بلينكن عن التدقيق في مزاعم انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان: سترون النتائج قريبا    عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    الخطوة التالية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاركة السياسية المرأة السودانية في الحكم المحلي .. بقلم: د. سامي عبد الحليم سعيد
نشر في سودانيل يوم 27 - 04 - 2021


الخرطوم - ابريل 2021

المقدمة:
إنطلقت التحضيرات لاعمال مؤتمر الحكم في السودان في الاسبوع الاخير من شهر إبريل 2021، و إبتدرت التحضيرات للمؤتمر بالاعلان عن مناقشة أوراق فنية، لم تشتمل على أي أوراق عن ضمان الممارسة الديمقراطية، و توسيع نطاق المشاركة السياسية بصورة عامة، و خاصة المشاركة السياسية للمرأة السودانية في مستوى الحكم المحلي، مما يعد نقص واضح في برامج الورشة التحضيرية، و إتمنى ان يتم ادراك ذلك في التحضيرات اللآحقة.
إن المشاركة السياسية في الحكم للمرأة السودانية، من الموضوعات المهمة للغاية في مسار التحول الديمقراطي الماثل في السودان، لكونها تجعل مسألة التحول الديمقراطي مسألة شاملة، و متجذرة في كل سياسات و تشريعات و مؤسسات الحكم في السودان. إن ضمان مشاركة المرأة بصورة منصفة كان من ضمن أهم الاحكام التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، بجانب الالتزامات الدولية التي تواثقت فيها حكومة السودان. لذا من المهم مواصلة النقاش الموضوعي في موضوع تعزيز المشاركة السياسية للمرأة في مستوى الحكم المحلي، و إستغلال فرصة إنعقاد مؤتمر الحكم لجعله منصة لمناقشة هذه المسألة الهامة.
منذ إستقلاله، ظل السودان يفتقر الى سياسات و تشريعات واضحة في مسألة إدماج المرأة في مستوى الحكم المحلي، بل ظلت القوانين التي تحكم هذا المستوى من الحكم ضعيفة جداً في تكريس الممارسة الديمقراطية. و تكتسب مسألة تنظيم الحكم المحلي لكونه يتصل بموضوعات تعزيز الديمقراطية فيه، من خلال ضمان المشاركة العادلة للمرأة السودانية، و لكون مستوى الحكم المحلي ينتشر في كل أنحاء السودان، و يتعاطى مع المجموعات السكانية الاقل نمواً داخل السودان و الاكثر تهميشاً.
خلفية مختصرة حول الحكم المحلي:
إعتمد السودان النظام الفيدرالي في دستوره لعام 1998، بعد وضعت لبناته الأولى بموجب المراسيم الدستورية بالارقام 13 و 14 بعد إنقلاب الرئيس السابق عمر البشير على الحكومة المنتخبة في 30 يونيو 1989. إلا ان نظام الحكم المحلي بوصفه أحد انماط اللامركزية الإدارية، فقد وجد تاريخه في وقت سابق من استقلال السودان. و يقصد بالحكم المحلي المستوى القاعدي من الحكم الذي يعمل مباشرة مع المجتمع المحلي في الريف و الأحياء و القرى والبوادي و المدن وأينما كان الأنسان موجوداً داخل خارطة الوطن. فالحكم المحلي هو المستوى الادنى في الحكم اللامركزي.
تكتسب طريقة الحكم المحلي أهمية قصوى للسودان في هذه المرحلة من تاريخه، فمن ناحية هي تعني الاهتمام بإشراك المواطنين في الادارة و كذلك تساعد على التنمية الريفية، فأبرزما يرمي إليه نظام الحكم المحلي تلبية الحاجة للخدمة المباشرة (صحة.. تعليم.. مياه .. الخ) وفق ما يراه الأهالي في المجتمع المحلي المعني، وبالتالي تكتمل عملية المشاركة، والتي هي بلا شك إحدى أهم المرتكزات في العملية التنموية. و يعد نظام الحكم المحلي هو الأنجع والأمثل لإدارة الحكم في المستويات القاعدية في بلد شاسع مترامي الأطراف متنوع الثقافات و متعدد القبائل.
