أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. خليل إبراهيم و عبد الله أوجلان: قدر ثائرين ... بقلم: تاج الدين عبد الرحمن فرتي
نشر في سودانيل يوم 17 - 07 - 2010

الثورات في عمومها تتشابه , و تتماهى مع بعضها البعض , رغم إختلاف ظروفها وطبيعة نشأتها ودوافعها ومسبباتها والبيئة التي ولدتها , والأسس و المنطلقات الفكرية التي إنطلقت منها , إلا أنها في الغالب تتوحد في غاياتها وأهدافها وما قد ينتهي إليها من إفرازات ونتائج . ولعل أكثر ما يوحدها هو الشعور العميق بعدالة القضية التي تناضل من أجلها والإصرار العنيد على تحقيقها مهما كانت جسامة التضحيات و العقبات التي تحول دون تحقيق تلك الأهداف و التي تتمثل في إعادة صياغة المجتمع وتحريره من الظلم والطغيان والفاقة والحرمان . وإعادة بناءه على أسس جديدة يتسم بالعدل والمساواة , وإحترام حق الإنسان في الحياة بكرامة وتفجير طاقاته الكامنة بالنهوض والرقي والتقدم.
الثورات يقودها رجال حالمون , يتقدمون الصفوف بشجاعة وإقدام وإصرار على التضحية من أجل تحقيق تلك المثل العليا . د خليل إبراهيم والمناضل الأسير عبد الله أوجلان هم نموذجين لهؤلاء الرجال في وقتنا المعاصر , رغم إختلاف الظروف والبيئة النضالية وأهدافه . فعبد الله أوجلان يقود آخر ثورات القرن العشرين , ثورة إندلعت في زمن الحداثة وصراع الأيديولوجيات و سيادة القطبين المتناحرين. أما الدكتور خليل فيقود أولى ثورات القرن الواحد و العشرين , ثورة إنفجرت في زمن مابعد الحداثة , في عصر العولمة والفضاءات المفتوحة وسيادة القطب الواحد.
عبد الله أوجلان هو أُمة في رجُل . أحد أهم رموز الثورة الكردية , مؤسس حزب العمال الكردستاني , فالأكراد في تركيا كالمهمشين في السودان , تعرضو للمهانة والذل والتهميش و الإستعلاء العرقي منذ عهد كمال أتاتورك إلى زمن الطيب رجب أردوغان . فقد تم تجريدهم من كامل حقوقهم الإنسانية وطمس هويتهم الكردية و محاولة تتريكهم بإعتبارهم أتراك جبال و ليسوا قومية كردية لهم هويتهم الإنسانية الخاصة. تعرضوا للتنكيل و التبخيس والتخوين رغم أنهم مسلمون ساهموا في إثراء الحضارة الإسلامية وأنجبوا صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس.
تخرج أوجلان من جامعة أنقرا شاباً مناضلاً حالماً بالحرية لشعبه , حمل مشعل الثورة بيده متحملاً عبء النضال والتضحية من أجل عدالة قضية شعبه . و كلل الرجال الثائرين و الحالمين أصحاب القضايا الكبرى و الهم الإنساني النبيل . سرع في تأسيس أداته النضالية "حزب العمال الكردستاني " كحركة ثورية مقاتلة آلت على نفسها تحمل قضية الأمة الكردية العادلة و مقارعة الشوفينية التركية وتحرير الأكراد من هذا الظلم القومي التاريخي . و على مدى ثلاثة عقود , ظل حزب العمال الكردستاني و ما زال يقود نضال الأمة الكردية و يمثل طليعة الأمة المقاتلة في جبال كردستان . تعرض أوجلان للمطاردة ومحاولات الأغتيال والإختطاف المتعددة . و مع إنهيار الإتحاد السوفيتي وإختفاء المنظومة الإشتراكية في نهاية القرن الماضي , و في ظل الفوضى التي سادت العالم وجدت تركيا فرصتها التاريخية للقضاء على أوجلان وإنهاء نشاط حزبه قد أتت وأن إختطاف أوجلان أو قتله سيشكل بداية النهاية للقضية الكردية بضربة واحدة وإلى الأبد. كان أوجلان في البقاع اللبناني والتي بدورها تحت السيطرة السورية . طلبت تركيا من سوريا تسليمها أوجلان أو طرده ومن أجل ذلك حشدت تركيا الآلاف من جنودها على الحدود السورية وأعلنت حالة الطوارئ إستعداداً للحرب , أمام ذلك الوضع لم يجد الرئيس السوري حافظ الأسد سوى الإنحناء للعاصفة والطلب من أوجلان مغادرة البقاع دون المرور بسوريا للإلتحاق بقواته في جبال كردستان .
