إن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون موسم لاسترجاع سيرته والتأمل في حياته وحياة صحابته، من اصطبار على الشعائر والأذى، ونشر هذه الدعوة التامة، يجب أن يكون موسم إحياء لسيرته العطرة من لدن آبائه ،وموسم لتجريد النفس من الردائن ، موسم للتأمل ، ونحن في حضرة مولده صلى الله عليه وسلم نقف اليوم عند مشاهد من سيرته العطرة . مشهد أول: مع شيخ الشعراء محمد المهدي المجذوب ليلة المولد ياسر الليالي وربيعا فتن الأنفس بالسحر الحلال هكذا يشدو المجذوب في ليلة المولد، ويصف المولد في مشهد كوميدي في ميدان عبدا لمنعم محمد بالخرطوم ، يصف مشهد المادحين والشيوخ والحيران ،مشهد الطبول والنوبات ،مشهد الدراويش وهم تائهين ، مشهد الغبار والصيحات يعلون الجو، مشهد عرائس المولد والأطفال ،مشهد الفقراء يأتون المولد ويرجعون بالغبار وحده ،هذا هو المجذوب شيخ الشعراء يصور لنا احتفال الناس في السودان بالمولد في قالب كوميدي. مشهد ثاني: مع الخليل إبراهيم والصدِّيق إسماعيل: انه لما هاجر إبراهيم الخليل من قومه ،سأل ربه أن يهب له ولداً صالحا فبشره ربه بغلام حليم ،وولد له الولد وكان عمر الخليل ست وثمانين سنة ،ولما شب الصبي وارتجل وأطاق مايفعله أبوه من السعي والعمل،وصار يسعى في مصالحه كأبيه ، رأى الخليل في المنام انه يؤمر بذبح ولده الوحيد ،فأجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته ، ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرًا ويذبحه قهرًا،فبادر الغلام بالطاعة ، وهنا تدخل إبليس في المشهد ليثنى إبراهيم عن ذبح ابنه ولكن تجاهله الخليل حتى ضايقه فرماه بالحصى مكان (العقبة الصغرى) ،ثم تقدم نحو مكة فلحق به إبليس ثانية محاولاً إثناءه ثانيةً فرماه الخليل بالحصى( مكان العقبة الوسطى )،وتقدم نحو مكة وهنا أيضا لحق به إبليس فغضب الخليل ورماه بالحصى رمية هرب على أثرها إبليس (مكان العقبة الكبرى) ، وبعد هذه المجاهدة الكبيرة مع إبليس ، القي الخليل بإبنه على وجهه لئلا يشاهده في حال ذبحه ،وأمرَّ السكين على حلقه، فجاءه المنادى من السماء، جبريل عليه السلام ومعه كبش الفداء وهو يقول : ..الله اكبر ..الله اكبر..الله اكبر، فيجاوبه الخليل:لا اله إلا الله، فيرد جبريل :..الله اكبر..الله اكبر..الله اكبر، وهنا يشارك الذبيح الناجي، ابن الخليل بقوله:ولله الحمد،،لتصبح هذه الكلمات فيما بعد نداءًا نتجاوب بها في الأعياد دون أن نعلم من أين أتت. مشهد ثالث: مع الجد عبد المطلب والوالد عبد الله: كان عبد المطلب نائم في الحجر فيأتيه آتٍ ويأمره بحفر زمزم ،فيسأله عبد المطلب عنها ؟فيجيبه :لا تنزف أبدًا ولا تذم ، ويصف له مكانها بأنه بين الوثنين إسافٍ ونائلة ، فيغدوا عبد المطلب بحفرها ومعه ابنه الحارث – وليس له يومئذ غيره – فتعترضه قريش بحجة أنها أولى بحفر بئر جدها إسماعيل تارة وتارة أخرى بأن المكان مكان ذبائحها ، فيستنجد عبد المطلب بابنه أن( ذد عنى حتى احفر ،فوا لله لأمضين لما أمرت به )، وتنسحب قريش من المشهد، ويتم عبد المطلب حفر البئر ، ويومها نذر عبد المطلب لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن احدهم عند الكعبة ،فلما توافى بنوه عشرة ، وعرف أنهم سيمنعونه ، جمعهم ثم أخبرهم بنذره،ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك ، فأطاعوه ،وقالوا كيف نصنع ؟ قال: ليأخذ كل رجل منكم قدحا ، ثم يكتب فيه اسمه ، ثم ائتونى ، ففعلوا ثم أتوه ، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة ،ثم سلم القداح إلى صاحب القداح في هبل ، ثم ضرب صاحب القداح فخرج القدح على عبد الله، فأخذه عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى اساف نائلة ليذبحه ،فأثنته قريش عن ذلك قائلة:لئن فعلت هذا لايزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه ،فما بقاء الناس على هذا؟ ،وانطلقوا به إلى عرافة في الحجاز لها تابع ليسألها فقالت لهم: ارجعوا عنى اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله،فلما كان اليوم التالي قالت لهم : قد جاءني الخبر ، كم الدية فيكم ؟قالوا عشر من الإبل ، وكانت كذلك ، قالت : ارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا من الإبل ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح ، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم ، فإن خرجت على الإبل فانحروها عنه ، فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم ، فرجعوا إلى مكة ففعلوا ذلك ، فكلما قربوا خرج القدح على عبد الله ، وهم يزيدون عشرًا كلما خرج له حتى بلغ عدد الإبل مائة ،وضربوا فخرج القدح على الإبل ، ويقال أن عبد المطلب قال: لا والله ، حتى اضرب عليها ثلاث مرات ، ففعلوا ،فكان يخرج القدح على الإبل ،فنحرت ، ثم تركت لايصد عنها إنسان ولا يمنع. لذلك سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن الذبيحين ، فالأول إسماعيل عليه السلام ،الذي فداه الله بذبح عظيم، والثاني عبد الله بن عبد المطلب، الذي فداه أباه بمائة من الإبل ،والذي بسببه بلغت الدية مائة من الإبل بعدما كانت عشر من الإبل . مشهد أخير: مع أمير الشعراء، أحمد شوقي: والوحي ينزل سلسلا من سلسل ** واللوح والقلم البديع رواء بك يا ابن عبد الله قامت شرعة ** بالحق من ملل الهوى براء فإذا خطبت فللمنابر هزة ** ثأر النبي وللقلوب بكاء وذا غضبت فإنما هي غضبة ** للحق لا بغض ولا شحناء وإذا رحمت فأنت أم أو أب ** هذان في الدنيا هما الرحماء يا من له عز الشفاعة وحده ** وهو المشفع ماله شفعاء