بعد انتهاء عملية الاقتراع و ظهور نتائجه و استحواذ المؤتمر الوطنى على جميع الدوائرالانتخابية فى شمال السودان و استحواذ الحركة الشعبية على جميع الدوائر فى جنوب السودان دون ارقام تذكر للقوى السياسية المعارضة او المتحالفة مع كلا الحزبين و التى كانت مشاركة فى الانتخابات و من جانب خر رفض المعارض لتلك لنتائج الانتخابات حيث تتهم المؤتمر الوطنى بالتزوير و استغلال اجهزة الدولة و امكانياتها من اجل الوصول لهذه النتيجة الا ان الانتخابات افرزت دروسا كبيرة جدا فيما يتعلق بقضية الديمقراطية و التحول الاجتماعى فى السودان و يجب ان تكون مجال بحث و دراسة من قبل مراكز الدراسات و البحوث و المراكز المهتمة بقضية الديمقراطية فى مجتمعاتها و نحن فى مركز ابحاث الديمقراطية و الدراسات الاستراتيجية قررنا العمل الفورى فى دراسة انعكاسات نتائج الانتخابات الاخيرة على المستويين السياسيين الداخلى و الخارجى ووقع تلك النتائج على مستقبل الديمقراطية فى السودان فى ظل سؤالين مهمين الاول سؤال رئيسى و الاخر فرعى مساعد لدراسة الظاهرة موضع البحث. السؤال الاول - هل فعلا ان نتيجة الانتخابات جاءت نتيجة لعمليات تزوير قام بها الشريكان كل فى موقعه بتوافق بينهما ام هى فعلا نتيجة لتحولات و تغييرات اجتماعية كبيرة حدثت فى المجتمع السودانى و بالتالى اثرت فى تركيبته السياسية؟ السؤال الثانى – الى اية مدى كانت التحولات و التغييرات الاجتماعية التى حدثت فى بنية المجتمع السودانى متوافقة مع نظريات علم الاجتماع و خاضعة لشروط و عوامل التغيير ام انها جاءت بنظرية جديدة تخالف تلك الشروط ؟ ان النخبة السودانية على مختلف مدارسها الفكرية تناولت قضية الانتخابات التى حدثت فى السودان مؤخرا من خلال مواقفها السياسية المسبقة مع او ضد و بالتالى ركزت على جانب فى العملية السياسية و اهملت الجوانب الاخرى للصورة فى تناولها للموضوع و خاصة البعض منهم يؤكد انه يسعى من اجل تجذير و ترسيخ الديمقراطية فى المجتمع السودانى وكان على هولاء النخب فى تناولهم للموضوع يجب ان يخضعوا كل الممارسات التى تتعارض مع القيم و الممارسة الديمقراطية للتحليل و البحث مع تسليط الضوء عليها و لكن للآسف ان النخب اهملت جانب مهم جدا فى الموضوع حيث كان موقفها المعارض لحزب المؤتمر الوطنى واضحا باعتبار انه الحزب الحاكم والذى يستمد شرعيته فى الفترة الانتقالية من اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية التى تعتبر جزءا من شراكة السلطة و لكن النخبة استبعدت تماما الحركة من عمليات النقد لدورها السياسى العام فى السلطة الاتحادية و فى تحالفاتها " تحالف جوبا" اضافة الى ممارساتها غير الديمقراطية فى الجنوب الامر الذى جعل النخب تنظر لقضية الديمقراطية فى السودان بعين واحدة. و استغلت الحركة الشعبية ضعف احزاب المعارضة فى فترة المعارضة و جردت تنظيم التحالف " التجمع الوطنى الديمقراطى " من اية اتجاهات يمكن ان تجعله تحالفا ديمقراطيا باعتبار انها قوة سياسية طرحت شعارات جديدة من اجل احداث تغيير فى البنية السياسية السودانية ليس على مستوى الشعار انما على مستوى الممارسة و لكن غلبت اجندة الحركة على اجندة الاصلاح السياسى الامر الذى قاد الى اتفاقية السلام فى شكلها الثنائى ثم كررت ذات العمل مع ذات القوى السياسية " تحالف جوبا" و هى تعرف تماما انها قوى سياسية تعانى من ضعف و حالة اعياء لا تسمح لها ان تعيد تقيم مسيرة تحالفها مع الحركة الشعبية التى بممارساتها المتناقضة اربكت كل حسابات القوى السياسية و كانت دائما تضعها فى موقف الامر الواقع