أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الديون في العالم وتداعياتها ونظرية الديك ... بقلم: فضل الله خاطر- سول
نشر في سودانيل يوم 25 - 05 - 2010


بقلم: فضل الله خاطر / سول – كوريا الجنوبية
[email protected]
[email protected]
أزمة الديون التي انفجرت في اليونان تعيد للأذهان تداعيات الأزمة المالية العالمية التي بدأت في أواخر عام 2008 في الولايات المتحدة الأمريكية إثر انهيار بنك ليمان برازرس الأمريكي وانكشاف سوءة الديون العقارية. وحري بنا أن ننوه ابتداء إلى أن أزمة الديون العالمية في جانبي الأطلسي لم تكن وليدة اللحظة وإنما هي نتاج طبيعي لتراكم سياسات اقتصادية وسياسية اتبعتها الدول الكبرى خلال ثلاثة عقود تخللها العديد من المتغيرات الدولية والمحلية. كما أن هذه الأزمة وسابقتها تمثل بداية التشكيك في قناعات نظريات اللبراليين وعهد الرأسمالية المنفلت، الذي بدأ في الثمانينات من القرن المنصرم، إبان حقبة سيطرة المحافظين في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، في فترة حكم الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر .
وقد كان منظرو اللبرالية في جانبي الأطلسي يدعون إلى إطلاق قيد كل شيء وتحرير آليات السوق وتبني سياسات نقدية ورأسمالية غير مقيدة لا تضع ضوابط للسوق ولا قيود حكومية. وقد أدى الازدهار الاقتصادي في الولايات المتحدة أكبر اقتصاد عالمي، واقتصاديات كل من بريطانيا وألمانيا واليابان - إلى حد ما قبل أن تدخل في الكساد الطويل الذي استمر عشر سنوات- إلى تعزيز الثقة في سياسات اللبراليين وصحة نظرياتهم، الأمر الذي نتج عنه في نهاية المطاف حدوث وفورات كبيرة في رؤوس الأموال نتيجة للأرباح الطائلة التي جنتها الشركات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات العابرة للقارات في استثماراتها في البلدان المختلفة وفي البورصات العالمية، مستفيدة في ذلك من تطور تكنولوجيا الاتصال وإزالة القيود أمام الاستثمارات المباشرة وتقارب التشريعات واندماج معظم البلدان في الاقتصاد العالمي أو ما يعرف بالاقتصاد الرقمي، وارتباط أسواق المال بعضها ببعض ودخولها شبكة المعلومات العنكبوتية، بالإضافة إلى ازدهار نوع جديد من الاستثمارات مثل استثمارات صناديق المخاطر، التي تبعها تعظيم للثروات وقيم الشركات وارتفاع في معدلات الاستدانة من البنوك والمصارف وبيوت التمويل.
والمتتبع للأمر يجد أنه خلال العقدين الماضيين حدث هناك ثورة هائلة في تقنية المعلومات وحركة انتقال كبيرة في رؤوس الأموال بين البلدان المختلفة، بسلاسة زاد من وتيرتها جسر الهوة التكنولوجية بين الدول، والتقارب والامتزاج بين التقنية ووسائل الاتصال، والتنافس المحموم لاجتذاب رؤوس الأموال المصحوب بتحسن مناخ الاستثمار وبروز فرص أكبر أمام الممولين والمستثمرين على حد سواء. وقد رافق التدافع نحو الاستثمار عمليات إقراض دون ضمانات، وتمويل لفرص استثمارية تبدو – في خضم هذا الجو المفعم بالتفاؤل - مربحة في ظاهر الأمر، ولكنها في الواقع تخبئ وراءها سلاسل من العلل والعيوب.
والنتيجة الطبيعية التراكمية لهذا العقد الطويل من إطلاق يد السوق دون ضابط ورقابة شفافة ونزيهة وكذا التمويل غير المنضبط، هي ارتفاع مفرط في حجم الديون السيادية والقطاعية وديون الأسرة والديون الاستهلاكية نتيجة لفرط استخدام الكروت البلاستيكية، واختلال في البنية الهيكلية للاقتصاد، وارتفاع معدلات البطالة وإفلاس الشركات خاصة الصغيرة والمتوسطة.
ويمكن ملاحظة أن حجم الديون المتكشفة نتيجة الأزمة المالية العالمية قد فاق كل تصور، فبين عشية وضحاها انكشف حجم المخبوء من الديون في الشركات والبنوك والمصارف على جانبي الأطلسي بداية من إعلان إفلاس شركة إنرون الأمريكية الذي كان بمثابة إنذار مبكر لم يتم تداركه، مرورا بانهيار بنك ليمان برازرس وعملاق التأمين الأمريكية ( AIG) وبنك أمريكا وخسائر مجموعة سيتي جروب، وإفلاس فريدي ماك وفاني مي، انتهاء بانفجار فقاعة الرهن العقاري وتسببها في انكشاف سوءة البنوك في قطاع العقارات وانهيار أسواق المال وأسهمها خاصة في بورصات نيويورك ولندن وباريس وبرلين وطوكيو وغيرها من البورصات المؤثرة على سبيل المثال لا الحصر.
