو الذين يتسيدون الساحة السياسية والسلطوية، يمكن ان يكونوا في هذه المكانة بهكذا مؤهلات، اذا جردناهم ما بين ايديهم من اسلحة واموال وعلاقات مشبوهة؟ وهل المشاكل الملازمة للدولة السودانية منذ ميلاد استقلالها، يمكن حلها بهذه الكيفية البدائية، او ما قبل التوافر علي المعارف والخبرات الحديثة في بناء الدول وتماسك المجتمعات؟ وبالمناسبة ذات الامر ينطبق علي البرهان وقادة الجيش، الذين لا يملكون اي قيمة او مؤهلات اذا جردناهم مما يحوزنه من سيطرة علي المؤسسة العسكرية. ولذا يقودهم وعيهم العسكري المختلط بتطلعات السلطة، الي رد الصراع السياسي الي حالة من عدم الانضاط والتمرد علي المجتمع والدولة! اي تكييف الصراع بما يتناسب مع قدراتهم وامكانيات حسمه لصالحهم. وهذه المعضلة لعبت دور اساس في تراجع الدولة باستمرار او تقدمها للوراء! من خلال اضعافها وسائل التطور المعروفة، باتاحة المجال امام الصراع السلمي الذي يدار ديمقراطيا، لصالح سيطرة اسلوب العنف الذي يخدم نخب صغيرة (وليس مركز او عرقيات معينة) تملك ادوات العنف وتحريكه وتوظيفه، ولطالما جيرت الدولة والمجتمع لخدمة اغراضها ومنافعها الخاصة، الشئ الذي جعل استقرار الدولة وسلامة المجتمع علي كف عفريت، منذ تماس وعينا السياسي مع معضلة السلطة. سادسا، وما يخص قضية السلام نجد ايضا آثار لكلا الطرفين، ولكن في الاتجاه المضاد للسلام المنشود الذي يعيد تطيب النفوس ورتق النسيج الاجتماعي وارجاع البلاد الي سكة التطور الطبيعي، بانجاز مشروع وطني وتنموي، ودولة مواطنة ومؤسسات، والتزام المسار الديمقراطي، كحل حصري لاشكالية التعاطي مع معضلة السلطة. فحين نجد الطيب مصطفي يرفع لواء العداء الشنيع والتشويه المتعمد للعلمانية، كمطلب اساس لدخول الحركة الشعبية جناح الحلو في مفاوضات السلام، والاهم من ذلك، كمعالجة لمعضلة قيام دولة المواطنة الموعودة. لانه في الاساس لا وجود لدولة مدنية من غير التزام اشتراطات العلمانية، سواء بصورة مباشرة (منصوص عليها حرفيا) او غير مباشرة (مطبقة عمليا) تعبر عن حيادية الدولة تجاه الاديان والمعتقدات. نجد ان حميدتي القائد لمفاوضات السلام بعد الاستيلاء علي ملفها عنوة، عبر واجهة مجلس السيادة، ولتحقيق انتصار اعلامي يسوق صورته الجديدة (نيو لوك) كرجل دولة! انجز نوع من السلام، هو في الاصل ليس له صلة بالسلام المنشود، ولكنه اقرب للتواطؤ المتبادل بين اطراف عملية السلام، من اجل اقتسام المناصب والامتيازات ووظائف الدولة بناء علي توجهات جهوية، علي حساب حيادية مؤسسات الدولة ومدنية الحياة السياسية وتماسك النسيج الاجتماعي. اي بصريح العبارة، تمت سرقة الثورة وتجيير شعاراتها لاعادة انتاج ذات المظالم المرفوعة ولكن بصورة معاكسة علي جهات وعرقيات متهمة. والمحتمل ان هكذا اسلوب قد يرضي بعض النفوس المريضة علي المدي القصير، ولكن المؤكد ان هكذا طريق لن يقود لا لبناء دولة مدنية محترمة حلم بها الثوار، ولا لحياة مدنية متحضرة عبرت عنها شعارات الثورة، لتعوض عن اخطاء ومآسي ستة عقود نكدة. آخر الكلام اسوأ من يدافع عن قضايا دارفور هم آل دقلو، واردأ من يتصدي لافتراءاتهم هو الطيب مصطفي. رفعت الكلمات واظلمت السبل. ودمتم في رعاية الله.