إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكسيس كاريل: يَاطَبِيبًا مَسَّنِي مِنْهُ السَّقَامَا(!) ... بقلم: حامد علي
نشر في سودانيل يوم 25 - 06 - 2010

تعود القراء ان يقدم لهم كتاب الرأي كتبا جديدة لكتاب جدد وقدامى، وقد برع في هذا المجال من الكتاب السودانيين الكاتبين الاسلامويين ، الدكتور محمد وقيع الله والدكتور حسن مكي محمد احمد ، وهما من افصح كتاب الرأي الاسلاموي في مضمار الثقافة الجديب عند الاسلامويين ، ويسرني ان اقول بملئ فمي انني من المعجبين بما ينشره الدكتورين من كتب غربية وشرقية رغم اختلافي معهما فيما يذهبان اليه من تحليل عقيم لايخلو من التحامل علي الاخر لأنه لا يشاركهم النظر ، وقد يرى ذلك القارئ المتابع في كتاباتيهما عند عرض الكتب لاسيما عند عرض حسن مكي لكتاب بركهارت وعرض محمد وقيع الله لكتاب غادة السمان .
مناسبة المقدمة عاليه هي انني بصدد تناول كتاب قديم لكاتب قديم ، كاسرا للقاعدة المشهورة سالفة الذكر ، فالكتاب الذي نحن اليوم بصدده هو كتاب "الانسان ذلك المجهول" والمؤلف هو "الكسيس كاريل" ،لعل بعضكم قد اطلع على الكتاب وبعض اخر لم يطلع عليه ولكنه سمع به وبعض ثالث لم يطلع عليه ولم يسمع به ، لايهم كل هذا ، فالمهم ان تسمع عنه اليوم وتقرأ بعض الافكار الغريبة ربما بعض الشئ ، لأنني لا أهدف من وراء هذه المادة تقديم وعرض كتاب بقدر ما احاول ان الفت الانتباه لكتاب يتعلق بالانسان ، بعلم الانسان ، وما احوج الانسان لمعرفة نفسه لانها الطريق لمعرفة الرب "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".
نحاول ان نقف عند شذرات من سفر عظيم ،نهدف كما سلف لشحذ الهمم للاستزادة ،واستنفار الروح للكدح في طلب الحصول لمعرفة ما بالكتاب ، واستفزاز الذوق للتلهف لمعرفة الانسان او بعض من جوانبه من خلال الرحلة الشاقة والممتعة في آن من بين دفات كتاب كاريل ، كما نحاول بقدر مايتسع الزمان والمكان ان نرفد بكل ماهو جامع لرؤوس مواضيع الكتاب ، وكلنا امل ان يحصل كل شخص على نسخة من هذا الكتاب الذي لا غنى عنه لكل انسان ، فكما سلف ، فأن هدف هذه المادة ان يسعي الناس في طلب الكتاب والاستفادة من معينه ، وليس الاعتماد على رؤوس المواضيع التي سنفرد لها مساحة هذه المادة ،والله الموفق.
يقع كتاب "الانسان ذلك المجهول" في اكثر من ثلاثمائة وخمسون صفحة من الورق المتوسط، تحوي بين دفاتها ثمانية فصول تحوي بدورها ثلاثة وثمانين موضوعا ، حاول من خلاله كاريل ان يحيط بكل جوانب الانسان ، لكنه خرج جاهلا بالانسان رغم ذلك ، فسمي كتابه بذلك الاسم ، ولكن من هو كاريل؟
هوالدكتور الكسيس كاريل ،المولود بقرب مدينة ليون الفرنسية في 28يونيو 1873م ،حاصل على اجازة الطب من هذه المدينة ،طبيب متخصص في خياطة الاوعية الدموية ،حاصل على اجازة العلوم من ديجول ، عضو في مؤسسات تعليمية في اكثرة من عشرة دولة غربية ،حاصل علي الدكتوراة الفخرية من ثمانية جامعات غربية ،حاصل علي جائزة نوبل في الطب عام 1912م لابحاثه التي تتعلق بخياطة الاوعية الدموية ونقلها ،كذلك نقل الاعضاء الحية بما فيها الرأس،بعد الحرب العالمية الثانية وتحرير المناطق الفرنسية المحتلة من قبل المانيا تم اتهامه بالخيانة والتعاون مع العدو ابان الحرب لكنه مات قبل محاكمته في 5 نوفمبر 1944م .