وقد فاقم انهيار أسواق المال من الوضع السيئ لحجم الدين العام في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا باعتبارهما قطبي قيادة العالم الاقتصادي، حيث تجاوز حجم الدين الأمريكي نسبة 87% من إجمالي الناتج القومي الأمريكي، وهي ديون متراكمة ظلت ترتفع بمعدل يقارب الخمسمائة مليار دولار سنويا منذ عام 2004، ولكنها زادت بأكثر من تريليون دولار في 2008، و1.9 تريليون دولار في 2009. كما أن معظم هذه الديون الأمريكية النامية بأرقام فلكية، والتي تجاوزت ال10.7 تريليون دولار بنهاية 2009، فضلا عن عجز الميزان التجاري والموازنة المهول؛ كل هذه تضخمت وربت بشكل مفرط في عهد حكومات الجمهوريين، بداية من فترة حكم ريغان وبوش الأب وانتهاء بالسنوات الثماني العجاف لحكم جورج دبليو بوش الابن، وذلك بسبب إتباع سياسات اقتصادية توسعية وتمويل برامج أمريكية طموحة مثل برنامج حرب النجوم والصرف لمقابلة الأزمات والتحديات المتصاعدة التي تواجه الولايات المتحدة عالميا، وانتهاء بتمويل الحروب التي خاضتها أمريكا، مثل حرب الخليج الأولى والثانية وغزو العراق الذي كان بمثابة النار التي التهمت كل شيء والجب الذي لا قرار له.
في الجانب الآخر من الأطلسي حيث تقع أوروبا، كانت هناك المعايير مختلفة للانضمام إلى منطقة اليورو، فباستثناء بريطانيا التي احتفظت بعملتها، دخلت معظم دول أوروبا في عملة اليورو، وقد كانت هناك شروط لهذا الانضمام من بينها شروط اقتصادية وأخرى تشريعية، تتعلق بمعدلات النمو والتضخم والبطالة وحجم الديون كنسبة من الناتج الإجمالي، وتشريعات أخرى تتعلق بالهياكل وكيفية الدعم بين دول الاتحاد، نصت عليها اتفاقيتا ماسترخت المنشئة لكيان الاتحاد الأوروبي والوحدة النقدية الأوروبية أي توحيد العملة بإدخال اليورو كعملة موحدة عام 1992، واتفاقية ليشبونة التي أرست التشريعات وأضفت تعديلات على اتفاقية ماسترخت وعمل هياكل الاتحاد.
وبالنظر إلى أزمة الديون في اليونان التي لم يحسن تقديرها في بداية الأمر، نجد أن التقارير قد تضاربت في تقدير حجم الدين والمشكلة التي تواجهها اليونان، حيث قدرت اليونان أن حجم ديونها يساوي نسبة 12.7% من الناتج المحلي، بينما قدرتها دول الاتحاد بنحو 13.6% من إجمالي الناتج، وقد أدى التجاذب وسوء التقدير إلى تأخير حزمة الدعم اللازم لإنقاذ البلاد، الذي قدر في المرة الأولى بنحو 140 مليار دولار وفي الثانية ب160 مليار دولار. كما أن القيود والتشريعات التي تواضعت عليها دول الاتحاد هي ما جعل ألمانيا تتلكأ في الموافقة على إنقاذ اليونان في بادئ الأمر، وأصرت بدلا من ذلك على أن تتخذ اليونان موقفا واضحا يحدد سياستها التقشفية وما تنوي تطبيقه للخروج من الأزمة قبل أن تتوجه ألمانيا إلى برلمانها لتحديد حجم الدعم الذي ستساهم به. وذلك استنادا إلى بعض مواد اتفاقية ليشبونة التي تمنع دعم أي دولة عضو لدولة أخرى في الاتحاد في الظروف العادية، ولم يتبادر إلى ذهن المشرع وقتها مثل هذا الوضع الصعب من الديون المحيطة بمقدرات الدولة.