و لكن النخبة السودانية لم تلتفت لممارسات الحركة الشعبية السياسية المتناقضة تماما مع شعاراتها المرفوعة حيث اصبح عندها الاستفتاء اهم من مسالة التحول الديمقراطى الامر الذى وضح جليا فى مواقف الحركة قبل و اثناء فترة الانتخابات و النخبة للاسف انها هربت من التصدى و مواجهة و نقد التوجه الجديد لقيادات الحركة المتعللين بان سياسة المؤتمر الوطنى هى التى قادتهم الى ذلك و هل عندما اعلنت عناصر الحركة التمرد عام 1983 و حملت السلاح ضد السلطة كانت سياستها جيدة و اذا كانت كذلك لماذا حملت السلاح اصلا ضد السلطة و لكن النخبة كما ذكرت انها تنظر الى العملية السياسية بعين واحدة فقط و تراهن على شعارات و ليست على مبادىء كما ان هناك بعض النخب اعتبرت ان اية نقد يوجه الى الحركة الشعبية فى الفترتين المعارضة و ما بعد الاتفاقية يصب فى مصلحة المؤتمر الوطنى الامر الذى اوحى الى الحركة الشعبية انها تسير فى اتجاه صحيح و لكن كانت تناقضات الحركة الشعبية و خطابها السياسى المتجه نحو الانفصال يخلق ردة فعل مستترة عند النخب الجديدة و كان موقفها المتشدد و غير المنطقى الذى تحاول ان تفرضه يصب فى مصلحة المؤتمر الوطنى و ليس ضده لانه اسرع و تيرة الاستقطاب السياسى فى المجتمع مع غياب كامل للقوى السياسية الاخرى التى فضلت مواقفها ان تكون تعليقا على الاحداث و ليس اختراق لها لكى تحدث طريقا ثالثا يدعم قضية الحرية و التحول الديمقراطية اى انها استهلكت فى قضايا انصرافية بينما كان حزب المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية غير غافلين عن مصالحهما و تخطيطاتهما نحو مستقبل العملية السياسية لذلك كان افضل طريق للقوى السياسية التى ادركت مؤخرا اتجاهات اللعبة السياسية التى كانت هى على هامشها ان تنسحب من حلبة الانتخابات. اذا كان هناك نقدا للعملية الانتخابية و ما صاحبها فان النخبة السودانية مسؤولة عنه كما القوى السياسية مسؤولة عنه و لان النخب لم تحاول التقيم الموضوعى لمسيرة التحول الديمقراطى الا من منصة المعارضة و هى تعلم ان احزاب المعارضة السياسية التى من المفترض ان تكون الاعمدة الاساسية لعملية التحول الديمقراطى و التغيير و الاصلاح هى نفسها تعانى من تلك الاشكاليات التى لا تؤهلها ان تلعب دورها باقتدار و لكن اعتقدت النخبة عندما توجه سياطها الى ظهر حزب المؤتمر الوطنى تجعله يتراجع ويقدم تنازلات كثيرة و يغادر السلطة دون مقاومة تذكر و هو اتجاه يفارق الحقيقة لان ذلك لا يخلق حالة الاطمئنان السياسى فى المجتمع و خاصة ان حزب المؤتمر الوطنى يواجه تحديات كثيرة ليس داخليا فقط انما خارجيا تريد قيادته ان تطمئن على مواقف القوى السياسية او انها تخلق هى خطوط دفاعها لوحدها بالطريقة التى تؤمن لها مصالحها و هى ردت فعل متوقعة جدا فى العمل السياسى و لكن من الخاسر فى ذلك غير قضية التحول الديمقراطى. و اللوم يكون اشد وطأة على النخبة التى تعمل من خلال مراكز و مؤسسات بحثية و منظمات حقوق انسان و اخرى تعمل فى مجال الديمقراطية هولاء كان يجب ان يجعلوا مسافة متساوية بينهم و بين القوى السياسية ان كانت فى المعارضة او فى الحكومة بهدف الموضوعية و عدم الانحياز فى تناول الموضوعات لذلك نجدها استبعدت نقد الاحزاب و الاشارة الى ضعف الديمقراطية داخل ابنية تلك الاحزاب الامر الذى جعلها تتعرض الى انشقاقات متعددة اضعف فاعليتها و خلق حالة من الا مبالاة وسط جماهيرها العريضة المنتشرة فى جميع بقاع السودان و جعل القيادات التاريخية فى تلك الاحزاب تواصل قبضتها المحكمة على المؤسسات دون ان تجعل مقاعد