جيمورفولوجيا وكرنولوجيا السياسية السودانية اتسما ومنذ صناعة دولة ما بعد الاستقلال بخلل بنيوي في البنى الفوقية والتحتية لإكمال معالم الدولة ما بعد الاستقلال وفق محددات وشروط التاريخ والجغرافيا والثقافة في السودان، وهو ما دفع إلى حاصل قيمة سياسي وفق جدلية تراكم الفعل والشيء وضده والذي وصفناه بالخلل البنيوي إلى المناداة بمراجعة بل جدولة الدولة السودانية كإطار مفاهيمي بعد الاستقلال وفق مفاهيم وتصورات مختلفة ومتباينة، أخذت سياق الرؤية الترمومترية ما بين الأكثر وطأة والوسط والأقل وطأة، والتي تطمح في مجموعها إلى مراجعة فلسفة العقد الاجتماعي في السودان وأدوات اشتغاله اليومي، تمفصلت هذه المراجعات في أشكال وأنواع مختلفة للصراع ضد تمركز دولة "غردون" بعد الاستقلال — وغردون هو الحاكم الإنجليزي للسودان قبل استقلال السودان— وأعمدتها المستحدثة كما وكيفا ووفقا لموازين قوى تقوم عليها عقدة دولة غردون المستحدثة وأشكال بناءاتها اللولبية، تجسدت تحت لواء وعناوين ديموقراطيات "عمائمية" امتصاصية أو انقلابات "سطوية" أخذت أشكالا ما بين العسكرتاريا القحة والعسكرتاريا المؤدلجة، حيث اتسمت الأخيرة بالأكثر عنفا على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية لتنتج دولة طلاسم حقيقية تعيشها كل مكونات الدولة السودانية اليوم. ما سبق حدا بنا وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وإبان وصول ما عرفت وقتئذ بثورة "الإنقاذ الوطني" والتي أطاحت بديموقراطية العمامة الامتصاصية ذات الوسط اليميني التقليدي والإرث "الغردوني"، أن ننشر سلسلة مقالات نشرت عبر صحيفة "الزمان" اللندنية تحت عنوان "السودان الأزمة" وقلنا فيها "إن الوطن السوداني غير متفق عليه ولم يرتق بعد إلى مفهوم الدولة ومكوناتها من شعب وإقليم وسلطة، هناك سلطات، ودول وأوطان وثقافات وتواريخ تحكم منظومة الفكر السوداني في وعيه أولا والذي كرسه المثقف السوداني، وهي حاضرة وماثلة وسوف تتطور بشكل عمودي وأفقي كحقيقة دالة وسوف تضعنا جميعا وخلال العقدين القادمين وفي ظل التحولات الدولية والإقليمية وإنهاء الحرب الباردة ومخلفاتها وسيادة نمط العولمة ومفاهيم النظام الرأسمالي السياسي منه والاقتصادي وتراجع الفكر القومي لصالح الإسلام الحركي "الإرهابي" ومعاداته لنمط الإنتاج الرأسمالي وأسسه السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية إلى ما أسميته بدولة الاستفهام السودانية، لا أحد مجيبا فيها، الكل سائلا أو متسائلا، وللحيلولة دون وقوع ذلك، إن السودان ليس بحاجة إلى ثورة بلاشفة سودانيين أو روس، وكلاهما يحمل مضمونه ومعناه وإنما بحاجة إلى ثورة حقوق مدنية واقتصادية واجتماعية، وليس بحاجة إلى ثورة لاهوت عسكر ديني".. انتهى. تلك معالم قد تفضي إلى دوائر متسلسلة لحلقات راهنة ومرتقبة ومفزعة وأولى معالم هذه الدوائر بروز حتمية وجود دويلتين "دولة جنوب السودان" و"دولة شمال السودان" كشأن اليمن الشمالي والجنوبي في السابق، وهذا معناه إضافة عضو جديد في الأممالمتحدة بعدما يحصل علي الاعتراف الدولي، حيث غالبا ما يحدد الاعتراف في العلاقات الدولية المصالح الراهنة أو المستقبلية للدول التي تعترف بذلك، وهي ليست مهمة في منظور علم العلاقات الدولية الحديث ما دام الشعب قرر مصيره وحدة أو انفصالا، وفي الحالة الأخيرة على "دولة" الجنوب السودانية ممارسة سيادتها على إقليمها وشعبها وإدارة سلطتها السيادية على مواردها وأجوائها الدولية والمائية وتطبيق قانونها.. إلخ كدولة ذات سيادة كاملة في المجتمع الدولي، حيث إنه سيكون تاريخ التاسع من يناير القادم العام 2010 هو يوم استقلال دولة الجنوب السودانية عن جمهورية السودان والتي نالت استقلالها في الفاتح من يناير العام 1956 من القرن الماضي، وهذا المعطي يفتح أسئلة مهمة وجادة، وأهم ما فيها بطلان شرعية الاستقلال الأول والذي كان جامعا شمل المليون ميل مربع، كما يعني سقوط العقد الاجتماعي القائم في السودان الكامل وأيضا بطلان السلطة السياسية ومؤسساتها القائمة، وبهذا لابد من إعادة ترتيب جديد لمعالم دولة الشمال السوداني والبحث عن عقد سياسي واجتماعي جديدين بل راية ونشيد واستقلال جديد عبر استفتاء هو الآخر أيضا يحظى باعتراف داخلي أولا ومن ثم الدولي وفقا لموازين قواه الجديدة ومكوناته ومساحته وثقافته وتاريخه، وهذا يذهب بنا إلى جدلية الاستفهام ذات الأسئلة المشرعة حول شرعية ومشروعية دولة "الشمال السوداني"، وهو الأمر الذي نبحثه في مقال قادم نقلا عن الشرق القطرية. Mahgoub Hussain [[email protected]]