بدأ كاريل كتابه بهذه الكلمات "لست فيلسوفا ولكني رجل علم فقط، قضيت الشطر الاكبر من حياتي في المعمل ادرس الكائنات الحية ، والشطر الباقي في العالم الفسيح أراقب بني الانسان "، يعتقد كاريل جازما ان العلماء اجحفوا في حق الانسانية حينما اوقفوا دراساتهم الي الكيمياء والطب والهندسة بعيدا عن دراسة الانسان ،كما لايعفي كاريل السياسيين من هذا الوزر فاقرأ معي وهو يقول :" ان أكثر ما يعرض الأمم العصرية للخطر هو النقص العقلي والادبي الذي يعاني منه الزعماء السياسيون"، ويقول:"ان نظم الحكومات أنشاها اصحاب المذاهب في عقولهم عديمة القيمة ...."، فقسوة كاريل للسياسيين لا تنبع لموقف شخصي منه تجاههم ، وللتأكد من صحة فرضيتنا انظر الي رأيه في الاطباء الذين هو واحد منهم بالطبع ،اذ يقول :" لماذا يتصرف علماء الصحة كما لو ان بني الانسان معرضون فقط للامراض المعدية ، في حين انهم معرضون ايضا لهجمات الاضطرابات العصبية والعقلية ، وكذا لضعف العقل ؟ على الرغم من ان الاطباء والمعلمين وعلماء الصحة يبذلون جهودهم بسخاء لفائدة البشر فانهم لم يبلغوا هدفهم ،لانهم يعالجون خططا تشمل على جزء فقط من الحقيقة " .
رغم الاهمية العلمية التي يحظى بها كتاب كاريل في عمومه الا ان الفصل الرابع الموسوم بالنشاط العقلي اهمية خاصة تكاد تماثل قيمة الكتاب الكلية ، اذ يتطرق كاريل في هذا الفصل لمضوع يتجاهله كثير من كتاب الغرب ،او قل انهم لا يلقون له بالا ، وهنا يشذ كاريل شذوذا واضحا عن رصفائه فيه ، وهو موضوع الروح والميتافيزيقا ، وعلاقتهما بالجانب الطبي والانساني عموما ، ويصطلح عليهما كاريل بالبصر المغناطيسي وتراسل الافكار، ويدهش المسلم والمسيحي والوثني حينما يلقي له افكاره للوهلة الاولى ناهيك عن ا الغربي اللديني الذي لايتجاوز افقه العقل (!)،وعندما تقرأ افكاره للوهلة الاولي تحسب انك امام راهب او دجال يؤمن بالخرافات ، يحدثك ب(ما وراء الطبيعة /الميتافيزيقا) ، وليس امام طبيب جراح للاوعية الدموية ، وقد انتبه كاريل لمثل هذه الاراء ،لذا تراه يستدرج قراءه في الموضوع الاول من هذا الفصل ، ويتحاشا صدم القارئ فتراه يهيئ قارئه بمقدمة سهلة الهضم في الموضوع الثاني للفصل بقوله:"يمكن زيادة القوة العقلية بواسطة التعود علي التفكير الدقيق ودراسة المنطقة واستخدام اللغة الحسابية واتباع النظام العقلي ، وملاحظة الاشياء ملاحظة كاملة عميقة ..وبالعكس من ذلك فأن الملاحظة غير الكاملة والسطحية ،كذا سرعة تعاقب الاثا ر ،وتعدد الصور ونقص النظام العقلي .. كل هذه تعوق نمو العقل ..اننا نعلم كيف ان مستوي الذكاء منخفض بين الاطفال الذين يقيمون في مدن مزدحمة ، وبين جماهير الناس والحوادث ،وفي القطارات ، والسيارات ،وفي زحمة الطرقات ،وفي السخافات التي نشاهدها في دور السينما ، وفي المدارس التي لاتدعوا الحاجة فيها الي التركيز العقلي ..وهناك ايضا عوامل اخري قادرة علي تسهيل او عرقلة نمو العقل ونضوجه ..وتشمل هذه العوامل اتباع عادات معينة في الحياة والاكل ..بيد ان تأثيرها غير معروف بوضوح..ويبدو ان الافراط في الطعام والاغراق في ممارسة الالعاب الرياضية يمنعان تقدم العقل ..فالرياضيون بصفة عامة ليسوا اذكياء"،هذه الفقرة المطولة نقلتها بدون تصرف لأنها هي متن الفصل مثار الدجل ، وكل ما سيأتي بعدها اما شرح لها او مقبلات ،لذا فأن الدكتور كاريل يرمي بأول اهدافه في مرمي القارئ بعد هذا الاستدراج بقوله"الحقيقة المستمدة من العلم تختلف اختلافا تاما عن تلك المستمدة من الايمان ، فالاخيرة اكثر عمقا ولايمكن التشكيك فيها بالمجادلات"، وعندما تقرا الفقرة عاليه تحسب انك امام رجل دين وليس رجل علم فقط ،لكنه مع ذلك سرعان مايسيطر العالم كاريل علي الراهب كاريل فتراه يعلق على مايسميه بالبصر المغناطيسي فيقول :"ولقد كان يطلق على هذه الظاهرة اسم الالهام او الوحي في الازمنة السابقة"،ومن ثم يقسم العلماء الي نوعين يسميهما ، المنطقي ، وسريع الادراك ، ويعرف النوع الاول بالعقل الحسابي والثاني بالحاسة السادسة .
