قال الشاعر حسن الدّابي: ودْ أبْ عُودْ مَاهو هيِّنْ، وحالاً في الزّول يبيِّنْ.. العود هنا هو البلح، و(ودْ أبْ عُودْ) هو رحيقه، الذي يسري تأثيره سريعاً في صاحِبه. قيل إن سيد أحمد السنجك، تاب عن شرب المريسة ويممَ وجهه شطر البيت الحرام.. حجَّ وتابَ، صلى وصامَ، لكنه بات على ذات الشوق، فلم يستطع أن يقاوم إغراءها ....ذات مساء، فوجئ بها أمامه في جردل، فأعمل فيها سبابته، ثم لحسها متمنطِقاً: الله يَازَاكِي، إنت لى هسع في حلاتِك ديك؟. ويُحكى أن بعض أنصار أُم درمان الأقحاح، كانوا على تشميرهم ضدها بعد كسْرَةْ كرري.. ذات يوم مرَّ عليهم رباطابي (واقِف لَطْ)، فصاح فيه أحدهم: إتَّ يا المنْعُول بتشرب المريسة في بُقعة المَهدي؟ أجابه الرباطابي: نان أنا جبتها مَعاي من الشِريق، واللّا لقيتا في بقعتكم دي؟ وقيلَ إن عوض السُّكُرجِي من أهالي الكاسِنجَر، ربنا هداهو مِن شراب العرقي. وذات يوم من الأيام كان جالساً قدام بيتو، يشرب الجّبَنَة بالتمُر. مرَّ عليه المنصوري، فلم تقع عينه إلا على صحن البلح فقال مستغرباً تقلبات الزمان: دَحِين عوض ده، خلى شرابو وبِقىَ يبلِّعو كبسولات؟ وفي ضنقلة العجوز، كان ود حِجاب مراسي درجة أولى كأهل زمانه.. مرَّ عليه شيخ مِن السائِحين فوجده يغرِّد بها، فنهاه عن تلك (الخبيسَة) كما نعتها، فتاب ود حِجاب على يديه، لكن إلى متى؟ كان لِودْ حٍجاب ابن عم يقال له ودْ رَحمة وهو شيخ البيوضاب، كان رجلا كريماً يولِم لأصحابه كلما هفَّ النسيم.. ذاتَ نهار شاتٍ دارت القرْعَة في ديوان ود رِحمة حتى وصلت إلى ود حِجاب الذي أعرض عنها بحجة أنه تاب على يد الفقِير السائِح.. دارت القرعة دورتها وانتشى الجمع وانفرجت أساريره، إلا ود حِجاب الذي تململَ في عَطشه ذاك... عندها أطلق مقولته التي سارت الركبان: يا ود رحمة أخوي، حرم إنت بقيت بخيل، كيفِن تخليني على كلام الفِقيِّر، وما بتحلف عليَّ طلاق تلاتة، إلّا أشرب؟ وحلفَ عليه شيخ العرب بأبغض الحلال، فكانً ما كانَ من رَحابة (الزّمَكان). وفي كتابه (الأنداية) يتوغل الطيب محمد الطيب في وصف مجالس الاستكانة حيث يُزرع البلح كثيفاً في الشمال ليكون مشروبه بنياً أحمرا كأنّه شفق المغيب، ثم يرغي ويزبد ويسيل على حواف البُرمَة.. ذاك هو الدكّاي ودنياه الراعِدة، وهو مُتاح في الضهاري أكثر مِن مريسة العيش، وإن كانت الفيتريتة تفعل مثل ذلك عند أهل العبث، وما الدنيا عند أهل العَبث إلا (عَايرة وأدُّوها سُوطْ)..! قال ابو الطيب المتنبئ في ماضي الزمان: ياسمَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما، أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟ لعله ذات السؤال الذي افترعه أحمد بن الحُسين، نطرحه على سيدنا جبريل وزير مالية الثورة: ماذا في كأسك يا وطن؟ /////////////////