Murtada El khalifa [[email protected]] عندما كتبت مكتوبي (صحافة التسرية والمناصحة ... مصطفى البطل نموذجاً) كنت أعلم علم اليقين بأن البطل سيهتبل فرصة جاءته على طبق (طائر) ويشغل وقت القراء الثمين بفصل جديد من فصول التسرية، فهو فالح في هذا الضرب من الكتابة المنحطة، وعندما أقول منحطة لايفوت على فطنةالقارئ الذي يعلم أن الأشياء تعرف بأضدادها، أنني أعني بأن الحطة في قيمة ما يكتبه البطل تؤخذ بنسبة قيمة ما يكتبه إلى قيمة ما يكتبه كتاب القضايا الكبرى، الكبار بدورهم. هنا ثمة إستطراد لازم، هو أن الأستاذ محمود محمد طه وفي كلمته أمام المحكمة المهزلة وصف القضاة الذين كانو يحاكمونه بأنهم (غير مؤهلين فنياً وقد ضعفوا أخلاقياً). لعل المستمع لتلك العبارات ربما يظن للوهلة الأولى أن الأستاذ ربما سبّ قضاة المحكمة المهزلة، وأنّا للأستاذ أن يقع في ذلك وحتى لو كان حبل المشنقة يتدلي من بين يدي المهلاوي والمكاشفي طه الكباشي. وفي رباطة جأش وصمامة عرفت عن الأستاذ محمود أردف توصيفه ذاك للقضاة بقوله (غير مؤهلين فنياً وقد ضعفوا أخلاقياً، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لإضاعة الحقوق، إلى آخر الكلمة) وكأنما الأستاذ يريد أن يقول تلك هي مواضع ضعف أخلاقهم، حتى لا يحسبن مستمع أن الأستاذ يشتم قاضياً. وياله من ضعف أخلاقي وأيما إنحطاط أن تضع نفسك في خدمة سلطة تنفيذية غاصبة وفاشية و(مجرمة حرب كمان). عموماً كنت أدري بأن البطل سيهتبل الفرصة ويأتينا مسرجاً قلمه على خيول التسرية والإنصراف عن القضايا الكبرى، وأنا إذ أقول قولي هذا أقتفي أثر الأستاذ في المحكمة المهزلة فأنا لا أسب ولكنني أصف. لم يخيب البطل ظني به، شأنه شأن كثيرين من نخبنا، فجاء متعالياً متغطرساً في رده. فعلاوة على تجنبه ذكر إسمي، وصفني بالكاتب الطموح الباحث عن مكان تحت الشمس. أولاً أنا لست بكاتب (راتب أو غير راتب) بل قارئ بالأساس ومكاني تحت الشمس محفوظ وأتمتع به يومياً، وأي مكان تحت الشمس يمكن أن تهديني إليه مقالة في التعليق على صحافة التسرية؟ هي إذاً مصدة للنقد يأرز إليها مبدعونا عندما تتورم ذواتهم، كما تأرز الحيّة إلى جحرها، لدرجة تجعلهم يظنون بأن منتقديهم فقط يبحثون عن الأضواء التي تنثرها إبداعاتهم، ولايبحثون عن حقيقة. وهذا تخليط بيّن عند البطل حول الغرض من الكتابة نفسها التي هي للوعي وبسطه وليست للأضواء ونثرها والتعطف بها على صغار الكتاب الطموحين الباحثين عن مكان تحت الشمس ببركات كبار الكتاب من طراز البطل. لا أدري ما دخل الترجمة بمقالتي السابقة حتى يجد فيها البطل مادة لسخريته. لآلئ اللغة العربية بالفعل تقف عاجزة ومتخلفة أحياناً كثيرة عن ركب لغات كثيرة تطور فضاؤها التعبيري بسبب تطور حيوات الشعوب الناطقة بها، لذلك ربما تكون بحاجة إلى الإستدانة من مخزونها البياني لتوضيح بعض الأفكار. فمثلا يا بطل المصطلحات التي تحوم حول تقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية وما شابه تقف اللغة العربية عاجزة أمامها أحياناً كثيرة. بالفعل أنا، وبفضل عملي كمترجم، أسترزق وأكلأ عائلتي وأهب سارقي قوت الشعب بعضاً من دخلي السنوي-كضرائب وزكاة وخدمات- وأنا أعي سرقتهم وإبتزازهم لي. أعي ماذا؟ أعي أنه إن لم أدفع الضرائب والزكاة والخدمات، عقود إذعان ولهواة الترجمة (Contracts of adhesion) أوال(boilerplate Contracts)، لن أتمتع بمكاني تحت شمس السودان الدافئة خلال إجازتي السنوية، لأن الحكومة (يا إنقاذيون: الدين النصيحة) هذه حيلة من حيلها لسرقة قوت أقوام بل وحيواتهم. وفلسفة ضريبة الدخل في علم الاقتصاد، وبمقتضى ممارسة الحكومات الرشيدة لا الحكومة التي يناصحها البطل، هي إعادة ما حصلته الحكومة من ضرائب إلى المواطن في شكل علاج وتعليم مجانيين وخدمات مجانية أخرى. غير أن دولة المشروع الحضاري لا تعيد ما تتحصله من مواطنين كضرائب في شكل علاج وتعليم وخدمات أخرى مجانية (والغالي بي غلاتو يشوفك نجوم الضهر) بل تنهبه (على عينك يا بطل)، هذا ما يحدث في دولة المشروع الحضاري، بينما أمريكا التي يقف البطل حائراً أمام أمر مسلميها بين العناد والجهاد تعيد الضرائب الفائضة إلى دافعيها فيما يعرف بال(Tax Rebate). إنشغال البطل بقضايا الحوار المفتوح حتى مع الشيطان، ولا فخر، والدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل والحوار معها أسوة بشهيد الفكر والسادات وبورقيبة وتأييد كامب ديفيد وكونه رجل من بين الرجال يجتهد فيخطئ أو يصيب وكونه يرجو أن يصير عبداً من العباد الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، هذا كله لا يضعه فوق النقد (ولو حتى من صغار الكتاب الطموحين الباحثين عن مكانة تحت الشمس ببركاته) وإلا كيف سيستبين خطأ إجتهاده من صوابه. شاعت تسمية بين مستخدمي مواقع الحوار الإلكترونية كسودانيزآونلاين وسودان للجميع (Sudan For All) وهي تسمية (معارضة المعارضة) وتُطْلَق ممن يطلقونها لتصف أناساً يكتبون بالاساس ذماً في المعارضة وفي طرائق معارضتها لسلطة المؤتمر الوطني بينما لا يتناولون بنقدهم البتة (العصبة المنقذة) وحقوق ملكية المصطلح بالكامل للبطل. طافت بذهني هذه التسمية الحصيفة عندما قرأت الفقرات من 4 إلى 6 من مقالة البطل. فالبطل وبالرغم من إستعماله فقه معارضة المعارضة في الفقرات أعلاه ك(مخارجة) من ورطة عدم الكتابة الناقدة لل(عصبة المنقذة) الورطة التي أصبح لا يرفضها حتى البطل نفسه بل ويسعى لتبريرها، وبلغ في ذلك قوله (فإن الكتابة الصحفية لا تغني عن العمل السياسي الحقيقي ولا تسدُّ مسدّه، ولا تؤدى وظيفته، كما يظن البعض). البطل لم يخبرنا إذاً ما هوالعمل السياسي الحقيقي، وأرادنا، مستقلاً نجوميته ككاتب لا تراجع أحكامه عند كثيرين، أن نصدق هروبه هذا. فإن لم تكن الكتابة الصحفية في بعض الأحيان والحالات ضرباً من ضروب الفعل السياسي وليست بالطبع كل الفعل السياسي (السلبي والإيجابي) فتحت أي ضرب من ضروب الأفعال يمكننا أن نصنف (أيها الإنقاذيون: الدين النصيحة) و(العبد في التزوير والرب في التدبير)؟ المناصحة الصحفية فعل سياسي سلبي يندرج تحت باب الإنحطاط خاصة إذا كانت تسدى لسلطة سياسية مزورة للإنتخابات ومرتكبة لجرائم حرب في دارفور وتمارس الفساد (ولا تغطي دقنها، المثل يقول البرقص ما بغطي دقنو) وتنكل بالصحفيين الأحرار وبخصومها السياسيين. مرتضى جعفر الخليفة مترجم Murtada El khalifa [[email protected]