لعل المسلمون سيدهشهم ان يحدثهم كاريل بالفوائد الطبية للعبادات كالصلاة والصوم والحج،وسيصدمهم عندما يدركون انه يعرف مقدار هذه العبادات ومغزاها اكثر منهم ،حيث يقول:"قد يحدث نشاط روحي معين تعديلا تشريحيا ووظيفيا في الانسجة والاعضاء ،وتلاحظ هذه الظواهر العضوية في ظروف مختلفة ، من بينها حالة العبادة في الصلاة ،كما يجب ان تفهم ، ليست مجرد ترديد آلي للطقوس ،ولكنها ارتفاع لايدركه العقل ،انها استغراق الشعور في تامل مبدأ يخترق عالمنا ويسمو عليه،ومثل هذه الحالة السيكولوجية ليست عقلية ..ان الفلاسفة والعلماء والعلماء لايفهمونها كما انها صعبة المنال عليهم ، ولكن يبدو ان الشخص المتجرد من حب متاع الدنيا يشعر بالله بمثل السهولة التي يشعر بها بحرارة الشمس او بعطف احد اصدقائه عليه ..ان الصلاة التي تعقبها تاثيرات عضوية ذات طبيعة خاصة ، فهي اولا لا تهتم بالذات ، اذ يقدم الانسان نفسه فيها لله ، فيقف امامه كما تقف اللوحة الفنية امام الرسام والتمثال امام النحات ،وهو يطلب منه جل جلاله ان يسبغ عليه رحمته ،ثم يكشف له سبحانه وتعالى عن مطالبه ومطالب اخوانه في المرض ، وفي العادة يشفي المريض الذي لايصلي من اجل نفسه ،ولكن يصلي من اجل شخص آخر،ويستلزم مثل هذا النوع من الصلاة انكار الذات انكارا تاما،وهذا نوع سام من الزهد والتقشف،والرجل المتواضع والجاهل والفقير اكثر اقتدارا علي انكار الذات من الرجل الغني والمثقف، وعندما تكتسب الصلاة مثل هذه الصفات قد تؤدي الي حدوث ظاهرة غريبة مزعجة..ففي جميع البلاد والازمان آمن الناس بوجود المعجزات وبشفاء المرض سريعا في اماكن الحج وفي معابد معينة ، بيد ان قوة العلم الدافعة ابان القرن التاسع عشرجعلت مثل هذا الايمان يختفي تماما","لقدفرضت جميع الاديان الصوم لما له من فوائد جمة،لان الحرمان من الطعام يثير اولا الشعور بالجوع ، كما انه يثير احيانا التنبيه العصبي ،واخيرا ، يحس الانسان بالضعف ولكنه ايضا يحدد ظواهر مخية اهم من ذلك بكثير ،ان سكر الكبد ،والدهن المخزون اسفل البطن يتحركان ، وكذلك بروتينات العضلات والغدد،وتضحي جميع الاعضاء بمواده،لكي يظل الدم والقلب والعقل في حالة طبيعية ، اذ ان الصيام ينقي انسجتنا ويعدلها كثيرا".
ونختتم هذا الفصل بما خلص عليه كاريل مما للروحانيات من اهمية حيث يقول:"ان لمثل هذه الحقائق مغزى عظيما ،فانها تدل على حقيقة علاقات معينة ،ذات طبيعة مازالت غير معروفة ، بين العمليات السيكولوجية والعضوية ،وتبرهن على الاهمية الواضحة للنشاط الروحي التي اهمل علماء الصحة والاطباء والمربون ورجال الاجتماع دراستها اهمالا يكاد يكون تاما..انها تفتح للانسان عالما جديدا".
يلي هذا الفصل ، فصل آخر سنقف عنده كثيرا لما يحويه من افكار جديدة ،وهو فصل (الزمن الداخلي) ،وتبان لك حداثة الافكار بمقدمة الفصل التي تقول:"يختلف عمر الانسان ،كأختلاف حجمه ،تبعا للوحدة المستعملة في قياسه ،فيكون طويلا حينما يقارن بعمر الجرذان والفراشات ،وقصيرا حينما يقارن بشجرة البلوط، وتافها اذا وضع في اطار تاريخ الارض"،ثم تربط هذه الفقرة بالفقرة التي يقول فيها:"اما عقلنا فيصل الي ذروة نموه عندما تاخذ وجوه نشاطنا الفسيولوجي في الضعف".
