قرأت مؤخرا كتاب "حدائق الملك" الذي كتبته فاطمة أوفقير وهو ترجمة عربية للكتاب الأصلي الذي ألفته الكاتبة قبل عشر سنوات باللغة الفرنسية ثم ترجم بعد ذلك لعدة لغات ونشرته عدة دور نشر. في عام 1972م جرت في المغرب محاولة انقلابية ضد الملك الحسن يقال أنها بقيادة الرجل القوي،آنذاك، الجنرال أوفقير وزير الداخلية والدفاع وفشلت المحاولة الانقلابية وانتحر الجنرال أوفقير كما جاء في الرواية الرسمية، أوقتل كما أوردت روايات أخرى. ومنذ ذلك التاريخ،أي عام 1972م، ظلت اسرة أوفقير نزيلة في حدائق الملك، وهو الاسم الذي يطلقونه في المغرب على المعتقلات التي تأوي المغضوب عليهم. لم تكن مؤلفة الكتاب فاطمة أوفقير زوجة الجنرال القوي وحدها في سجنها وإنما كان في صحبتها أطفالها مليكة وريم ورؤوف وماريا وسكينة وعبداللطيف بالاضافة لمرافقتين . كان عبداللطيف اصغر المعتقلين (3 سنوات فقط). امضوا جميعهم 14 سنة في معتقلات مختلفة في مناطق صحراوية وفي ظروف بالغة القسوة لم يتوفر فيها ما يسد رمقهم من طعام ولم يعرضوا على طبيب قط، ثماني سنوات منها في الحبس الإنفرادي حيث لم يكن بوسع الأم رؤية أطفالها الموزعين على الزنازين الملاصقة لزنزانتها وإن كانت تستطيع من حين لاخر سماع أصواتهم، وأمضوا خمس سنوات قيد الإقامة الجبرية في المدينة في ظروف أفضل نوعا ما توفر فيها الطعام والعلاج والماء والكهرباء والثلاجة والمروحة والحمام بالدش والمرحاض والمطبخ والمرتبة والسرير وغير ذلك من مستلزمات الحياة اليومية التي لم يخبروها من قبل، وذلك ريثما يتم ترتيب الأمور من جديد بشكل مقنع، بعد أن اخترقت المأساة جدار الصمت العالمي. لما انتهت محنة السجن في عام 1991م، كان عبداللطيف أصغر السجناء، قد بلغ إثنين وعشرين عاما من العمر بعد أن دخل السجن وعمره ثلاث سنوات، ولم يعرف خلال سجنه مدرسة ولم ينتعل حذاء. الحق لله أن قراءة "حدائق الملك"، الذي نشرت طبعته العربية قبل عشر سنوات، عملية مرهقة للنفس ، تجبر القاريء على التوقف عن القراءة أكثر من مرة حتى تخف فيها حالة الضيق النفسي التي تدخله فيها رغما عنه مجريات أحداث التجربة والتصوير العفوي لحالة من أسوأ حالات سقوط التفكير العربي، لأنه من الصعب على العقل استيعاب تجربة "حدائق الملك" التي استمرت لمعظم سنوات الثلث الأخير من القرن العشرين خلف ستار من الصمت المخجل. رغم بشاعة التجربة، تقول الكاتبة إنها ما زالت ترى في النظام الملكي ضرورة لوحدة المغرب وتماسك أعراقه وقبائله، وتلخص تجربتها بقولها" أرادوا قتلنا معنويا وكنا أقوى منهم دون شك لأننا أضفنا إلى التمرن على المقاومة نبذ الحقد والبغضاء. حاولت طوال تسعة عشر عاما أن نحافظ في دواخلنا على مشاعر الشهامة والإحساس المرهف.أردت أن يفكر أولادي في العيش بعزة وكرامة قبل التفكير في الحقد والكراهية، وربما هذا ما أبقانا ضمن مجتمع البشر". وبغض النظر عن صدقية كل ما جاء في الكتاب، فلا أعتقد أن المخيلة الإنسانية ستستوعب كيفية بقاء عبداللطيف أوفقير ابن الثلاث سنوات في السجن أصلا ولمدة تسعة عشر عاما متصلة. (عبدالله علقم)