والحكم المحلي في السودان له تاريخه القديم والذي يعود الى عام 1949م حيث قامت خمسة مجالس بلدية 10، و عشرة مجالس مدنية، وستة و عشرون مجلس ريفي، وجاء بعد ذلك انشاء وتأسيس مصلحة الحكم المحلي عام 1950م على ضوء توصيات الدكتور مارشال وتقريره الذي اعده عن الحكم المحلي في السودان عام 1948م، وكان من ضمن صلاحيات الحكم المحلي الاشراف القانوني علي المحاكم الاهلية ومحاكم السلاطين، وهذا يعني ان الحكم المحلي في السودان كان لصيق الصلة بالادارة الاهلية، وبخلاف الضباط الاداريين فان اعضاء المجالس التي ذكرتها يأتون عن طريق الانتداب المباشر وهذه الحالة نجدها بارزة في المجالس البلدية وبالتعيين بالنسبة لمجالس المدن والمجالس الريفية، ومعظم هؤلاء من الشخصيات الاجتماعية الهامة او من النظار والعمد والسلاطين وشيوخ الخط وهنا تظهر علاقة الحكم المحلي بالادارة الاهلية.
الشخصية المحورية في العملية الإدارية ، في ظل الحكم المحلي، كانت تسمى نهاية خمسينات القرن السابق "المأمور"، وكان ينتشر في كافة المستويات في السودان. وتبدل الأسم الى أن إستقر في "الضابط الإداري" ثم كان قانون الحكم المحلي في 1961م وطور في 1971، وهكذا صار الأمر حتى 1981. و قد قامت ثورة 25 مايو بالغاء دور الادارة الاهلية وجاء في محلها «الضابط السيار» احدى أفكار الدكتور جعفر محمد علي بخيت .
و على الرغم من وجود المرأة في الفضاء العام، بنسب متباينة بحسب طبيعة المجال الذي تنخرط فيه، إلا انه من الملاحظ غياب الفلسفة و السياسات الرسمية لادماج المرأة في مستويات الحكم الفيدرالي بصورة ممنهجة تتسق مع (حقوق المواطنة) و (المساواة)، و كذلك بالقدر الذي يؤسس (للتشاركية) في إجراءات التنمية المستدامة في السودان. إن غياب تلك الفلسفة، قد اسهم بصورة واضحة في قصور الإستراتيجيات الوطنية في بلوغ غاياتها.
المرأة في نظام الحكم المحلي:
لا يكتمل التحول الديمقراطي في السودان، بدون التخطيط الدقيق لعملية إدماج المرأة في مستويات الحكم بصورة منصفة.
من المهم وضع إطار قانوني لتعزيز دور المرأة السودانية في الاعمال المهمة التي تقوم بها في الريف، في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي، و تأسيس قواعد تشريعية جديدة بصورة مبدعة، تضمن إشراك المرأة في الحكم المحلي. بدون إشراك المرأة في مستويات الحكم المحلي، بصورة تتساوى مع مجهوداتها في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي، سيسهم في جعل حقوق المرأة مهدرة، و لا تتفق مع مبادئ المواطنة التي تفترض - ضمن أمور عديدة – المساواة في الحقوق و الواجبات. و عملت اتفاقية جوبا لللسلام على ضمان توزيع الثروة و السلطة بين الاطراف الموقعة للاتفاقية و على اساس اقليمي، إلا ان الاتفاقية و ان ارادت مخاطبة جذور النزاع المسلح بذلك التقسيم، إلا إنها أغفلت بصورة واضحة مقتضيات السلام الاجتماعي حين فشلت في وضع اسس لضمان حقوق النساء في التوزيع العادل للموارد الاقتصادية ، وهو ليس حقًا فحسب ، بل إنه يسرع التنمية في مجالات متعددة، كذلك يجب أن يكون هناك توازن عادل للمسؤولية بين الرجل والمرأة، بما في ذلك عن أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر.
على الرغم من الوثيقة الدستورية – و لاحقاً اتفاقية جوبا للسلام، قد اقرت مبدأ المساواة و التمييز الايجابي للنساء في شأن المشاركة في الحكم. و في حين أن المزيد من النساء قد شغلن مناصب سياسية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك من خلال استخدام الكوتة، إلا أنهن ما زلن يشغلن نسبة ضئيلة من المقاعد في مؤسسات الحكم و الادارة على مستويات المحليات، في مناصب الإدارة العليا والمتوسطة.
تاريخ النساء في انظمة الادارة المحلية:
في التنظيم الاداري للقبيلة، لا توجد سلطة للنساء في تركيبة الإدارة الأهلية، و حتى وضعها كعنصر فاعل في العملية الانتاجية لم يعطهن مكانة في عملية إتخاذ القرارات أو مكانة سياسية داخل المنظومة الادارية على المستوى المحلي. ففي قبيلة الفورمثلا، بوصفها من اكبر قبائل السودان، يوجد من بين النساء من يطلق عليهن لقب(ميرم) وجمعها (ميارم (وهذه تعني إنها إمراة محترمة لها وزن في المجتمع أو ممكن مشاورتها. إلا ان التاريخ لم يؤشر بصورة واضحة إن (الميارم) يتمثلن في السلطة الحاكمة (الإدارة الاهلية ) أو النظام القبلي أو إنهن يحظين بمكانة سياسية أو لهن نفوذ حاسم في مسألة السلطة وتقسيم الموارد. فالمرأة في تلك القبيلة لها طاقات هائلة، فهي تقوم بادوار مهمة في العملية الانتاجية من خلال مشاركتها في جميع العمليات الزراعية و ترتيب الأرض ,حرثها وفلاحتها وحتى حصادها.