القيادة حق مشاع لاهل التنظيم يمكن ان يترفعوا اليه من خلال انتخابات دورية تجرى فى تلك الاحزاب و تلك القيادات التاريخية التى يتجاوز عمر اصغرها عن 78 عاما تتعامل مع اغلبية انتخابية متوسط عمرها يقع بين 18- 40 سنة لها اهتمامات و قضايا و رؤى تختلف عن اولئك كبار السن الذين ظلت اغلبيتهم فى سدة القيادة لاكثر من نصف قرن اذن كيف تيم التوصل الى ارضية مشتركة لعقليتين مختلفتين تماما و هى اشكالية كبيرة جدا يجب النظر اليها بموضوعية. استطاعت القوى السياسية بفضل نضال النخب الواعية فى مجالات الابداع و الصحافة بانواعها المختلفة ان تنتزع مساحات واسعة من الحرية رغم رفض و عدم قبول بعض القيادات المؤثرة فى السلطة و لكن منهج النضال خلق رأيا عاما ضاغطا اجبر السلطة للتراجع عن قرار الرقابة القبلية وادركت النخب فى مجال الابداع و الصحافة ان الاستمرار فى مسيرة نقد الرقابة القبلية هو جزء من النضال من اجل الحرية و الديمقراطية و سوف يحدث ثقوبا كبيرة فى ثوب الفكر الديكتاتورى عند البعض و هى فى مصلحة القوى الديمقراطية فى السودان لذلك اتجهت النخب المبدعة الواعية ان تبنى على نصف الكوب الملىء و لكن النخب اليائسة دائما تحاول ان تزرع الاحباط عند الاخرين و تحاول ان تحيد عن قضية الديمقراطية لقضايا تتفق مع رؤاها السياسية التى ربما يختلف معها الاخرين و لكن يجب ان تكون هناك ارضية يتفق عليها و هى كيفية ترسيخ قضية الديمقراطية فى المجتمع. ان قضية الانتخابات تعد عتبة واحدة من عتبات الديمقراطية ورغم ما شاب تلك الانتخابات من مأخذ و نقد و رغم نتيجتها التى اعطت حزب المؤتمر الوطنى نسبة تفوق 80% فى كل الدوائر القومية و الولائية و هى نسبة فعلا تحتاج الى وقفة و دراسة تتناول التحولات الاجتماعية و السياسية التى حدثت فى السودان و ادت الى هذه النتيجة على الرغم من انتشار الأمية و الولاءات القبلية و العشائرية و الطائفية و النزعات الاثنية التى تعيق عملية التحول الاجتماعى و السياسى الا ان نتيجة الانتخابات تطرح سوألا كيف حدث التغيير السياسى بهذه الدرجة فى فترة قصيرة؟ و ربما تتعارض نتيجة التحول حتى مع نتائج النظريات العلمية لعلم الاجتماع فى عملية التحول و التغيير الاجتماعى فى المجتمعات كما انها نسبة تطرح تسأؤلا حول مناهج التعليم التى تدرس فى السودان على كل المستويات بانها مناهج لا تخلق وعيا سياسيا و لا ثقافيا يستوعب التحولات التى طرأت على المجتمع السودانى ورغم ان نسبة التعليم العالى قد زادت فى السودان بمعدلات كبيرة و لكن لم تنعكس بشكل ملحوظ على المجتمع و انماطه و هى نفسها قد اهملتها النخبة فى تحليلاتها و دراستها كعوامل مؤثرة فى علمية التحول الديمقراطى فى السودان الا من قبل قلة قليلة جدا من الكتاب السودانيين الغريب فى الامر ان اغلبيتهم غير مستقرين فى السودان. يجب علينا النظر للجوانب الايجابية فى العملية الانتخابية و التى تعاضد قضية التحول الديمقراطى فى السودان و هى ان حزب المؤتمر الوطنى الحاكم الذى رفض من قبل تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع و سعى الى الدولة العابدة تحت قبضة حزب واحد يقوم هو باحداث عملية التغيير السياسى و الاجتماعى قد وافق بعد صراع طويل لقبول تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع و اذا استطاع حزب المؤتمر الوطنى ان يزور الانتخابات فى هذه الجولة حسب ما تقوله المعارضة هو دافع قوى يجعلها ان تعمل لغفل كل الثغرات فى المرات القادمة و هذا لا يعنى ارغامها على اتخاذ موقف هى لا تريده انما المهم اتخاذ افعال توطن الديمقراطية