يبدو أن ثمة تصريحات مجنونة حول الشرق الاوسط تتصاعد هذه الايام، تصريحات مصحوبة بتحشيد وتعبئة عسكرية خطيرة. إليك أولاً نماذج من هذه التصريحات المخيفة: - شابتاي شافييت، المدير السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية الاسرائيلي (الموساد)، تناول، في حديث له بجامعة بار إيلان بتل أبيب، الأسباب التي يرى أنها تحتِّم على اسرائيل توجيه ضربة عسكرية وقائية ضد إيران. وكان مما جاء بحديث شافييت مايلي: "في تقديري أنه طالما أن هناك حربا قائمة، وطالما أن هناك تهديدا دائما، وطالما أن العدو في هذه الحالة ينوي ابادتك، فإن التصرف الصحيح هو ان تفترض أنك ستتعرض لهجوم من قِبل هذا العدو، لا أن تنتظر حتى يقع الهجوم ثم ترد عليه" - أوزي آراد، مستشار الامن القومي في حكومة نتنياهو، عبّر في حديث أدلى به في مؤتمر للوكالة اليهودية في القدس في الثاني والعشرين من شهر يونيو المنصرم، عن اعتقاده أن "المجتمع الدولي" سيدعم قرار اسرائيل بشن ضربة عسكرية ضد إيران، قائلاً: "لا اعتقد أن أحداً يشكك في شرعية وقانونية مثل هذا الهجوم" - رئيس وزراء ايطاليا، سيلفيو بيرلسكوني، ذكر في كلمة له أمام مراسلي الصحافة الدولية في قمة مجموعة الدول العشرين التي التأمت بمدينة تورنتو الكندية في السادس والعشرين من شهر يونيو المنصرم، أن "إيران لا تقدم أي ضمانات على أنها تنوي استخدام برنامجها النووي لاغراض سلمية، ولذلك فإن قادة الدول الاعضاء بمجموعة العشرين قلقون ومقتنعون كلّ الاقتناع أن اسرائيل ستبادر بشن هجوم وقائي ضد إيران" - ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (السي آي إيه)، تنبّأ في لقاء تلفزيوني أجرته معه قناة آي بي سي الامريكية في السابع والعشرين من شهر يونيو الفائت، بأن إيران قد تتمكن من انتاج قنبلتين نوويتين بحلول عام 2012م، يقول بانيتا: "نحن نعتقد أن لديهم (الإيرانيين) كميّة من اليورانيوم منخفض التخصيب تكفي لانتاج قنبلتين...وفي الوقت الذي يحتدم فيه الجدل داخل إيران حول ما إذا كان يتوجب عليهم المضي قدما في مسعاهم لانتاج سلاح نووي...فإن من الواضح أنهم ماضون الآن في تطوير قدراتهم النووية". ومضى بانيتا ليقول ان الولاياتالمتحدة تُطلِع اسرائيل على جميع المعلومات الاستخبارية المتعلقة ببرنامج إيران النووي، وأن الاسرائيليين "مستعدون لامهالنا ريثما نتمكن من إحداث تغيير دبلوماسي وثقافي وسياسي داخل إيران" تعليقات على التصريحات الواردة أعلاه 1- إيران وإسرائيل ليستا في حالة حرب، وهذه حقيقة يبدو أنها لم تتضح بعد في ذهن شابتاي شافيت. 2- طالما أن مشروع العقوبات الاقتصادية الأخير الموجّه ضد إيران كان من الممكن أن يسقط لو جرى التصويت عليه في الجمعية العامة للامم المتحدة، فإننا لا نفهم عن أي "مجتمع دولي" يتحدث مستشار الامن القومي الاسرائيلي، أوزي آراد. 3- رئيس وزراء ايطاليا بيرلسكوني معروف عنه أنه أحياناً يهرِفُ بما لا يعرِف، لكن الامر مختلف حين يتحدث عن إسرائيل. 4-إن حديث مدير السي آي إيه، ليون بانيتا، عن إيران مختلفة "دبلوماسيا وثقافيا وسياسيا" يبدو كأنه حديث عن اتجاه ل"تغيير النظام" الايراني. فهل هذ ا التغيير هو المهّمة التي ستُنفّذ أثنا المهلة الاسرائيلية التي أشار إليها بانيتا في حديثه لقناة آي بي سي الامريكية؟ ليست المسألة مجرّد كلام.. متابعةً للتقرير الذي نشرته صحيفة تايمز اللندنية عن موافقة المملكة العربية السعودية على السماح لاسرائيل باستخدام المجال الجوي السعودي لشن ضربة عسكرية ضد إيران، أوردت صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية وصحيفة إسلام تايمز الايرانية ووكالة الانباء الايرانية (فارس) أن سلاح الجو الاسرائيلي قد نقل معدّات وآليات عسكرية إلى منطقة في الصحراء السعودية بالقرب من الحدود مع المملكة الاردنية. ووفقاً لتقرير صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية، فإن المعدات العسكرية الاسرائيلية قد جرى إنزالها خارج مدينة تبوك السعودية، وأن الطيران المدني قد جرى حظره فوق المنطقة خلال مدة اليومين الذين استقرقتهما عملية الانزال. كما نقلت ذات الصحيفة، عن مسئول امريكي لم تسمِّه، قوله أن رئيس جهاز الموساد الاسرائيلي، ميير داغان، كان هو الشخص الذي تولى عمليه الاتصال بالمسئولين السعوديين، وأنه قد أطلع نتنياهو على الخطة. صحيفة غلف ديلي نيوز أوردت بتاريخ 26 يونيو أن اسرائيل نقلت مجموعة من طائراتها المقاتلة إلى دولتي آزربيجان وجورجيا، وهو اجراء سيقصّر كثيرا المسافة التي يتعيّن على الطائرات الاسرائيلية قطعها لمهاجمة أهداف في شمال إيران. تحتفظ الولاياتالمتحدة حالياً بحاملتي طائرات( ترومان وآيزنهاور) بالاضافة إلى ما يزيد على اثنتي عشرة قطعة حربية أخرى في منطقة مضيق هرمز على الخليج العربي. السعوديون أنكروا بشدة صحة التقارير التي تشير إلى تعاونهم مع الاسرائيليين ضد إيران. شفيق جبرا، رئيس الجامعة الامريكية في الكويت، قال: "ليس من الوارد أبداً أن يسمح السعوديون لاسرائيل بمهاجة إيران عبر آراضيهم" إلا أن إفرايم إنبار، مدير مركز بيغن والسادات للدراسات الاستراتيجية الاسرائيلي، يجادل بأن الخوف من أن تصبح إيران قوّة نووية هو الذي يجمع بين المملكة العربية وإسرائيل. يقول إنبار: "إن هذا الخوف يجمع بيننا على المستوى الاستراتيجي، حيث ان لنا في هذه الحالة مصالح مشتركة". ويضيف إفرايم قائلا: "ربما أن احساس العرب والمملكة العربية السعودية بضعف الرئيس الامريكي أوباما هو الذي يدفعهم إلى تسهيل تنفيذ ضربة عسكرية اسرائيلية ضد إيران". إلا أن إفرايم إنبار أشار إيضا إلى أن القصة قد تكون غير صحيحة لانه لا "يعتقد ان السعوديين يرغبون في تحمّل وزر وتبعات التعاون مع إسرائيل". وفقاً للخبير في مجال التاريخ العسكري، مارتن فان كريفلد، من جامعة جيروزيلم الاسرائيلية، فإن "الخوف الحقيقي هو ان يدفع الكلام عن الخطر الايراني بعض الاطراف إلى اشعال نار الحرب في المنطقة". إلا أن مارتن كريفلد يؤمن أيضا بضرورة ان تُبقي اسرائيل على خيار الضربة الوقائية قائماً. تريتا بارسي، من معهد وودرو ولسون بواشنطون، تجادل بأن التصعيد الكلامي الحالي ينطوي على خطر كبير. تقول تريتا: "مثل هذه البيئة السياسية لا تترك للمرء مجالا لالتماس حل آخر". وتضيف: "قد تجد نفسك أحياناً في وضع يتحتم عليك فيه أن تتصرف، حتى وإن كنتَ تتفهم غباء وعدم حكمة هذا التصرف، ولكنك تتصرف لدوافع سياسية". يبدو أن الكلام الذي يسبق الحرب ويمهِّد لها قد حمي هذه الايام، ويبدو ان آلات القتال قد نُصِبت في مواقعها، وبدأ وكأن "بنادق اغسطس" قد حلّت بمنطقة الشرق الاوسط. --- * بنادق أغسطس The Guns OF Augustهو عنوان كتاب في حقل التاريخ العسكري صدر في عام 1962م، أعدّته المؤرخة الامريكية الشهيرة باربرا تكمان Barbra Tuchman وتناولت فيه الاحداث والاجواء التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى، بالاضافة إلى المعارك التي دارت في الشهر الاول من تلك الحرب العبثية العنيفة. Ahmed Dafaalla [[email protected]]