لم يكن في مقال الدكتور عبد المطلب الصديق التحليلي لنتائج انتخابات الصحافة الذي أجراه – لأول مرة- اتحاد الصحفيين ما أدهشني كثيرا، فأنا من الذين تصوروا بوجود واقعٍ مثل الذي حكى به وشكا منه أخونا طلب منذ فترة، وقد مشيت بين الناس بالقول عنه أكثر من مرة، بعضه في مجال للتلاقي المنظم وبعضه في مجالات التلاقي غير المنظم. ولعل الصديق الدفعة، الأستاذ الزهاوي إبراهيم مالك ومن حضر الجلسة قبل الختامية لمؤتمر الإعلاميين بالخارج في شهر مايو من العام الماضي، يذكر أن هذا الفقير تحدث يومها فيما يشبه الشكوى عن حال الإعلام والإعلاميين في العموم، مشيرا إلى فقدان المؤسسات الأكاديمية لبوصلة التوجه فيما يتصل بخياراتها والتزاماتها تجاه سوق الإعلام الوطني. قلت يومها، إن كليات الإعلام وأقسامها في الجامعات السودانية تكاد أن تكون في كل جامعة، وأن الخريجون من هذه الكليات والأقسام تتصاعد أعدادهم تصاعداً هايبربوليا يقفز بهم إلى أرقام الآلاف، بينما يتقلص سوق العمل بالموت البطيء للصحافة المطبوعة، وتواضع إمكانات الصحافة الإلكترونية الوطنية رغم الميلاد –المبكر في بعض الحالات- لعدد من الإذاعات وقنوات التلفزة، وهو أمر جعل عرض الخريجين أوسع بكثير من طلب الأوعية الإعلامية باختلاف أنواعها. وقلت يومها إن الدولة محتمٌ عليها ومطلوبٌ منها أن تسعى لملاحقة هذه المعادلة المثيرة للإشفاق والشفقة بجهد معالجة عميقة، لا تستند على المسكنات أو التناول الفوقي. ودعوت يومها إلى قيام مجلس للتخطيط الإعلامي قوامه الدواوين المعنية بالتخطيط الإستراتيجي، والمؤسسات الأكاديمية، والأجهزة الإعلامية القومي، يتولى مهمة المعالجة لمفارقات العرض المتدفق، والطلب المتقلص في سوق الإعلام والصحافة السوداني. وكان المقصد أن تهدي هذه المؤسسات بعضها بعضاً، فيكون المنتج ملبيا لحاجة السوق ومستجيبا للحاجات القومية العليا. ورغم أن الصديق الوزير كان–كعهدي به- بالغ التهذيب، طيب الكلام في تعقيبه على الحديث، إلا أن الحماس الرسمي للأمر لم يكن بقدر ما أحسسته من خطر الظاهرة على واقع الصحافة والإعلام في عمومه. فالذي قالت به نتائج الامتحان المنعقد للذين رغبوا في امتهان الصحافة، لا يمكن استغرابه في ظل غياب التنسيق الوثيق حتى بين المؤسسات الأكاديمية التي تنافست على الاستيعاب كي تفاخر بالعدد، بينما كلها لا يملك من العدة والعتاد ما يلزم لسبك الطلاب في مطابخ الصحافة، أو دفعهم إلى ساحات الإبداع متمنطقين أجهزة تصوير أوآلات تسجيل. السوءة التي تكشفت من خلال امتحان اتحاد الصحفيين لا يتحمل وزرها الخريجون، ولا يتحمل المدربون والمعلمون من وزرها الكثير..(ولا نخليهم من كل مسئولية). بل هي سوءة يقع وزرها على أكثر من جهة من الجهات الفاعلة في مجال صناعة الإعلام-بشرا ومادة-. فالمتنفذون في قيادة المؤسسات الإعلامية الأكاديمية عليهم بعض وزر، والمخططون والمنفذون في المؤسسات الممارسة عليهم بعض وزر. بيد أن لب الوزر إنما هو على الدولة.. فالسوءة هي وزرها ورزيئتها. فالسوءة وقع وزرها على الدولة حين جعلت من توسيع مواعين التعليم الجامعي هدفاَ سياسي البعد، حجب عنها رؤية المآلات ، فاختارت الكم وتجاهلت احتياجات الكيف الإعلامي المكلف بواقعه، وبواقع التلاحق في تطوره التكنولوجي. وبنتاج ذلك الاختيار احتشدت قاعات الدرس في كليات وأقسام الإعلام بكافة الجامعات بحشود طلابية تنحشر حشرا لتملأ القاعات، صباحا ومساء، و تكر السنوات وهم في مقاعد القول النظري، يسمعون قولا بلا فعل، حتى يحين يوم يجدوا أنفسهم خريجين وحصيلتهم من العلم بعض فصول من كتب، وبضع نظريات بلا سند من واقع. والمصيبة مرزوءة بها الدولة، و حال الخريجين كما حكت به نتائج الامتحانات المهنية، فهم بما حاق بهم، إنما هم نتاج السياسات ومردودها..وهم بذلك جزء من الهم الوطني الذي يبقي على الدولة أن تبحث في حل معضلته. ولكن هل الدولة وحدها... تنوء بحمل الوزر؟ أم هناك غيرها من الفاعلين في ساحة التأهيل والإعداد للإعلاميين والصحفيين.. نعد بالقول عن ذلك الغير