الانتخابات السودانية في قائمة جنيس للأرقام القياسية في سابقة تزويرية لم يعهدها العالم من قبل، شهدت الانتخابات السودانية تجاوزات وصلت إلى أن يدلي «المراحيم» بأصواتهم، وفوجئ بعضهم بوجود قريبهم المتوفي في السجل الانتخابي وبل بالتصويت، وطبعا لقائمة المؤتمر الوطني وشعاره «الشجرة» التي حصلت على نسبة 99.99%. ولأن الموتى علموا أن الله حق، فلا يمكن إن يدلوا بأصواتهم سوى للقائمة الربانية أو قائمة «هي لله» والمشروع الحضاري ولرمز الشجرة المباركة، زيتونة لا شرقية ولا غربية، وليست شجرة زقوم. والمفارقة في الانتخابات السودانية جاءت من أوجه مختلفة، حيث أصبح عدد الأفراد الذين أدلوا بأصواتهم أكثر من عدد الذين يحق لهم التصويت في بعض المراكز، وحصول أحد المرشحين على صفر في المركز الذي أدلى فيه بصوته هو وأقرباؤه لقربه من سكنه، وغيرها من الطرائف التي تدخل بموجبها الانتخابات السودانية قائمة جنيس للأرقام القياسية بجدارة لا تنافسها عليها أية دولة أخرى. الحالة السودانية في الانتخابات تصلح لأن تكون نموذجاً تحتذي به الحكومات الشمولية والدكتاتورية في العالم الثالث، حيث تفوقت الإنقاذ على نفسها هذه المرة وعلى انتخابات التوالي السياسي التي لم تشهد على الأقل تصويت الموتى وإزالة الحبر بسهولة حتى يتسنى لأجهزة المؤتمر الوطني التصويت مثنى وثلاث ورباع في حالة الضرورة بوجود منافس قوي. الإنقاذ كانت تعتقد أن المعارضة السودانية ستدخل الانتخابات بقوة، عبر تحالف القوى الوطنية «تحالف جوبا»، كما توقعت أن ترشح المعارضة منافساً واحداً على المستوى الرئاسي ضد مرشحها عمر البشير، وأن تنسق على مستوى الدوائر الانتخابية للتحالف ضد مرشحي الإنقاذ، لذلك أعدت العدة والعتاد، وكما قال لي أحد منسوبي الحركة الإسلامية في جامعة الخرطوم في فترة التسعينيات بأنه شارك في تزوير انتخابات جامعة الخرطوم عام 93م، حيث تم إقناعهم بأن التجمع سيفتح «خمارة» اي «بار» لبيع الخمور في دار الاتحاد في حالة فوزه، الأمر الذي أقنعه بعملية التزوير طبعاً لتثبيت شرع الله ومنع الشيوعيين والعلمانيين وحلفائهم ومن لف لفهم من الفوز الديمقراطي الحر وإسقاط «الحاكمية لله». قرار المعارضة بمقاطعة الانتخابات كان مفاجئاً للإنقاذ التي دفعت بكل ما تعرفه ولا تعرفه من وسائل التزوير، بدءاً بتوزيع الدوائر والسجل الانتخابي والسيطرة على المفوضية التي لم تشارك أحزاب المعارضة في تكوينها، والقوانين المقيدة للحريات، وإخفاء السجل، ووجود مراكز للتصويت غير معلومة أو معروفة، والسيطرة على أجهزة الدولة واستغلالها لصالح مرشحي المؤتمر الوطني من الناحية الإعلامية والمالية، أي أن العملية التزويرية مرت بثلاث مراحل، الأولى القوانين وتكوين المفوضية، والثانية التعداد السكاني وسجل الانتخابات، والثالثة التزوير في التصويت واستغلال أجهزة الدولة الإعلامية ومواردها المالية. والإنقاذ لم تتوقع انسحاب المعارضة من العملية الانتخابية، حيث أنها كانت تتفاوض معها سراً وجهراً حتى الأيام الأخيرة، وتدفع لها التعويضات المالية من خزينة الدولة «لأن الإنقاذ ليس لها أب ورثت منه مالاً أو جاهاً» لإغرائها بمواصلة الانتخابات المعلومة النتيجة سلفاً، حتى تكسب شرعيتها على أقل تقدير في المجتمع الدولي، فالإنقاذ لا تقيم وزناً للشعب السوداني وخيارته الديمقراطية. وحينما انسحبت القوى السياسية من الانتخابات ومع تأكيدات المؤتمر الوطني بعدم التأجيل، لم يكن في استطاعة «مفوضية تزوير الانتخابات» في الفترة الزمنية المتبقية والقصيرة جدا، سحب بطاقات الاقتراع التي غيروا فيها رموز المرشحين وأسقطوا رموزاً أخرى وبدلوا رموز دائرة بأخرى، وإعادة طباعتها، أو تغيير السجل بسجل حقيقي أو إعادة صناديق دوائر وإرسالها لدوائرها الصحيحة. وكارتر في تصريحاته الصحفية أكد فقدان الانتخابات لأي من معايير الديمقراطية، لافتا إلى اعتراف المجتمع الدولي بها رغم عيوبها، والتناقض الظاهر في حديثه يؤكد رغبة أمريكا في تمكين الجنوبيين من ممارسة حقهم في الاستفتاء من غير حدوث العراقيل التي يمكن أن يضعها المؤتمر الوطني، كما وضح في تصريح البشير بمنع الاستفتاء في حالة طلب الحركة الشعبية تأجيل الانتخابات. Omer Hamid [[email protected]]