يتعرض هذا الفصل بتفاصيل واسعة علي مسألة عمر الانسان واسباب الشيخوخة واسباب الوفاة المبكرة ويناقش بإستفاضة مسألة اطالة الاعمار،يقول كاريل:"ان العذاب الادبي ومتاعب الاعمال ،والامراض المعدية وامراض الانحلال ، تزيد من سرعة الفساد العضوي ،ويمكن اثارة ظهور الشيخوخة في الكلب بحقنه من الصديد العقيم،وعندئذ يبدأ الحيوان في الهزال ، ويصبح متعبا ومنقبضا ،وفي الوقت نفسه يظهر دمه وانسجته ردود فسيولوجية تماثل تلك التي تظهرها الكهولة"،ويقول:"لقد وضع جاك لويب بعض الذباب في حرارة عالية بشكل غير طبيعي فتقدم في السن بسرعة كبيرة وسرعان مامات..كذلك فان قيمة الزمن الفسيولوجي للتمساح تتغير اذا ارتفعت الحرارة المحيطة به20الي 40 درجة مئوية ،وفي هذه الحالة يأخذ معدل جرح سطحي في الارتفاع والانخفاض تبعا للحرارة ، ولكن استخدام مثل هذه الطرق البسيطة لايثير اي تغيير عميق في انسجة الانسان ،لان نظام الزمن الفسيولوجي غير قابل للتعديل الا اذا تدخل في عمليات جوهرية معينة وطريقة اتحادها".
ويفصل كاريل في الزمن الفسيولوجي اكثر حين يقول:"يدين العمر الفسيولوجي بوجوده وخصائصه الي نوع معين من تركيب المادة ،وهو يظهر بمجر عزل قطعة من الاتساع محتوية علي خلايا حية نسبيا عن اتساعها الكوني ، لأن الزمن الفسيولوجي في جميع مستويات التراكيب في جسم الخلية في الانسان يعتمد علي تعديلات الوسيط التي تنتجها التغذية ،كذا علي استجابة هذه التعديلات ،فان مستعمرة الخلايا تبدأ في تسجيل الزمن بمجرد السماح للافرازت التي تنتجها بالركود،وبذلك تعدل الوسيط المحيط بها ،وابسط جهاز لملاحظة ظواهر الشيخوخة فيه يتكون من مجموعة من خلايا الانسجة مزرعة في حجم صغير من الوسيط المغذي ،ففي مثل هذا الجهاز يتعدل الوسيط بشكل متزايد بواسطة منتجات التغذية ،وهو بدوره يعدل الخلايا وعندئذ تظهر الشيخوخة فالموت"، ثم يستطرد كاريل في ا حديثه ويعرج لعلاقة الخلايا بوسيطها الذي تعيش فيه داخل الجسم وعلاقة الاجهزة الصناعية بذلك فيقول:"من السهل ان نزيل الجزء الاكبر من دم الكلب وان نفصل البلازما من كرات الدم البيضاء ونضع مكانها محلولا من الملح ،ثم نعيد حقن الحيوان بخلايا الدم التي حررت بهذه الطريقة من البروتينات والمواد الدهنية ،ولن نلبث ان نلاحظ في اقل من اسبوعين ، ان الانسجة جددت البلازما دون اي تغيير في تركيبها"،لم يقف كاريل عند هذا الحد بل يواصل في بحثه عن مقصرات الحياة فيقول:"من الواضح ان قيمة الوقت ليست واحدة بالنسبة لجميع الانسجة ..وانعدام التجانس هذا يقصر امد الحياة","لان العضو الذي يعرض لنشاط مفرط يستهلك بسرعة اكثر من الاعضاء الاخري ،كما ان شيخوخته المبكرة تؤدي الي موت الجسم "،ولتعريف الزمن الفسيولوجي هذا ،يفرق بينه وبين الزمن الطبيعي بقوله:"الزمن الطبيعي يتوقف على تركيب الساعات والنظام الشمسي كما يتوقف الزمن الزمن الفسيولوجي علي تركيب الانسجة والاخلاط وعلى علاقتهما المشتركة"،لان معرفة ذلك تدفع عند كاريل بأستمرارية الحياة امقابل دفع ثمنها اذ يقول :"فلوكان حجم الوسيط العضوي اكبر بكثير وطرد الفضلات المنتجة بشكل ملائم فمن الجائز ان تستمر الحياة الانسانية مدي اطول ، ولكن جسمنا يكون في هذه الحالة اكثر اتساعا وتراخيا واقل تماسكا ،انه يصبح اشبه بحيوانات ماقبل التاريخ الهائلة ،وعند ذاك سوف نحرم قطعا من النشاط والسرعة والمرونة التي نتمتع بها الآن"،،بعد ذلك ينتقل كاريل لنوع ثالث من الزمن يسميه الزمن السيكولوجي وهو عنده كالزمن الفسيولوجي وهما عبارة عن مظهر واحد وطبيعة مجهولة مثل الذاكرة التي نجهل طبيعتها ولكنها مسئولة عن ادراكنا مرور الوقت ،ويدلل علي الزمن السيكولوجي بتقدير الانسجة للزمن فيقول:"من الجائز ان تقدير الانسجة للوقت قد يصل ال يعتبة الشعور ويكون مسئولا عن الشعور غير المحدد في اعماق ذاتنا ذات المياه الجارية في صمت والتي تطفو عليها حالاتنا الشعورية مثل نقط من الضوء الباهت فوق صفحة نهر هائل مظلم "،،، وبعد كل الاستطرادات في الازمان الداخلية الانسان يعود كاريل ثانية لموضوع الكتاب الرئيس وهو اجحاف العلماء عن معرفة الانسان وانصرافهم لما سواه يقول عودا الي بدء:"ان فشل علم الصحة والطب حقيقة غربية ، فعلي الرغم من التقدم الذي احرزناه في التدفئة والتهوية واضاءة المنازل وعلم التغذية ،والحمامات والالعاب الرياضية والفحص الطبي الموسمي وزيادة عدد الاطباء الاخصائيين زيادة كبيرة ،فان يوما واحدا لم يزد علي حياة البشرية ".