وقد دفع هذا الموقف والضغوط المتزايدة فضلا عن المظاهرات المتصاعدة بأن أعلن وزير المالية اليوناني باباكونستانتينو عن حزمة من الإجراءات التقشفية من بينها تخفيض الرواتب الحكومية وتغيير معدلات الضريبة والالتزام بخفض عجز الموازنة إلى ما نسبته 3% بحلول عام 2014. وهو موقف دفع دول مجاورة إلى تبني إجراءات تقشفية مماثلة لتجنب انتشار وانتقال الأزمة إليها، نظرا لتماثل الأعراض، ومع الضغط المتواصل بدأ حجم الديون في اليونان يتكشف رويدا رويدا، وبدأت الدول الأوروبية تدرك حجم المسئولية الملغاة عليها، وضرورة التدخل السريع لمؤازرة موقف الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي كان واضحا منذ البداية وقوفه بجانب التدخل لإنقاذ اليونان.
يتجلى عمق الأزمة في ضفتي الأطلسي في حجم خطط الإنقاذ والمبالغ التي رصدت في كل من الولايات المتحدة وأوروبا لمقابلة الانهيار المالي في العالم وتجنب انهيار اليورو وتداعيات أزمة اليونان في أوروبا واندياحها إلى بقية دول العالم. فالولايات المتحدة رصدت أكثر من 780 مليار دولار في أكبر خطة إنقاذ في تاريخ البلاد، لدعم قطاعها المالي وقطاع البنوك والشركات وتحفيز الاستهلاك، ودعم برامج الرعاية الاجتماعية وتجميد الاستيلاء القسري على المنازل ومنع الأزمة من الانتشار إلى القطاعات الإنتاجية. في حين رصدت أوروبا مجتمعة مبلغ 750 مليار يورو لتأسيس ما يعرف بشبكة الأمان المالي، ومقابلة أزمة اليونان وتوفير الدعم والتمويل للدول التي تواجه أزمات خاصة دول حزام الجنوب البرتغال وأسبانيا.
ثم ماذا بعد!!
لقد سهلت الأزمة المالية كثيرا على حكومات الدول المتحفظة لكي تتدخل في تسيير دفة الاقتصاد وألا تركن إلى آليات السوق وحدها لتوزيع الموارد وتحديد التوازن الأمثل في الاقتصاد والوصول إلى معدلات النمو المبتغاة. فضعف الرقابة اللصيقة أو انعدامها هو ما أغرى بعض أصحاب الهوى المسيطرين على بعض صناديق الاستثمار والشركات من التغرير بالمستثمرين وتبديد أموالهم في استثمارات ليست ذات جدوى، بل والاحتيال عليهم في سلوك يكشف سوءة الرأسمالية المنفلتة، وهي تتجلى في حالة برنارد مادوف صاحب أكبر عملية احتيال يشهدها التاريخ الحديث.
لقد بات في حكم المؤكد - بعد الذي حدث في الولايات المتحدة واليونان وما ظهر من إرهاصات وبوادر أزمة ديون جديدة في دول الجنوب الأوروبي - أن تتجه الكثير من حكومات البلدان الأوروبية والولايات المتحدة للتدخل بشكل واسع في تحديد آليات وحركة الاقتصاد ومراقبة أسواق المال والسيطرة عليها خلال السنوات القادمة. كما أن إستراتيجية الخروج من الأزمة التي تجتهد مجموعة دول العشرين والمؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وما تحمله من مقترحات بشأن إصلاح النظام المالي وفرض قوانين صارمة وضرائب على البنوك للحد من التسبب في أزمة جديدة، ستكون محكومة بما تسفر عنه تجليات أزمة اليونان التي لم تكن في الحسبان حين تصميم هذه الإستراتيجية. فأوروبا لم تعد كما هي، ولابد أن تفكر من الآن فصاعدا في مراجعة برامج الرفاهية وفي تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي فيما يتعلق ببرامج التقشف التي طالما نصحت بها الدول الفقيرة والنامية، وتلك التي تتعرض لأزمات.
كما أن على أوروبا أن تدرك أن ميزان التجارة العالمية وثقل الاقتصاد بدأ في التحول التدريجي نحو آسيا واقتصاديات ما بات يعرف بدول (البريك) وهي البرازيل والهند وروسيا والصين، وما توسيع مجموعة الدول السبع لتصبح عشرينا إلا اعترافا بنمو دور الاقتصاديات النامية مثل كوريا الجنوبية والبرازيل والصين وغيرها. وإذا ما سارت الصين بوتيرة نموها الحالية، فإنها لا محالة ستأخذ بتلابيب اليابان في زمن قريب، خاصة وأن الأخيرة ابتليت بأزمات أقعدت نموها لعقد من الزمن وما زالت خسائر شركاتها كبيرة، في حين أن نموها الاقتصادي يقارب الصفر، وهي حالة استمرت لسنوات خلت وما زالت.
