عدنا كدأبنا دوما نلملم شتات أفكارنا المبعثرة و أنفاسنا المتلاحقة مهرولين خلف أحلامنا الهاربة من بين أيدينا عله بعامل الصدفة المحضة لا أكثر نصيب منها حظاَ وفقاً للقاعدة السودانية الأصيلة والشهيرة التي تهيمن و تسيطر علي سلوكنا بمختلف أنماطنا وشرائحنا الاجتماعية العالم والمثقف و السياسي قبل رجل الشارع البسيط في الالتزام بالقاعدة السودانية المقدسة (العمل برزق اليوم باليوم) فلا تخطيط ولا برمجة ولا وجع قلب!!! فهذه المتلازمة الخطيرة ضاربة بجذورها في جميع أوجه نشاطنا الحيوي السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و حتى الفكري ، لقد أضحت نهج حياة متكامل نتميز به عن سائر الأمم ولا ينازعنا الريادة فيه من خلق الله أي منازع (ماركة مسجلة) لا يشاركنا فيها أنس ولا جان حامدين شاكرين . فالمتأمل للحراك السياسي الدائر اليوم علي كافة الصعد حول قضية مصيرية و تاريخية سوف يتحدد بموجبها مستقبل الوطن وهي (الاستفتاء) حول تقرير مصير ثلث مساحة البلاد وشعبه ما بين البقاء ضمن السودان المعروف اليوم أو الانفصال و تكوين دولة مستقلة بذاتها و الأخطار المصاحبة و النتائج المترتبة علي هذا الأمر الجلل والذي تبقى علي موعده المحدد فقط خمسة أشهر وبضعة أيام علي الرغم من انه معلوم منذ خمس أعوام مضت لاشك يشعر بصدق ما أوردته في صدر هذا المقال. ليطل من بعد السؤال الذي قتلناه بحثا منقبين عن إجابة ولا جواب وهو إلي متى سيظل شعب السودان بكل مكوناته البشرية و تنظيماته السياسية و الاجتماعية أسيرا لمعمعة و (زنقة يوم الوقفة)؟؟! التي عادة ما تجعلنا (نطاقش) (ملهلهين) في أخر لحظة سعيا محموما وراء إنجاز مهام نعلم أهميتها وآجال صلاحية تنفيذها والتي من بعد فواتها يصبح أمر الركض خلفها سباق سلحفاة لأرنب !! فكلنا يعلم إن (وقفة) عيد العام القادم 2011م تختلف عن ما عداها من أعياد كيفا و نوعا حيث يمكن ببساطة أن تنقلب فرحة العيد حزنا وحلاوته علقما واحتفاليته فراش بكاء تشق فيه الجيوب وتلطم الخدود في يوم لا يغني أللاطم ولا الندم شيء إذا ما اختار أهلنا في الجنوب الخيار المر و هو الانفصال و تكوين دولة (الاماتونج الكبرى) ليعيشوا فيها أحرارا كما ولدتهم أمهاتهم مكرمين مواطنين من الدرجة الأولى بعد أن ملوا نقض المواثيق والعهود و حياة الذل و الهوان التي يحاول نظام الإنقاذ فرضها عليهم بإصراره و تمسكه بالقوانين التي تجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية وتجعل من أمر قيام دولة المواطنة بدلا عن دولة الحزب ضربا من الخيال عصي التنفيذ ، فلاشيء يجبر مسيحيي وأصحاب المعتقدات ألاخرى من العيش في دولة الإسلام والعروبة المتوهمة ويحتكمون لشريعة هم في الأساس لا يؤمنون بها. إن تاريخ وتوقيت الاستفتاء علي حق تقرير المصير بخياريه الذي لا ثالث لهما ظل معلوما للجميع منذ توقيع اتفاقية (نيفاشا) للسلام قبل خمس سنوات مضت وأكدت جميع القوى السياسية المشاركة في وضع الاتفاقية و المستبعدة قصدا عنها علي حد سواء علي أنه حق ديمقراطي كفلته المواثيق والقوانين الدولية ولكن كي تتم ممارسته بصورة مثلى يتطلب ذلك توفر أجواء و شروط محددة من أهمها مناخ من الحريات العامة تتيح للجميع الاطلاع علي وجهات النظر المختلفة حول خياري الاستفتاء (وحدة أو انفصال) بالإضافة لتوفر الإرادة الحرة البعيدة عن كل المؤثرات الخارجية والتي يجب أن تمثلها حكومة قوية و ديمقراطية منتخبة من أوسع قاعدة شعبية ممكنة لتكون تلك القاعدة عونا و سندا لها في تهيئة الأرضية الصالحة لانعقاد هذا الحدث المهم بالحرية و النزاهة التامة التي لا يعتريها غبار شك فهل يا ترى توفرت تلكم الأجواء واستوت شروطها علي ساقين؟ الإجابة علي هذا السؤال الخطير و المصيري في تاريخ امتنا ببساطة لا... لم يتوفر المناخ السليم و لا استوت الاشتراطات المطلوبة واللازمة علي ساقيها كما يجب لأسباب كثيرة صاحبت تنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة و هي معلومة للشعب كما و يعلمها الشريكان اللذان احتكرا التوقيع علي الاتفاقية ومسئولان أمام الله أولا و أمام الجماهير من بعد علي تنفيذها كاملة غير منقوصة كما اتفق عليها . إذا ماذا نحن فاعلون ؟ الإجابة علي هذا السؤال تستوجب الإفصاح عن القول الثقيل أنها الأمانة التي رفضت أن تحملها الجبال وحملها الإنسان فكان ظلوما جهولا ، علي القوى السياسية المعارضة أن تعمل جاهدة ما استطاعت في ما تبقى من وقت قصير علي تجاوز مواقف هذا النظام ألإقصائي الانفصالي بعد أن وضح جليا أن له مأرباَ تتخطى الوطن وأهله و مصالحه العليا تدفعه دفعا لفصل جنوبه عن شماله فلقد ظل اعتقاد أهل هذا النظام و سدنته مع مرور الزمن يزداد رسوخا بأن فصل الجنوب ذو الغالبية المسيحية سوف يسهل عليهم أمر إكمال تنفيذ مشروعهم الحضاري المتوهم والتفرد بحكم البلاد والتسلط علي رقاب العباد بإرساء دعائم جمهورية إسلامية شبه ملكية تماثل حكم الملا لي الإيراني يكونوا هم فيها الأمراء و ولاة الأمر والحاكمين بأمر الله علي الأرض و سواد أهل السودان الرعية التي عليها السمع و الطاعة وأحزابهم و تنظيماتهم السياسية المختلفة هي حاشية الملك الديكورية التي تنحصر مهامها في الطبل و الزمر و حمل المباخر ومسح الجوخ والدليل علي ذلك نجده طي تصريح نائب رئيس الحزب الحاكم الدكتور نافع علي نافع الذي قال بالحرف الواحد و الواضح (لن يسمح لأي حزب بمشاركة في الحكومة إلا بعد أن ينبذ برنامجه و يتبنى برنامج المؤتمر الوطني) هذا ولله صلف لا أظن أن نيرون حارق روما قد تعامل بيه مع خصومه السياسيين ولا غرو فهاهو الوطن برمته يتأهب للحريق القادم وما تصريحات دكتور خليل قائد حركة (العدل و المساواة) المحاربة بدارفور بمعاودة غزو الخرطوم لا نذر ذلك وكأني أرى (عجوابة التي خربت سوبا)... من خلف القرون تطل متبسمة لعودة تاريخ الخراب!!!!!!!. ، أن جنوب السودان و حركته السياسية بمكوناتها وتياراتها الفكرية المختلفة ظلت شوكة حوت في حلق هذا المشروع ويجب قلعها ، لذا نجد أشواق أهل الإنقاذ لدفع عملية الانفصال إلي الأمام دائما ما تفضحهم رغم محاولات التجمل الكاذبة بالادعاء الزائف أنهم دعاة وحدة وسلام. أن المحاولات البائسة التي يقوم بها بعض أركان النظام في الزمن (بدل الضائع) عبر إطلاق التصريحات و المناشدات الخجولة التي (لا تحل و لا تربط) ولا تغير في سياسة الأمر الواقع الذي انتهجوا شيء ما هي في الحقيقة إلا ذر للرماد في العيون للتملص من وزر ضياع ثلث مساحة الوطن و ثلاث أرباع ثرواته الطبيعية المكتشفة حتى الآن بأقل الخسائر السياسية الممكنة في محاولة مكشوفة لإعادة إنتاج الذات من الغرق بالتعلق بقشة هربا من طوفان الغضب الجماهيري المتصاعد الذي بدأ يعلو هديره بإضراب أطباء السودان المتواصل حتى اليوم . إن حديث السيد رئيس الجمهورية أمام مجلس شورى حزبه الأخير و الذي أطلق من علي منصته ما سمي بنفرة الوحدة لا يخرج من كونه عمل من أعمال تطييب الخواطر و امتصاص النغمة و الغضب الشعبي المتصاعد الرافض لسياسات التسليم بعملية الانفصال كأمر واقع و راجح , فالسؤال البسيط الذي يقدح في مصداقية هذه ألنفره الرئاسية الوحدوية لما تأخرت كل هذا الوقت؟ و ما هي الترتيبات و الخطط التي أعدت لها و بموجبها سوف تنطلق؟ ( يمكن برضو رزق اليوم باليوم!) ثم كيف تستقيم هذه الدعوة أصلا و هو يترك الحبل علي الغارب لمنابر و تنظيمات انفصالية شمالية مقربة منه مثل (منبر السلام العادل) و صحيفة (الانتباهة) تنعق ليل نهار توغر الصدور و تيقظ الفتن النائمة حتى وصل السخف بأحدهم أن يقول (لن يبيت جنوبيا ليلة بالخرطوم أذا ما اختاروا الانفصال!!!) كيف ذلك يا دعيي يا سليل (العباس) المفترى عليه وأجداث جدودهم ملوك وسلاطين النهر العظيم تنام راضية علي امتداد مجرى النيل و تحرسه ببركاتهم حتى جزيرة توتي قلب الخرطوم كما دلت على ذلك آخر الحفريات الأثرية . هذه السياسة المتبعة يا سيادة الرئيس في أحسن أحوال وصفها لا تخرج عن أفق المثل العامي البسيط القائل (فلان بفلق و يداوي) ولكن للأسف ما عاد الوقت يسمح بمزيد فلق و مداواة ... وإذا ما تجاوزنا ألنفره الرئاسية الوحدوية لعدم جديتها ونظرنا لتصريحات الرجل الثاني في قمة هرم نظام الإنقاذ عسى أن نصيب ما يروي الإظماء ويشفي القرح نجد العجب في الحملة التي شنها نائب الرئيس الأستاذ علي عثمان طه علي القوى المعارضة في معرض حديثه للصحفيين الذين رافقوه في رحلته الأخيرة لمصر في فبراير الماضي حيث صب الرجل حمم وجام غضبه و عتابه علي تلك القوى التي تخلت عن مسئولياتها الوطنية و لم تعمل علي ترسيخ اتفاقية السلام (نيفاشا) في الوجدان الوطني علي عكس اتفاقية السلام في العهد المايوي في 3 مارس 1973م علي حد زعمه!!! وهنا يحق للمرء أن يتساءل في دهشة و عجب أليس هذه القوى المنعوتة بالتقصير هي نفسها التي حلف الأستاذ علي عثمان جل إيمانه أن لا يسمح لها بالمشاركة في اتفاق السلام ولو بصفة مراقب لا حول له ولا قوة وعمل جاهدا علي إقصائها عن الاشتراك في المداولات ناهيك عن صيغتها و التوقيع عليها رغم مناشدة تلك القوى له ولنظامه ورغم الطلب المتكرر الذي تقدم به رئيس الطرف الأخر المفاوض الفقيد الزعيم جون قرن مقرنا طلبه بأن ذاك من شأنه توثيق الاتفاقية أكثر وإعطائها البعد و الزخم الوطني المطلوب لنجاحها ولكن قوبل بآذان بها وقرا.. فعلما التباكي و كيل الملام بعد أن كسرت الجرة ودفق العسل لقد رفض الأستاذ علي عثمان طه تلك المناشدات ولسان حاله يقول (البقول أم المك عزبه تقع رقبة) قاطعا الطريق أمام أي مشاركة لتلك القوى رغم أهميتها و هو يعلم ذلك ، و الآن بعد أن حصحص الحق وأظهر أن مشاركة تلك القوي كان أمر حيوي سوف يعطي الاتفاقية عمقا وبعدا قوميا هي أحوج ما تكون إليه لتثبيتها و نجاحها و استمرارها بقوة الدفع الجمعي نحو مراميها النبيلة المتمثلة في إعادة إنتاج الوضع الديمقراطي وخلق سودان جديد يستوعب الجميع علي أساس المواطنة بعيدا عن النعرات العنصرية و العرقية و التناطح الديني الأحمق. أن شيخ علي بكيله الملام و العتاب لتلك القوى يريد أن يلوي عنق الحقيقة و يرمي خلق الله بدائه وينسل ولكن هل ينطلي ذلك علي شعب السودان؟ .... نواصل تيسير حسن إدريس / السعودية- بريده/ 24-06-2010م تيسير ادريس [[email protected]]