يفرد كايل باقي الفصل للبحث عن مقصرات العيش ويحمل المدنية العصرية وزره ،اسمع اليه وهو يقول:"والشبان المزيفون الذين يلعبون التنس ويرقصون كأبناء العشرين وينبذون زوجاتهم المتقدمات في السن ليتزوجوا نساء صغيرات يتعرضون لخفة العقل وللاصابة بأمراض القلب والكلي وهم يموتون احيانا في فراشهم او في مكاتبهم او في حلبات الجولف في سن كان اسلافهم لايزالون يعزقون فيها الارض او يديرون اعمالهم بيد قوية ،واسباب ما اصاب الحياة العصرية من فشل غير معروفة تماما","اذ من المحتمل ان مايصاب به الرجال العصريون من فناء مبكر يرجع الي القلق وانعدام الامن الاقتصادي او الاجهاد في العمل او انعدام النظام الادبي وكل الوان الافراط "، وبعد هذه الروشتات يبحث كاريل في طول العمر واطالته حيث يقول:"فمن الواضح ان طول العمر امر واثي ولكنه يتوقف ايضا علي احوال النمو ،فحينما ياتي الاشخاص الذين ينحدرون من اسرة يعتبر طول العمر بين افرادها عاديا ليقيموا في مدن كبيرة فإنهم يفقدون عادة :القدرة علي ان يعيشوا طويلا","فإن اطالة العمر مسألة مرغوب فيها اذا زادت امد الشباب لا امد الشيخوخة لان اطان فترة الشيخوخة ستكون عبئا ثقيلا علي كاهل اسرته ومجتمعه","فقبل ان نحاول اطالة الحياة يجب ان نكتشف وسائل لحفظ النشاط العضوي والعقلي حتى اليوم السابق للوفاة ","الي جانب ذلك فلن يكون من العقل في شئ ان نهب كل فرد عمرا طويلا لأن خطر زيادة كمية البشر دون اعتبار لصفتهم معروف جيدا ، لماذا يجب ان نضيف اعواما اكثر لحياة الاشخاص غير السعداء او الانانيين او الاغبياء او عديمي النفع ؟يجب الا يزداد عدد المعمرين الي ان تنمكن من منع الانحلال العقلي والادبي "،،،ولعلنا نختتم ملاحظاتنا عن هذا الفصل بآراء كاريل في العلاقات بين الكهولة والطفولة والشباب وبينهم الموت،يقول كاريل:"اذا اعطي كهل غدد طفل حديث الولادة ودماء شاب صغير فمن الجائز ان يعاد اليه شبابه ،بيد انه مازالت هناك عقبات كثيرة ينبغي التغلب عليها قبل الاقدام علي مثل هذه الجراحة ، اذ لايوجد لدينا معيار لاختيار اعضاء تلائم شخصا بعينه","ان الانسان لن يصيبه التعب في البحث عن الخلود ،ولكنه لن يظفر به لأنه مرتبط بقوانين معينة لتركيبه العضوي "," ان الانسان لن يسيتطيع بحال ان يتغلب على الموت ،لان الموت هو الثمن الذي يجب ان يدفعه الانسان لعقله وشخصيته","من المستحيل على الاطفال ان يفهموا آباءهم ،واكثر استحالة عليهم ان يفهموا اجدادهم "," فالكهل وحفيده ان هما الاشخصان غريبان تماما","يجب ان تكون النساء امهات في سن صغيرة حتى لاتفصلهن عن اطفالهن ثغرة كبيرة لايمكن سدها ، حتى بالحب","ان الانسان اشبه بسائل لزج يتدفق في الاستمرار المادي ومن ثم فأنه لايستطيع تغيير اتجاهه سريعا فيجب ان لانحاول تعديل شكله العقلي والبنائي بعمليات تقريبية ","يمكن مقارن الطفلبجدول ماء يتبع اي تغيير يطرأ على قارعة الطريق ، فالجدول يحتفظ بذاته برغم اختلاف اشكاله ، وقد يصبح بحيرة او سيلا","نحنى نحمل في داخلنا كائنات حقيقية لا عداد لها في وقت الطفولة ،وهذه الكائنات تموت واحدا بعد الآخر ..امافي شيخوختنا فيحيط بنا حرس من اولئك الذين كان يحتمل ان نكونهم ،حرس مكون من جميع امكانياتنا التي سقطت".انتهي،،
