بسم الله الرحمن الرحيم أكد كثير من المراقبين على عزم المؤتمر الوطني مع سبق الاصرار على الفوز بالانتخابات السودانية مهما تكلف الأمر, سواء كانت الانتخابات نزيهة أو غير نزيهة. وقد أعد كل العدة لتحقيق ذلك النصر وهو الممسك بزمام كل الأمور في البلاد, المال, الأمن, الجيش, الإعلام ومليشيات الدفاع الشعبي وكل المفاصل القوية المؤثرة. وبالطبع أعد المؤتمر الوطني العدة لأسوأ الاحتمالات: أذا جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه, إذا مال رأى الشعب إلى غير صالحة والى صالح الأحزاب المنافسة حال مشاركتها في العملية الانتخابية. فقد أعد العدة لمواجهة كل من يقف فى طريقه للفوز حقا أو باطلا. وكان أكثر ما يقلق المؤتمر الوطني هو المنافسة الرئاسية والخطة التي تواضعت عليها قوى إجماع جوبا بتشتيت أصوات الناجين في الجولة الأولى وحرمان البشير من الفوز وجره إلى جولة ثانية. ولذلك سعي المؤتمر الوطني بكل ما يملك لإحباط هذه الخطة. وقد كشفت الأيام التي تلت أن هناك صفقات جهنمية تم إعدادها تحت جنح الدجى لتمكين البشير من الفوز بسهولة, صفقات بيع للمواقف والأحزاب والبلاد. تكلف إحباط هذه الخطة "مليارات" من الأموال, وصفقات ثم فيها التنازل عن جزء عزيز من الوطن وما خفي أعظم. دعنا ننظر فى الاسباب التى جعلت المؤتمر الوطنى يستميت لأجل الفوز. استمامة المؤتمر الوطني والفوز مهما كان الثمن: خارجيا : الفوز بالانتخابات والتشبث بالسلطة تمثل للمؤتمر الوطني وقادته مسألة حياة أو موت بالمعنى الحرفى للكلمة. فرئيس النظام مطلوب للعدالة الدولية, وكذا عدد كبير من أفراد طاقم قيادة الحكم في الخرطوم, تلاحقهم اتهامات بتجاوزات خطيرة في حقوق الإنسان بدارفور وإحراق القرى وبيوت الأشياخ وكل الفظاعات التي تمتلئ بها صحائفهم السود. داخليا: ارتكبت كوادر وقيادات المؤتمر الوطني انتهاكات كثيرة وخطيرة في حقوق الأفراد والأسر وقطاعات كثيرة من الشعب السوداني, طال التشريد والملاحقة والفصل والعسف والتعذيب والقتل أعداد كبيرة من الشعب, ويخاف مرتكبو هذه التجاوزات المساءلة عما اقترفوه في حقوق المواطنين. _ يعتمد النظام اعتمادا كليا على القبضة الأمنية والبوليسية والعسكرية في إدارة البلاد. هذه الأجهزة هي النظام نفسه وهي التي تحميه. حيث أن متنفذي الحكومة هم فوق القانون ولا يمكن محاسبتهم مهما فعلوا للحماية التي يلقونها من الأمن والشرطة والجيش, وللحصانة الممنوحة لهم من الدولة. فاذا مافقدوا السلطة بالانتخابات يكونون قد فقدوا الحماية والحصانة التي يتمترسون خلفها ضد غضب الشعب ومطالبة ذوي الحقوق. _استباح المؤتمر الوطني وكوادره الاقتصاد الوطني وأصبح مال الشعب "غنيمة" في أيديهم. آل كل النشاط الاقتصادي في البلد إليهم, تسيطر الشركات التابعة للأجهزة الأمنية وحدها على حوالي 85% في كل النشاط الاقتصادي في البلاد (حسب تقديرات بعض الخبراء والمراقبين الاقتصاديين). فأثروا ثراءا فاحشا من أنشطتهم الاقتصادية المدعومة والمحمية من الدولة, ومن شراكاتهم مع رؤوس الأموال الأجنبية, ومن استباحتهم للمال العام في وضح النهار كما أشارت تقارير المراجع العام كل عام. حتى صارت كوادر المؤتمر الوطني "طبقة ارستقراطية" وسط الشعب السوداني تتميز بالثراء ومظاهر البذخ في وسط اجتماعي يعيش 95% من سكانه تحت خط الفقر. أما قادة المؤتمر