يتطلب نظام الحكم المحلي في السودان، الخضوع لإجراءات تقويمية تصدر في شكل تشريعات تسهم بشكل فعال في النهوض التنموي على كافة مستوياته، البشري و الأقتصادي و السياسي. و نظام الحكم المحلي و باعتباره أكثر صور اللامركزية الإقليمية شفافية وقدرة على حل المشكلات التنموية في الوحدات الإدارية، فانه يستلزم ربطه . و قد اشارت الوثيقة الدستورية لاعتماد النظام الفيدرالي في الحكم، بصورته التي اقرها دستور 2005 الملغي، الذي كان قد اقر الحكم المحلي كمستوى ثالث للحكم، إلا ان كل من االاهداف القومية، و بالممارسة الديمقراطية الرشيدة. إن الدستور الملغي و الوثيقة الدستورية الحالية، لم يقدما نصوصا هادية لتطبيق نظام الحكم الفيدرالي بما يستوعب مشاركة المرأة الفعالة في مستويات الحكم المحلي.
لمراجعة التشريعات و السياسات الخاصة بدور المرأة في الحكم المحلي، من المهم إدراك خطة وطنية فاعلة، لجعل نظام الحكم المحلي، ديمقراطي و شعبي في المقام الاول، و قادر و فعال و مؤثر في إنتاج الاهداف الوطنية التي من أجلها تم تأسيس نظام الحكم المحلي. فيما يلي بعض المقترحات التي من شأنها أن تساعد في تحقيق تفكير موضوعي لتأسيس نظام الحكم المحلي وفق مقتضيات التحول الديمقراطي في السودان، و كذلك تحقيق السلام الشامل و التنمية المستدامة و العدالة الاجتماعية:
تعزيز التشاركية في الحكم المحلي:
إن الديمقراطية هي العمود الفقري لتحقيق الرضا و التوافق، و ضمان تحقيق المشاركة الشعبية في الحكم المحلي، و في هذا الاطار من المهم تأسيس نظام إنتخابي فعال يضمن مشاركة المرأة في إدارة الانتخابات أولاً ، و ضمان وجودها المنصف و الفعال في مؤسسات الحكم المحلي، التشريعية و التنفيذية.
و في إطار بناء المؤسسات الديمقراطية، من الضروري بمكان ترسيخ مبدأ الرقابة المتبادلة (check and balance) ، بحيث يقوم المواطنين و تقوم مؤسسات الدولة بمراقبة بعضها البعض، و تطبيق مبادئ الحكم الراشد، بالقدر الذي يجعل مبدأ سيادة حكم القانون هو الحامي للدولة من العابثين و المفسدين، و ان يتمكن المجتمع المدني من الاستمتاع بحرية التعبير و التنظيم و التجمع السلمي، و أن يستفيد في أنشطته من مبدأ(حرية الوصول للمعلومات) ليتحقق له مراقبة مستويات الحكم بصورة فعالة. و لان المستويات المحلية في السودان تعاني من ضعف شديد في الكوادر و ضعف في القدرات و المهارات الادارية، فإن الاصلاحات في نظام الحكم المحلي يجب ان تنتبه الى ضرورة تهيئة البيئة التشريعية و المؤسسية بحيث تجد المرأة السودانية فرصتها بما يضمن حصولها على حقوقها السياسية، و تستفيد الادارات المحلية من الخبرات التي تتوفر لها من خلال ادراج المرأة في مستوى الحكم المحلي.
إن مبدا شعبية الحكم المحلي، و تعزيز منهج التشاركية في الحكم المحلي هو المدخل الصحيح لنجاح تجربة الحكم المحلي. و من الصعب ضمان تحقيق ذلك بدون وضع إستراتيجية لجعل تلك المبادئ أكثر شمولية، و ان تتفادى اقصاء فئة مجتمعية مهمة، و ذات اسهام واضح في المستويين التنموي و الاجتماعي ، ألا وهي فئة النساء في المجتمعات المحلية. و جعل الحكم المحلي موسوماً بصفته الشعبية، يضمن فاعليته و يؤسس لمبدأ الرقابة الشعبية و الشفافية، و بالتالي يضمن جودة الأداء، و يتأتى ذلك بقيام مؤسسات حكم محلي تتفاعل معها المواطنين في السودان وتتولى الدفاع عنها منظمات شعبية تطوعية مدعومة من الحكومة المركزية وتحت مظلته ورعايته وحمايته.