نبدأ الفصل السادس الموسوم ب(الوظائف التنسيقية )،بنهايته،واهم مواضيع هذا الفصل هي المواضيع المتعلقة بلفت الانتباه لقوة الانسان الخفية ،يقول كاريل :"يساعد التجنيد الاجباري كثيرا على نمو الجسم اذ انه يفرض نوعا جديدا من الحياة وتدريب معين ونظام معين ايضا على كل فرد ، واحوال الحياة الاكثر خشونة ","يجب ان نستبدل الحياة الناعمة المطردة التي تسود المدارس والجامعات في الوقت الحاضر بعادات اكثر رجولة ","كل فرد يرغب في الثروة والعلم والقوة والمتع ،وهو مدفوع بطعمه وطموحه وفضوله وشهوته الجنسية ، ولكنه يجد نفسه في بيئة لاتهتم دائما به وقد تكون دائما معادية احيانا ،وسرعان مايدرك انه يجب عليه ان يناضل في سبيل ما يريد ،وتتوقف طريقته في رد الفعل بالنسبة للاحوال الاجتماعية المحيطة به على نوع تركيبه ،فبعض الناس يلائمون بين انفسهم وبين الدنيا بالتغلب عليها ،وبعضهم بالهرب منها ،وثم فريق ثالث يرفض قبول قواعدها ،اما موقف الانسان الطبيعي حيال اترابه بني الانسان فموقف كفاح وجهاد ،ويجيب الشعور على عداء البيئة بجهد موجه ضدها وعندئد ينمو الذكاء والدهماء ،كما تنمو الرغبة في التعلم ،وارادة العمل والامتلاك والسيطرة ،وتتخذ عاطفة الغلبة وجوها مختلفة تبعا للافراد والظروف ،وهي التي توحي بجميع المغامرات الكبرى ،وهذه العاطفة هي التي قادت باستير الي اصلاح الطب وتجديده ،وموسوليني الي انشاء شعب عظيم ،واينشتين الي خلق عالم ، وتدفع الروح نفسها الانسان العصري الي السرقة والقتل، كذا الي الاقدام على المشروعات المالية والاقتصادية التي تتميز بها حضارتنا","كلما زاد عمل العضلة ،كلما زاد نموها لان النشاط يقويها بدلا من ان يؤدي هلاكها ، ذلك لأن اي عضو في جسم الانسان يضمر اذا لم يسعمل ،فان من العلامات الاولية التي اكتسبت بالملاحظة ان الوظائف الفسيولوجية والعقلية تتحسن بالعمل،وان بذل الجهد امر لامعدى عنه حتى يبلغ الفرد اقصي درجات النمو ،فالعقل والاحسان الاحساس الادبي ،مثل العضلات والاعضاء ،يضمران اذا اعوزهما المران","ولهذا يجب ان نزيد صناعيا ،من كفاية وظائف الفرد التنسيقية ،حتى نجعل كل انسان قادرا على حماية نفسه ،بدلا من منع الامراض بحماية الفرد من ناقلاتها فقط","حينما يضطر الفرد الذي لايرتدي ثيابا كافية الي الاحتفاظ بدرجة حرارته الداخلية بالعمل العنيف، فإن جميع اجهزته العضوية تعمل بشدة عظيمة وعلى العكس من ذلك ،تظل هذه الاجهزة في حالة خمول اذا قاوم الانسان البردبالفراء والملابس الدافئة ،و اجهزة التدفئة الموجودة في السيارات المتنقلة ،او بجدران غرف يشيع فيها الدفء الصناعي","من المعروف جيد ا ان العضلات تستهلك السكر والاكسجين عندما تعمل ، وانها تولد الحرارة وتصب حامض اللبنيك في الدم اثناء جريانه ،فلكي تنسق نفسها تبعا لهذه التغييرات يجب ان تحرك الاجهزة القلب والجهاز التنفسي والكبد والبنكرياس والكليتين وغدد العرق والاجهزة المخية الشوكية والسمبثاوية ،وبالجملة،ان التدريب الرياضي المتقطع الذي يقوم به الرجل العصري مثل لعب الجولف والتنس لايعادل النشاط العضلي المستمر الذي كانت حياة لا تقتضيه","ان الانسان يبلغ اقصى نموه عندما يتعرض للفصول القاسية ،وعندما يعيش بلا نوم ،وعندما ينام ساعات طويلة احيانا ،وغير كافية احيانا اخرى ، وعندما يفوز بالطعام والماوي بعد ان يدفع لهما ثمنا مرهقا".