و تخلق وعيا سياسيا وسط الجامهير داعم للحرية و الديمقراطية وكما قال و لسون مانديلا فى كتابه " مشوار طويل من اجل الحرية" ان الديمقراطية تاتى بتراكم مجهودات القوى السياسية و نضالها من اجل الحرية و اذا اقتنمتها يجب ان تحافظ عليها و ان تتحول الاحزاب الى مؤسسات تعليم الفرد السودانى ابجديات الديمقراطية و الحرية و ان تتحول الاحزاب نفسها الى مؤسسات ديمقراطية و ليست محتكرة الى بعض الاشخاص. تعلم قيادات المؤتمر الوطنى ان التحديات الخارجيةالمفروضة عليها كبيرة جدا و لا تستطيع ان تتغلب عليها بمفردها انما بتضافر جهود الجميع و التوافق الوطنى الذى يمكن ان يحدث فى الساحة السياسية السودانية حيث ان قضية المحكمة الدولية ضد الرئيس البشير فعلا تشكل تحديا للحزب حيث انه اصبح ورقة ضغط فى يد الدول الغربية ضد سلطة المؤتمر الوطنى لن تتنازل عنه ربما تجمده لفترات و لكن سيظل ورقة ضغط كما ان الدول الغربية و الولاياتالمتحدة لن تلتفت او تستجيب لعمليات الضغط التى تمارسها عليها بعض منظمات المجتمع المدنى بعدم الاعتراف بشرعية الانتخابات فى السودان و عدم التعامل مع الحكومة التى تفرزها لما بعد عملية الاستفتاء حيث بعد الاستفتاء يخلق واقعا جديدا الذى تنشط فيه منظمات المجتمع المدنى و تمارس الضغط على حكوماتها فى الدول الغربية حيث يبدا موسم الحملات الانتخابية و ترضخ العديد من الدول لمطالب و ضغوطات تلك المنظمات. القضية الاخرى المهمة فى عملية التحول الديمقراطى و التى افرزتها الانتخابات السودانية و التى حصل المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية كل فى منطقة نفوذه لما فوق 80% من الدوائر الانتخابية و خلينا نستبعد فكرة التزوير فان الانتخابت القادمة يعنى ان المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية اذا اصبح السودان موحدا فان عضويتهما هى التى سوف تتنافس على الانتخابات الامر الذى ينقل الصراع الى داخلهما اكثر مما هو صراع مع القوى السياسية الاخرى و هو ذات صراع المصالح الذى شق الحركة الاسلامية من قبل و اذا حدث ذلك فانه سوف يكون فى مصلحة القوى السياسية التى هى اصلا ضعيفة و لا تريد ان تحدث اصلاح فى هيكليتها او فكرها و لكن الانشقاقات الاخرى لن تكون فى مصلحة التحول الديمقراطى و الاستقرار و السلام فى السودان انما تعيد فقط انتاج الازمة السياسية و خاصة اذا انفصل الجنوب فان سلطة المؤتمر الوطنى سوف تواجه استهدافا كبيرا من الخارج يحاول ان يعيد ترتيب توازن القوة بما يخدم مصالح تلك الدول و هو الامر الذى اهملته النخبة السودانية فى تناولها لمشكلة التحول الديمقراطى فى السودان و كذلك اهملته قيادات المؤتمر الوطنى و جعل سلطتها خالية من تحالفات اجتماعية و سياسية قوة قادرة للتصدى و مواجهة التحديات و لكن الان اذا حدث تحالف فانه سوف يحدث تحالف مع الضعفاء الذى سوف يكون هو المنطقة الرخوة لعملية الاختراق. ان النخبة السودانية يجب عليها اعادة تقيم الاحداث السياسية و العملية الانتخابية بصورة علمية داعمة لقضية التحول الديمقراطية بعيدا عن حالة الاستقطاب السياسى الحادة فى المجتمع التى رهنت نفسها لها و تتمسك بالايجابيات التى افرزتها الانتخابات و تحاول البحث و الدراسة بموضوعية فى معالجة السلبيات التى تخللت العملية الانتخابية و دراسة نتائج الانتخابات بكل جوانبها و هل هى نتيجة لتغييرات حدثت فى بنية المجتمع مما انعكست على التوجهات السياسية ام هى نتيجة لاسباب اخرى و كيف يتم تدارك ذلك فى المستقبل و الله ولى التوفيق. zainsalih abdelrahman [[email protected]]