من الواضح إن أي مقترحات لاجراء إصلاحات تشريعية، تستلزم إعتماد مبادئ دستورية، مستلهمة من القيم الحقوقية التي اقرها السودان من خلال مصادقتها لمجموعة المعاهدات و المواثيق الدولية، و التي من بينها العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية، الذي يؤسس لمبدأ المشاركة السياسية و حقوق المواطنة و المساواة، في إطار التأسيس للحكم الديمقراطي. و من ذلك الاطار الدستور و الحقوقي، يستلزم ضرورة مراجع أحكام القوانين و اللوائح و النظم، المنظمة للحكم المحلي، من منظور المساواة في الحقوق و الواجبات و المواطنة.
الهدف الخامس من اهداف التنمية المستدامة:
تعد مساواة المرأة وتمكينها أحد أهداف الامم المتحدة في التنمية المستدامة السبعة عشر ، ولكنها أيضًا جزء لا يتجزأ من جميع أبعاد التنمية الشاملة والمستدامة. باختصار ، تعتمد جميع أهداف التنمية المستدامة على تحقيق الهدف الخامس. و لبلوغ أهداف التنمية في نهاية العقد الثاني لهذه الالفية، في عام 2030، من المهم تجذير المساواة بين الجنسين، الامر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة للقضاء على العديد من الأسباب الجذرية للتمييز التي لا تزال تقيد حقوق المرأة في المجالين الخاص والعام. و من ضمن ذلك على سبيل المثال ، يجب اجراء اصلاحات تشريعية عاجلة، و إعتماد تشريعات لتحقيق المساواة بين الجنسين في القوانين الحاكمة لنظام الحكم في السودان.
وضعت الدول الاعضاء في الامم المتحدة خطتها للتنمية المستدامة في سبتمبر 2015، ووضعت جدول أعمال عالمي جديد للقضاء على الفقر بحلول عام 2030 وتحقيق مستقبل مستدام للجميع. ويشمل جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة هدف محدد (الهدف الخامس) لتحقيق المساواة بين الجنسين و تمكين النساء و الفتيات، و يسعى الى وضع حد للتمييز والعنف ضد النساء والفتيات وضمان المشاركة وتكافؤ الفرص في جميع مجالات الحياة.
يظل في سياق التحول الديمقراطي في السودان، النهوض بالمشاركة السياسية للمرأة خطوة أساسية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. لذلك ينادي مقصد من مقاصد الهدف 5 الى "كفالة مشاركة المرأة مشاركة كاملة وفعالة وتكافؤ الفرص المتاحة لها للقيادة على قدم المساواة مع الرجل على جميع مستويات صنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة". و سيجد هذا المقصد سبيله للتطبيق من خلال اعتماد قوانين منظمة للحكم و المشاركة السياسية، و التي من بينها دون أدنى شك نظام الحكم المحلي، بوصفه يساعد على إدماج أكبر عدد من النساء في العملية السياسية، لانها المستوى الذي تتوزع مؤسساته في ارياف السودان لا سيما في المناطق الاقل نمواً و أكثر فقراً.
وضع القرار 1325 موضع التنفيذ:
و في المجتمعات المحلية التي ظلت تخضع لظروف الحرب و النزاعات المسلحة و عدم الاستقرار الامني، بصورة متواصلة منذ الاستقلال في عام 1956، من المهم إدراك وضع سياسات في الحكم المحلي تجعل منه سبباً في وقف حالة الحروب المستمرة، التي أعاقت نهضة الريف، و اقعدت إنسانه عن النمو و التطور. من هنا، من المهم الاستفادة من موجهات قرار مجلس الامن بالرقم 1325الخاص باجندة المراة و الامن و السلام الصادر في 31 إكتوبر 2000، و وضعها موضع التنفيذ بما يتناسب مع الحالة السودانية.