وبهذا ننهي إشاراتنا للفصل السادس ونبدأ في الفصل السابع الموسوم ب(الفرد) وهو فصل وثيق الصلة بفصل آخر قد تطرقنا عليه من قبل وهو فصل :الزمن الداخلي، الا ان الغة الميتافيزية الطاغية علي هذا الفصل تجعله يبدوكأنه كجزء من فصل: النشاط العقلي، ولكي لا احول بينك وبين متن اقوال كاريل فدونك قوله تحت عنوان :امتداد الفرد فيما وراء تركيبه التشريحي "توجد علاقات غامضة بين افراد معينين والطبيعة، ويستطيع هؤلاء ان يسروا عبر الفراغ والزمن ، وان يفهموا الحقيقة الصلبة ، ويبدو انهم يهربون من انفسهم ومن العالم المادي ،وقد يبرزون احيانا اعضاءهم عبثا فيما وراء حدود العالم المادي ،ثم يعودون ولم يأتوامعهم بشئ هام ، ولكنهم ،كعظماء انبياء العلم والفن والدين ،دائما ماينجحون في بلوغ هوة المجهول والكائنات المراوغة رفيعة الشان التي يطلق عليها المستخلصات الحسابية ، والافكار الافلاطونية ، والجمال الخالص،...والله"، وقد جاء تحت عنوان: صلات الجسم والعقل بالماضي والمستقبل ،مايلي"يقودنا الحديث عن حقائق التنبؤ الي عتبة عالم المجهول ،ويبدو انها تشير الي وجود مبدأ روحي قادر عليى الانتشار خارج حدود اجسامنا، ويترجم اخصائيو علم الارواح ظواهر معينة بأنها دليل على حياة الشعور بعد الموت،فالوسيط يعتقد انه مسكون بروح الميت ، وقديكشف للقائمين بالتجارب عن بعض تفاصيل لايعرفها الا الميت فقط ولاتلبث دقتها ان تثبت فيما بعد ،ويقول برود ان في الامكان ترجمة هذه الحقائق على انها دليل علي بقاء عامل روحي ،لا العقل ، قادرا على تزريع نفسه مؤقتا في جسم الوسيط ،وحينما يتصل هذا العنصر الروحي بإنسان ينشئ نوعا من الشعور يربط بين الوسيط والميت ،ولكن وجود هذا الشعور يكون مؤقتا ،اذ انه لن يلبث ان يتحطم ، واخيرا يختفي ،ان التجارب التي حصلنا عليها من تجارب علم تحضير الارواح علي جانب عظيم من الاهمية، ولكن معناها ليس دقيقا"،ومن اساليب الدهشة عند كاريل تنقله بين الافكارالمختلفة دون ان يحسك بها ،لذا تراه سرعان ما ينتقل من الميتافيزيقا البحتة الي الميتافيزيقا العلمية في الفصل الواحد عدة مرات فاقرأ معي اقواله في نفس الفصل"ينجب السكيرون ومجانين المورفين ومدمنو الكوكايين نسلا مشوها يدفع ثمن شرور ابويه طوال حياته كلها","بيد انه من المحقق ان ضعف العقل والجنون لهما سبب وراثي ،اما ضعف الذكاء الملاحظ في المدارس والجامعات والسكان عموما فيرجع الي اضطرابات في النمو لا الي نقائص وراثية ، فحينما ينقل هؤلاء الشبان المترحلين الحمقى من بيئتهم المعتادة ويضعون في اكثر احوال البيئة بدائية فأنهم يتغيرون احيانا الي ماهو افضل ويستردون حيويتهم ، ومن ثم فأن صفة الضمور التي نتجت عن حضارتنا ليست غير قابلة للشفاء ، كما انها ابعد ما تكون عن التعبير عن انحلال الجنس"،وفي نفس الفصل وتحت عنوان :الحقيقة والاعتبار لامفر منهما يقول كاريل:"يجب الا يوضع الاطفال في سن مبكرة جدا في مدارس يعلمون فيها بالجملة ،فمن المعروف جيدا ان معظم عظماء الرجال انشئوا في عزلة نسبية ،ورفضوا ان يدخلوا قالب المدرسة ، بالطبع لامفر من وجود المدارس للدراسات الفنية ، كما انها تحقق الي حد ما ،حاجة الطفل الي الاتصال بالاطفال الاخرين ،لكن يجب الايكون مانعا من التوجيه الصائب ،ومثل هذا التوجيه يعود الي الوالدين ،، فهما وحدهما وبصفة اخص الام ،قد لاحظا منذ شبا الصفات الفسيولوجية والعقلية التي يهدف التعليم الي تنظيمها وتوجيهها...الخ"،وتختتم هذا الفصل بهذا الهدف الذي يودعه كاريل في مرمي المجتمات بقوله:"صحيح ان الناس متساوون،ولكن الافراد ليسوا متساوون ،فتساوي حقوقهم وهم من الاوهام ، ومن ثم يجب الا يتساوى ضعيف العقل مع الرجل العبقري امام القانون، كما انه لايحق لاغبياء المجردين من الذكاء ، ومشتتي العقل غير القادرين علي الانتباه او بذل الجهد ،في الحصول علي التعليم العالي ، ومن خطل الرأي ان يعطوا قوة الانتخاب نفسها التي تعطى للافراد مكتملي النمو".