الوطني فقد صاروا من أثرى أثرياء العالم يمتلكون القصور الشاهقات في مدن كبيرة وجزر بعيدة في العالم. بعد أن كان القوم معدمين فهم يخافون المساءلة "من أين لك هذا" من ناحية, كما يخشون الفطام من هذه الحياة الباذخة ويعود بهم الحال إلى ألفافة والعوز التي أتوا منها أول عهدهم. _ هذا بالإضافة إلى بعض السوءات الموجودة في النفس البشرية من المكابرة والعناد والتحدي والشعور بالغلبة ونشوة الانتصار, حتى وان كانت المنازلة ماكرة وغير عادلة. فالمؤتمر الوطني كان قد أعد العدة للفوز بالانتخابات مهما كان الثمن. وكان مستعدا – كما هو ديدنه – لفعل المنكر وسفك الدماء وإثارة العنف والمواجهة الدامية إذا استشعر خطرا يتهدد فوه. تأبط المؤتمر الوطنى شرا وخرج الى الانتخابات: هناك دلائل واضحة تشير إلى نية المؤتمر الوطني المبيتة لإثارة العنف والضرب والمواجهة في الانتخابات. فقد كان الانتشار الكثيف للشرطة والأمن واضحا أن الأمر لم يكن لمجرد تأمين الانتخابات كما ادعت الأجهزة الرسمية, بل كان واضحا أن الهدف يتعدى ذلك التبرير, كما أشار الى ذلك الاستاذ فاروق أبو عيسى المتحدث باسم التجمع. إذ لم يكن تأمين الانتخابات يحتاج إلى كل تلك القوات المدمجة بالأسلحة الثقيلة. فهو دليل بين على النية المبيتة لفعل الشر. كما أن القوات الكثيفة تم استدعاؤها هى من المليشيات التابعة للمؤتمر الوطنى من الدفاع الشعبي والمجاهدين والشرطة الشعبية والأمن والشرطة والمحاليين من القوات النظامية, وهي كلها مؤسسات معلوم ولاؤها وانتماؤها للمؤتمر الوطني وهي أذرع الحكومة من الأجهزة الباطشة "co-ercive forces" . الشاهد في الأمر أن المؤتمر الوطنى كان ينوي العنف والمواجهة وضرب الناس بلا هوادة إذا سارت الأمور في غير هواه. فهو عازم على الفوز خيرا أم شرا. ويعلم القاصي والداني تاريخ الحركة الإسلامية الذي ارتبط بالعنف فى انتخابات اتحادات الطلاب في الجامعات السودانية, حتى غدت عبارة " العنف الانتخابي/الطلابى" في الجامعات من العبارات المألوفة في لغة السياسة السودانية وارتباطها بممارسات طلاب الحركة الإسلامية. وبالطبع نقلت الجماعة تلك الممارسات من حرم الجامعات الى فناء الوطن العريض, بكل ما يستتبع ذلك من فتن ما حقه. الموقف الوطنى للقوى الوطنية التى قاطعت الانتخابات: أولا يجب الإشادة والشد على أيادي القوى الوطنية بمقاطعتها الانتخابات وبوعى الناخب السودانى الذى فاق تصور كل المراقبين الدوليين. وبذلك صانت سلامة المواطنين وحقنت دماءهم إذ كان يمكن أن تسيل دماء وطنية غالية كنتيجة حتمية للمواجهات التي كانت ستحدث بإصرار المؤتمر الوطني على الفوز بأي ثمن, واستعداده للعنف والمواجهة وسفك الدماء واستعراض قواته الباطشة واستعداده التام لاستخدامها لضرب المواطنين إذا سارت الأمور في غير ما يهوى, لولا ان لطف الله بالعباد وقاطعت أحزاب كثيرة ومجموعات كبيرة الانتخابات, وانسحبت موثرة الحفاظ على سلامة المواطنين وحقن دمائهم وتركت الساحة للمؤتمر الوطني يعيث فيها بفساده المعهود. هذا ما أكده وظل يؤكده قادة المؤتمر الوطني أنهم أتوا بالقوة وسوف يستمرون يحكمون بالقوة, رضى الناس أم أبوا. وممارسات المؤتمرالوطنى في الانتخابات ليست استثناء من هذه القاعدة. ممارسات المؤتمر الوطني في كل مراحل العملية الانتخابية والتجاوزات الكبيرة والخطيرة والتزوير كانت