وعلينا أن ندرك أن الآثار المترتبة على أزمة الديون في الولايات المتحدة والانهيار المالي الذي تبعها كانت كبيرة على صعيد سقوط الشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك الشركات الكبرى والبورصات في معظم الدول، وهو أمر أجبر الحكومات في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء على اتخاذ إجراءات وتدابير مالية لدعم القطاعات المتضررة. كما أن الأزمة أدت إلى زيادة أعداد الفقراء حسب ما ذكرت تقارير المؤسسات الدولية المتخصصة، وهو أمر طبيعي حينما يقوم صاحب المال بإنقاذ نفسه، فليس على الفقير إلا التضور وانتظار الفرج، حتى تنقشع الأزمة، حيث أن الاهتمام بالفقراء يأتي في مؤخرة اهتمامات الدول الغنية عندما تصبح الأزمة في تخوم هذه الدول، وأوضح مثال على ذلك هو الحضور الكبير للدول الفقيرة في قمة العالم حول الأمن الغذائي التي عقدت في روما خلال شهر نوفمبر الماضي، وغياب رؤساء الدول الغنية عنها.
وهو غياب ليس له تفسير منطقي غير نظرية الديك الذي ذهب للفكي لكي يكتب له محاية لحماية أبنائه من الحديا (وهي طائر جارح)، وعندما بدأ الفكي في الكتابة، خوّت الحديا فوق رأسه، فهمّ الديك بإيقاف الفكي عن الكتابة وطلب منه بدلا من ذلك أن يكتب محاية لنفسه حتى يتمكن من الدخول إلى الشوك المجاور لمكان الفكي. وهو ما يفسر أن الزاد في هذه البلدان لم يعد كافيا حتى يتدفق خارج حدود أوروبا وأمريكا كما كان في السابق، سواء كان في شكل هبات أو إعانات، وأن المطلوب الذي يجب على الدول الفقيرة أن تدركه، هو أن هذه الدول الغنية منشغلة بدعم الأغنياء ، بل بدعم السفهاء إن جاز لنا وصف الذين قاموا بتبديد أموال الشعوب في استثمارات لا طائل من ورائها، فأفقروا دولهم وشركاتهم وأجهدوا حكوماتهم بل أعيوا حتى العلماء في الخروج باستراتجيات تشخص الداء وتضع الدواء. وذلك بفعل المضاربة المفرطة وتضخيم القيم الوهمية وارتفاع أسعار الفائدة أي الربا الماحق الذي هوى بالأسهم إلى قرار سحيق، ولم يفلح معه ضخ الأموال من رفع وطأة الأزمة بسبب ما يعرف بشرك السيولة في الاقتصاد، برغم خفض أسعار الفائدة إلى مستوى قريب من الصفر، أي مستوى القروض الحسنة على الطريقة الإسلامية.
أما الأزمة الجديدة في اليونان فإذا ما قدر لها أن تعبر حدود اليورو فإن آثارها ستكون كارثية، ويكفي تهاوي اليورو أمام الدولار والبلبلة الأولية في البورصات خلال الأيام الفائتة، وأقل ما يقال عنها أنها ستكون مثل الهزة الارتدادية ستفاقم بالتأكيد من وضع أسواق المال، وستعطل مسيرة التعافي الاقتصادي وستؤخر تطبيق إستراتيجية الخروج التي تتوق معظم الدول المتعافية من الأزمة الأولى ولها أداء جيد خلال الأشهر الماضية إلى تطبيقها، وإن كان العالم ما زال يثق في قدرة أوروبا في محاصرة هذه الأزمة في اليونان والدول المجاورة.
أما تأثير الأزمة بشكل عام على الفقراء واقتصاديات الدول الفقيرة والناشئة فهو بلا شك سيكون أعمق، فعدد الجياع الذي قدرته قمة الغذاء العالمي بمليار جائع سيزيد، وستكون الدول الفقيرة مضطرة لتعطيل برامج على حساب أخرى، ناهيك عن تأخير الوفاء بالأهداف الإنمائية للألفية التي أبرزها محاربة الفقر وتوفير التعليم العام لكل طفل وتحسين صحة الأمومة وتخفيض معدلات وفيات المواليد، ومحاربة الأمراض الفتاكة مثل الايدز والملاريا، هذا فضلا عن تراجع الدعم التنموي والوفاء بالتعهدات تجاه البيئة والمناخ. ولا مناص أمام الدول الفقيرة غير التوجه لذاتها والاقتداء بتجربة الدول الآسيوية خاصة النمور الآسيوية ودول شمال شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وتايوان وهي تجربة جديرة بالدراسة والتقصي، وهي حاضرة في كل كتب العلوم الاقتصادية التي تدرس، فهل نحن أمام بروز أقطاب اقتصادية جديدة ، أم أمام أزمة مخبوءة لم تتضح معالمها بعد ستفجر أوضاع العالم وتبدل موازينه؟!!!.
فضل الله خاطر / سول – كوريا الجنوبية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.