ضاقت الأرض على سعتها ولم يجد أوجلان مكاناً يأويه في هذا الكوكب سوى غرفة صغيرة بمبنى السفارة اليونانية في نيروبي حيث إكتملت آخر فصول المؤآمرة والتي هدفت إلى إختطافه شاركت فيها قوى إقليمية و دولية على رأسها الولايات المتحدة حليفة تركيا , حيث قامت بالضغط على اليمنان لإبعاده من مبنى السفارة . خرج أوجلان من ملجأه أعزل بلا سلاح ولا رفاق وهو على بعد آلاف الكيلومترات من مقاتليه ولم يمضي سوى بضعة دقائق من خروجه حتى إنقضت مجموعة من قوات الكوماندوز التركية وإختطفته من أحد شوارع نيروبي . أقتيد أسيراً إلى تركيا و خرجت تركيا وهي في حالة هستيريا تحتفل بالنصر حكم عليه بالإعدام ثم خفض إلى السجن المؤبد ونقل إلى زنزانة صغيرة في سجن بجزيرة دميرالى على بحر مرمرة ليعيش هناك وحيداً معزولاً عن العالم الخارجي . إعتقدت تركيا أن الثورة الكردية إنتهت و ضربت في الصميم بعد إختطاف مؤسسها وقائدها وأنه لم يبقى أمام الحزب سوى رفع راية الإستسلام . ولكن لم يمضي سوى بضع سنوات حتى نهض المارد الكردي ليقرع أبواب أنقرة , خرج من كبوته رمم نفسه وأعاد بناء قواته و دشن نضاله المسلح من جديد بضربات في العمق التركي .
يقول متحدث بإسم الحزب لصحيفة الشرق الأوسط 5/7/2010 العدد 11542 يقول أحمد دنيز " إن مقاتلي الحزب قاموا بشن 52 هجوماً في مختلف مناطق تركيا ضد الجيش منذ إنتهاء الهدنة مطلع الشهر الماضي , وألحقوا خسائر فادحة بصفوفه من ضمنها الإستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة وإلحاق أضرار بالغة بطائرتين مروحيتين . وهذه المعارك تشكل تطوراً نوعياً في عمليات مقاتلي حزبنا جاءت إثر رفض الحكومة التركية مبادراتنا المتكررة بوقف القتال وإصرار الجيش على مواصلة هجماته ضد مواقعنا و مقاتلينا " في ظل هذه الضربات إضطرت القيادة التركية للإستنجاد
بأوجلان في سجنه طالبين منه السعي لوقف نشاط الحزب المسلح وإجراء مفاوضات جديدة لوقف القتال و الدخول في مفاوضات لإنهاء النزاع . لقد تأكدت للقيادة التركية أن إختطاف أوجلان أو سجنه أو حتى قتله لن ينهي قضية الأمة الكردية لأنها قضية شعب والحزب يمثل ضمير ذلك الشعب وأوجلان هو رمز ذلك الضمير لايمكن إلغاءه.
د.خليل إبراهيم هو ثائر آخر شبيه بأوجلان في ظروفه و مواجهاته , جاء في زمن مغاير , من منطقة الطينة , من ذلك الهامش البعيد , جاء في عصر القرية الكونية و الفضاءات المفتوحة , في زمن تفككت فيها إمبراطوريات عظمى وإنهارت أيدولوجيات كانت راسخة. تشكل وعيه الثوري إبان الثورة العاصفة التي هبت رياحها من إيران , حيث إنطلقت مدافع أيات الله من الضاحية الجنوبية لطهران محدثاً دوياً هائلاً إهتزت له جميع أرجاء العالم الإسلامي من طنجة إلى جاكارتا , ثورة رفعت رايات الإسلام الثوري , تلهب المشاعر و تخطف الأبصار وتهز وجدان الثائرين والحالمين بغدٍ أفضل . د خليل و جيله ألهمهم ذلك الزلزال الكبير أجج روح الثورة فيهم , فإنحازوا للثورة ونفحتها الإسلامية.