على هدى قرار مجلس الامن، يجب تنظيم مشاركة المرأة على المستويات المحلية و الريفية في صنع القرار، و بوصفه الطريق المباشر لتحقيق التغيير. إن اوضاع ما بعد النزاع، و بعد اتفاق جوبا للسلام، و ما ستليه من تدابير جديدة للسلام في جبال النوبة و جبل مرة، سيتطلب فيها وضع اصلاحات متصلة بنزاعات ملكية و اصلاح الاراضي و التي ستؤثر بشكل كبير على استقرار المجتمعات المحلية. من المهم وضع تدابير عاجلة لادماج المرأة في مؤسسات الحكم و لجان الاصلاح و مفوضيات فض النزاع. في المجتمع الرواندي و بعد انتهاء النزاع، على سبيل المثال، بدأت الدولة في وضع برنامج طموح لاصلاح ملكية الاراضي، يهدف إلى القضاء على جميع صور التمييز الرئيسية، قضت تلك التدابير بضرورة أن تمثل النساء 30 في المائة من أعضاء ومُفوضي تلك اللجان. ونتيجة لذلك، تمتلك النساء الان الحق في تملك الاراضى، و التصرف فيها بدون قيود، بما في ذلك تعدديل قواعد ميراث الاراضي بين بين الزوجين. و أثبتت التجارب، في كولومبيا، كما في جنوب السودان، مدى نجاعة و نجاح مشاركة المرأة وقيادتها لعمليات السلام داخل المجتمع المحلي. لذلك، فإن توسيع مفهوم السلام يساعد في توسيع نطاق المشاركة السياسية. ومن المهم، في هذا السياق، أنه يجب على الحكومة الانتقالية في السودان، و في سبيل عملها السياسي لتحقيق أهداف الفترة الانتقالية، أن تعمل على ضمان تنفيذ موجهات قرار مجلس الامن 1325، بضمان مشاركة المرأة في عمليات إدارة السلام و مرحلة ما بعد السلام، وأن يتم النظر إلى العوامل الاجتماعية والسياسية التي يمكن إما أن تعيق أو تيسر دمج المرأة في عمليات التحول الديمقراطي و بناء مؤسسات الحكم الجديدة و تعزيز السلام، و إبتداع صيغ فعالة للدعم .
تطبيق نظام الكوتة:
وضعت الوثيقة الدستورية و اتفاقية جوبا، بعض الاحكام المتصلة بتطبيق مبدأ الكوتة من أجل تفعيل المشاركة السياسية للمرأة السودانية خلال الفترة الانتقالية. إلا إنه تلاحظ من واقع التطبيق العملي لهذه الاحكام الدستورية خلال الفترة السابقة، بانها لم تكن فعالة و أنها لم تستجيب لمتطلبات التحول الديمقراطي الشامل.
يجب أن يضاف الى المبادئ التي نادت بها تلك الوثائق، ما يضمن الاقرار بمبدأ التمييز الإيجابي للمرأة السوداني، بتمثيلها ديمقراطياً في مؤسسات السلطات الثلاث في الحكم المحلي على أقل تقدير بتطبيق الكوتة، بحيث تراعي ذات النسبة للمرأة في القطاعات المختلفة.
و بجانب ذلك من الضروري تأكيد إحترام التنوع الثقافي، وفقاً للوثيقة الدستورية و التي تنص على "تعترف الدولة بالتنوع الثقافي في السودان و تشجع الثقافات المتعددة على الاذدهار المنسجم و التعبير عن نفسها عبر وسائط الاعلام و التعليم". و هذا يستلزم أن تعطي التشريعات و السياسات لمستويات الحكم المحلي الحق في، تطبيق مبدأ المساواة، بين النساء و الرجال، و الحق في التعبير عن المجموعات السكانية في النطاق الجغرافي الذي تحكمه، من خلال إنشاء معاهد و مراكز تنمية قدرات المرأة و الشباب، و دعم الثقافات المحلية و التراث المحلي بما ينسجم مع المبادئ الدستورية، و يعزز من اللغات و اللهجات و كافة أشكال التعبير الثقافي، دون أدني تقييد.
خاتمة:
من الضروري إتساق الممارسة السياسية للدولة مع المبادئ الحديثة التي إسسها الدستور الانتقالي، و التي نصت على تأسيس الديمقراطية و تفكيك بنية الدولة الدكتاتورية الموروثة. و في هذا السياق يتصاعد الإهتمام، و يزيد التنبيه، بضرورة أن يكون التحول الديمقراطي عملية شاملة، و غير إقصائية، و أن تستوعب المشاركة السياسية المنصفة المرأة السودانية بصورة عادلة وواضحة، تشمل مشاركتهن في مستويات الحكم كافة. و تعد مناسبة إنطلاق مؤتمر الحكم في ابريل من العام 2021 مناسبة وطنية لمناقشة أفضل الطرق لتعبيد الطريق للمشاركة السياسية للمرأة بصورة ديمقراطية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.