كلها عبارة عن رسالة واحدة مفادها بأننا سوف نفعل ما نريد لضمان الفوز في الانتخابات, ومن أراد غير ذلك, أو وقف في طريقنا, فعليه أن يمسك بزناد بندقيته. هذه بالطبع هي لغة المؤتمر الوطني التي يفهمها ويتعامل بها مع المواطنين العزل, لكنه لا يستخدم هذه اللغة مع القوى القاهرة التي غزت البلاد ووضعتها تحت الوصايا الأممية " أسد علىّ وفي الحروب نعامة". لكن مسألة الفوز والتشبث بالحكم هي بالنسنة للمؤتمر الوطنى مسألة حياة أو موت كما أسلفنا. لكن يبقى التساؤل كما تساءل الإمام الصادق المهدي وتساءل الكثيرون: ما العمل؟ ماذا نحن فاعلون إزاء حكم يجثم على صدر الأمة بالباطل والزيف والترهيب والبطش؟ المؤتمر الوطني يسعى لجر البلاد إلى الفتنة إذا تمسك كل فريق ببندقيته"if each sticks to his gun", وحصل الصدام بين الحكومة وبين بقية قطاعات الشعب. فالمؤتمر الوطني مستعد كل الاستعداد "للشينة" مع المواطنين العزل. فهل بين قادة المؤتمر الوطني من رشيد يهدي القوم إلى سواء السبيل؟ في الجانب الآخر, على أحزاب المعارضة, وحركات دارفور, والحركة الشعبية, والحركات النوبية ومجموعات الشرق, ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المطلبية والشباب وكل القوى الوطنية المحبة للحرية والديمقراطية والسلام والعدل الاجتماعي أن تتفق على خطة عمل واضحة المعالم في المرحلة المقبلة لمواجهة الحكومة المزيفة في الخرطوم. ولتشمل مثل هذه الخطة بعضا من العناصر التالية: مخاطبة أجهزة الدولة - وبخاصة مفوضية الانتخابات- بالمآلات الوخيمة التي قد تترتب على خلفية الانتخابات وحالة الاستقطاب الحاد الناجمة عنها والمواجهات المحتملة بين الحكومة وقطاعات الشعب العريضة ممثلة في الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني, وحركات دارفور, والحركات النوبية والشرقية وقطاعات الشعب الأخرى المتضررة ي سياسات الحكومة. حشد وتنوير الرأي العام الداخلي لقطاعات الشعب المختلفة بكشف الحقائق وتوضيح المآلات والتحذير من المواجهات حتى يتحمل كل شخص مسؤوليته الشخصية فيما ستؤول إليه أحوال البلاد. استنفار كوادر من شباب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المؤمنين بمباديء العدل والحرية والسلام والدموقراطية المستعدين لحماية قناعاتهم وقادتهم في المنابر والمحافل والندوات التي سيقيمونها بقصد تنوير وتصحيح الرأي العام للمواطنين. مخاطبة منظمات الاممالمتحدة وحقوق الانسان والمنظمات الاقليمية ودول الجوار والتنبيه لخطورة الموقف في السودان بسبب تعنت الحكومة واقصائها للقوى الوطنية الفاعلة وللجماهير في البلاد, وما يمكن أن يترتب عليه ذلك من مواجهات دامية تودي بحياة المواطنين وتؤذي الوطن وتمتد آثارها لدول الجوار والمحيط الاقليمي والدولي . تخطي مرحلة الانتخابات والاتفاق على تشكيل حكومة قومية عريضة واعطاؤها تفويضا محددا بالإشراف على اجراء انتخابات اخرى حرة ونزيهة والاشراف على مرحلة الاستفتاء في الجنوب وحل مشكلة دارفور وترسيم الحدود. خطوات كهذه من شأنها نزع فتيل الفتنة المحدقة. نسأل الله تعالى أن يحفظ الوطن العزيز من كل شر وأن يهدي قادة المؤتمر الوطني لما فيه خير الامة وخير الوطن, وأن يشرح صدورهم للهداية وتقبل نصح الناصحين وشفقة المشفقين والا تأخذهم العزة بالاثم. السبت 24/04/2010 10 Jumad ‘Ula 1431 Hj