في جامعة الجزيرة إكتمل وعيه الثوري فإنحاز للخيار الإسلامي حيث لم يبقى هناك خيارات تلهب مشاعر الناس فالإشتراكية تراجع زخمها وبدأت في الانهيار والانسحاب من حركة التاريخ والرأسمالية تتخبط وتعيش في مأزقها التاريخي كان الاسلام بروحيته الثورية وديناميكيته وقوة جاذبيته هو الحل . هكذا كانت الصورة على الصعيد الفكري في ذلك الزمان من القرن الماضي .في أواخر ذلك القرن سقطت الخرطوم تحت سنابك الإسلاميين وإرتفعت تحت سماءها رايات الاسلام السياسي . قال اصحابه أنه فجُر الخلاص ليس لأهل السودان فحسب بل للبشرية جمعاء , إنه المشروع الحضاري مشروعاً ليس إنسانياً فقط بل أيضاً ربانياً جاء ليخلص البشرية جمعاء من معاناتها وأزماتها وفجورها , ليؤسس لهم فردوساً أرضياً , و يأتي بنعيماً ربانياً ظل مفقوداً. هي ثورة للمحرومين و البائسين والمهمشين ستعيد الحقوق المسلوبة وتبسط العدل والإحسان والحرية والمساواة . كانت الخرطوم في ذلك الزمان تعج بالشعارات الصاخبة و الهتافات المدوية والاحلام الكبيره.
جاء د.خليل من مهجره يحمل حلمه الكبير حلم الثورة , جاء بإيمانه و نقاءه الثوري و بتلك البراءة ليشارك في هذا الحدث إلا أن تلك الأحلام الكبيره وذلك الصخب سرعان مافقدت البوصلة وضلت طريقها في غابات الجنوب , تعطلت مسيرتها في تلك الوحول لتسقط بها سقوطاً مدوياً وهي ملطخة بالدم والدموع والخراب . ذهب د.خليل إلى الجنوب بدافع الحماس الثوري ذو البعد الإنساني , ذهب طبيباً يحمل رسالة إنسانية و ليس دباباً , صدمه الواقع المُر هناك , صدمه حالة البؤس و الفاقة والحرمان والظلم الفادح وإنفلات المشاعر البدائية من عقالها . كل هذا الخراب . كل هذا الدمار . كل هذا القتل المجاني لمصلحة من ؟ في تلك الغابات النائية , وسط ذلك البؤس بدأ التحول الجزري يتبلور حول رؤيته للواقع . بدأت الحقائق أكثر إيضاحا فخرج أهل السودان قبل المفاصلة الكبرى والانهيار الكامل للمشروع الحضاري . سبقه في هذا التحول رفيقه داؤود بولاد . كان بولاد أيضاً شاباً ثائراً حالماً أصطدمت أحلامه الثورية بالواقع العنيد على الأرض في دارفور . صدمة الإبادة ضد أهل الفور في ثمانينات القرن الماضي . بولاد أحدث قطيعة كاملة مع المشروع الإسلامي ولكن مشكلة بولاد إنه لم يؤسس لمشروع وطني بديل و في حالة من الارتباك و الاحباط إنضم إلى نقيضه الفكري ليصبح عضواً بالحركة الشعبية لتحرير السودان . قاد مجموعة من الرجال إلى غرب دارفور , شارعاً في خوض أولى حرب عصابات في الإقليم لإسقاط النظام الاسلامي الذي أفنى زهرة شبابه في الدعوة والقتال من أجله . إنتهت تجربة بولاد نهاية تراجيدية محزنة وجد نفسه وقد سقط أسيراً بين قومه وأهله بينما قاتليه هم إخوانه في الله . قتلوه بدم بارد وهم يهللون الله اكبر ...الله أكبر ...
د.خليل لم يحذو حذو بولاد بل شرع ومن منفاه أن يؤسس مشروعه الوطني والثوري . فكانت حركة العدل والمساواة كحركة وطنية ثورية مقتالة , حركة تسعى لخلق سودان جديد وتدعو لدولة المواطنة وإحترام حق الانسان فيه. دولة كل الناس يتمتع فيها كل الناس بحقوقهم الطبيعية الفكرية والثقافية والاجتماعية كما أقرها كل الشرائع السماوية والانسانية دولة ديمقراطية تتعدد فيها المدارس الفكرية والسياسية والثقافية . دولة تتسع للجميع دون تميز للون أو العرق أو الدين او الجهة. تحملت حركة العدل والمساواة عبأ الثورة و الكفاح من أجل القيم والمثل العليا التي تبنتها . وعلى مدى ثمانية
أعوام دشنت الحركة عطاؤها الثوري حاملة لواء المهمشين والمحرومين فقاتلت ببسالة وأثبتت مصداقيتها وإكتسبت مشروعيتها الثورية من الالتفاف الجماهيري حولها . إستطاع د.خليل بصموده وشجاعته ان يرسي دعائم هذه الثورة ويبقى وهجها الثوري ويحافظ على ديمومتها رغم كل أشكال الغدر والتآمر والخيانة.