واخيرا نقف في الفصل الاخير من الكتاب وهذا الفصل موسوم بإعادة صياغة الانسان،ويعتبر خلاصة افكار كاريل في هذا الجانب ،لذا سنقف عند كبسولات منه دون تعليق:
"اننا لانستطيع تجديد انفسنا وبيئتنا قبل ان نغير عاداتنا في التفكير".
"ان الغلطة المسؤولة عما نعانيه انما جاءت من ترجمة فكرة لطيفة لجاليليو،فقد فصل جاليليو، كما هو معروف جيدا ،الصفات الاولية الاشياء وهي الابعاد والوزن التي يمكن قياسها بسهولة،عن صفاتها الثانوية وهي الشكل واللون والرائحة التي لايمكن قياسها،ففصل الكم عن النوع،ولقد جلب الكم ،المعبر باللغة الحسابية ،العلم للانسانية ،بينما اهمل النوع".
"لقد زادت التفرقة بين الكم والنوع اتساعا عندما انشأ ديكارت مذهب ثنائية الجسم والروح".
"لقد دفعت هذه الغلطة الحضارة الي سلوك طريق ادي الي فوز العلم وانحلال الانسان"
"يجب ان ننبذ مذهب ديكارت عن الثنائية"
"سوف يدرك الاقتصاديون ان بني الانسان يفكرون ويشعرون ويتألمون،ومن يجب ان تقدم لهم اشياء اخرى غير العمل والطعام والفراغ:ان لهم احتياجات روحية مثل الاحتياجات الفسيولوجية، كما سيدركون ايضا ان اسباب الازمات الاقتصادية والمالية قد تكون ايضا اسبابا ادبية وعقلية".
"قد احدث فرويد اضرارا اكثر من التي احدثها اكثر علماء الميكانيكا تطرفا".
"ان استبدال الروحي بالمادي لن يصحح الخطأ الذي ارتكبته النهضة".
"اننا بحاجة الي معهد قادر على المساهمة في الابحاث التي تتعلق بالانسان مدة قرن متواصل على الاقل ،يجب ان يعطي المجتمع العصري مركزا ثقافيا،وعقلا خالدا قادرا على فهم مستقبله ، وتحسين الابحاث الاساسية ودفعها الي الامام برغم موت الباحثين الافراد او افلاس معاهد الابحاث".
" ان طريقة الحياة التي جلبتها لنا التكنولوجيا ،لطيفة مثل عادة تناول الخمر وتعاطي الافيون والكوكايين".
"ان الشرطين الاساسيين لتقدم الانسان هما العزلة النسبية والنظام".
"ان الصفات الطبيعية والكيميائية للمناخ والتربة والطعام يمكن ان تستخدم كأدوت لصياغة الفرد".
"الظمأ الذي لايروى يصفي الماء من الانسجة،والصوم يعبئ البروتينات والمواد الدهنية الموجودة في الاعضاء ، وتغير الطقس من البرودة الي الحرارة ومن الحرارة الي البرودة ينشط عمل الآليات العديدة التي تنظم الحرارة".
"سوف يحقق الطب اعظم انتصاراته حينما يكتشف وسيلة تجعل الجسم والعقل محصنين طبيعيا ضد الامراض والتعب والخوف".
"ان وجود غير الطبيعي يحول دون نمو الطبيعي ، فيجب ان نواجه هذه الحقيقة بشجاعة،لم لا يتخلص المجتمع من المجرمين والمجانين بطريقة اقتصادية اكثر؟".
وبعد ،هذا هو الطبيب ،الدكتور الكسيس كاريل ،وهذا كتابه المجهول-الانسان ذلك المجمهول-اترانا قد نفضنا بعض الغبارعن الكتاب ،ام ترانا قد جلبنا الضيق للكاتب في مرقده .
أيُّ الامرين فعلنا لم يحط من قدرالبضاعة الثمينة في شئ ،لأن فكرة عرص السِّفر بُغيته لفت الانتباه له كسفر قيم يقلب حياة المرء رأسا على عقب بتبان كثيرٍ من خفايا البشر التي تجعل معرفته شرًا من جهلها ،لذا كان نسبنا الداء للطبيب.
؛؛


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.