أصبح رأس د خليل مطلوباً حياً كان أو ميتاً من قبل النظام الفاشي في الخرطوم وكقدر أوجلان تعرض د. خليل لمحاولة إختطاف غادرة في مطار إنجمينا , شارك فيها عدة أطراف محلية واقليمية , ساهمت فيها القيادة التشادية بفعالية وهي قيادة مافتأت تتأمر على الحركة منذ ميلادها , إستخدمت كل طاقاتها وإمكانياتها لوقف مد الحركة وتصاعدها , ومحاولة إنهاءها أو حرفها عن هدفها . وإدخالها في معارك جانبية وإلهاءها بصراعات جاهلية أو محاولة إختراقها من الداخل و تفتيتها بخلق أجسام هلامية لإفتعال الصدامات معها . فالنظام التشادي يعيش في حالة من الشك والإرتباك من المد الثوري المتصاعد للحركة ومنطلقاتها الفكرية التحررية . فهو نظام قروسطوي أبوي إستبدادي عشائري محدود الأفق يعيش على هامش التاريخ لهذا تآمرت القيادة فيه لإختطاف د.خليل كمحاولة لإنهاء الثورة وأداتها حركة العدل والمساواة . يقول الدكتور خليل في حوار عبر الهاتف مع صحيفة الشرق الأوسط 19/6/2010 العدد 111526. قال" إن إحتجازه كانت مؤامرة مدبرة شاركت فيها أطراف كثيرة , وقال أن الحكومة السودانية كانت تنوي القيام بعملية لاختطافه من على طائرته من مطار إنجمينا وأضاف خليل حول ما إذا كانت تشاد تنوي تسليمكم الى الحكومة السودانية قال" ما نعلمه هو عدد من أعضاء وفدنا المرافق شاهد مجموعة من جهاز الأمن السوداني كانوا داخل مطار إنجمينا . والخرطوم طمعت فينا وأظنها قررت أن يقوم كادرها الأمني باختطافنا لكن لولا تدخل الزعيم الأممي معمر القذافي وحكمته وتصرف قائد الطائرة الحكيم الذي أدرك الأزمة سريعاً وتصرف بمسؤلية ومنع الجنود التشاديين من الصعود الى الطائرة بعد أن اغلق أبوابها في وجههم لولا ذلك كان من الممكن ان يتم إختطافنا "
ليست محاولة فحسب بل رغبة جامحة لاختطاف الدكتور خليل . كانت الخرطوم تريد أن تصحو صباح العشرين من مايو 2010 على نعي كاذب بان العدل والمساواة إنهارت وأن خليل إبراهيم تحت قبضتها . كانت تريد أن تبيع الوهم وتبشر بأحلام اليقظة . رغم غياب د خليل القسري إلا أن الحركة صعدت عملياتها القتالية وهي تتمدد في كل انحاء دارفور وتخوم كردفان ملقياً الهزيمة تلو الأخرى بالجيش السوداني . وهي هزائم أدت إلى حالة من الإنكسار والخوف من مواجهة ثوار الحركة . وقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط الصادر يوم 6/6/ 2010 ان مصدراً سودانياً كشفت للصحيفة أن قيادات في المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس السوداني عمر البشير طالبت بإعفاء وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين من منصبه . وقال المصدر أن البشير طلب من المجتمعين في إجتماع القيادات الحديث بصراحة لإعانته في مواجهة ازمة دارفور , واضاف ان قيادات الحزب دعت إلى ضرورة التوصل الى حل أزمة دارفور , وإعتبرت أن الإتفاق مع حركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني سيسي إعادة لإتفاق أبوجا التي وقعتها الحكومة في عام 2006 مع حركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي وانها لم تنه الازمة في الاقليم . وكشف المصدر ان قيادات بارزة طالبت بإقالة وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين من منصبه لأن متمردي العدل والمساواة إستطاعوا إمتلاك زمام المبادرة العسكرية في دارفور أخيراً . وفال المصدر " ان قيادات في الحزب دعت الى عدم عزل حركة العدل والمساواة و العمل على إقناع خليل إبراهيم بوقف الحرب والجلوس الى طاولة المفاوضات.
هذا التطور النوعي في العمليات العسكرية سوف يقود الحركة الى تطوير إستراتيجيتها و عقيدتها القتالية . فالمعارك لن تبقى تدور على هوامش المدن و تخوم الجبال بل ستنتقل الى قلب المدن و المراكز الاقتصادية الكبرى , ولن تكون الخرطوم وشندي و دنقلا بمنأى عن مدافع الثورة و مقاتليها بل ستكون في شوارعها وأزقتها . إن إبعاد خليل أو إختطافه لن يوهن من عزيمة الثورة ومناضليها . فالثورة باقية مشرعة قوية صامدة طالما أن هناك حاضنة جماهيرية تحميها وسند شعب لا ينقطع يمدها بكل أسباب البقاء والصمود.
najat alaoui [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.