د.صبرى محمد خليل - استاذ الفلسفه جامعه الخرطوم [email protected] 1) الشرع يوجب النظر الفلسفي: بدأ ابن رشد بتحديد معنى الفلسفة (فعل الفلسفة ليس أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع)(1) والشرع قد ندب على ذلك أو واجب العمل به كما في قوله تعالى (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) "العراف: 184" (فاعتروا يا أولي الأبصار) "الحشر: 2". الاعتبار والنظر لا يكون إلا بالقياس العقلي" إذ الاعتبار ليس شيئاً أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه، هذا هو القياس أو بالقياس(2) ولئن قال قائل أن النظر بالقياس الفقهي لم يكن في أول الإسلام ولم يقل أحد بدعة إلا طائفة من الحشوية. ولما تبين أن الشرع يحث على الأخذ بالقياس العقلي ويوجبه كان على الناس الواجب على المفكر أن يدرس قوانين القياس وذلك بتعلم المنطق والفلسفة. 2) الشرع باطن وظاهر: ضرورة التأويل: ويرى ابن رشد أن الفلسفة موافقة للدين والدين موافق للفلسفة فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه وإذا كان في القرآن والحديث أقوال والحديث تخالف في ظاهرها حقائق الفلسفة وتوهم أن الفلسفة تضاد المشرع فإن ذلك ما هو إلا ظاهر يقبل التأويل ولهذا المعنى أجمع المسلمون على أنه ليس يجب أن تحل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها. والسبب في ورود الشرع فيه الظاهر و الباطن هو اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم في التصديق. ولما أراد ابن رشد أن يصف البشر عمد إلى نظرية الفلاسفة في تقسيم القياس فقال أن الفلاسفة قسموا القياس إلى ثلاثة أنواع: 1) القياس البرهاني: يقوم على مقدمات يقيني ويرتكز على مبدأ أول من مبادئ العقل وهو من ثم ذا نتيجة يقينية وهو القياس الفلسفي. 2) القياس الجدلي: ويقوم على مقدمات محتملة وتكون النتيجة محتملة وهو لا يصلح إلا أن يكون أداة للجدل والمناظرة. 3) القياس الخطابي: ويستند إلى مقدمات واهية موافقة لاستعدادات السامع العاطفية فهو قياس عاطفي يهدف إلى التأثير أكثر مما يهدف إلى الإفهام. وعلى هذا الأساس قسم ابن رشد البشر إلى ثلاثة أصناف: البرهانيون وهم الفلاسفة والجدليون وهم المتكلمون والخطابيون وهم عامة الناس. 3) قانون التأويل: وللتأويل قانون لابد من التمسك به "فالناس على ثلاثة أصناف: صنف ليس هو من أهل التأويل أصلاً وهم الخطابيون الذين هم الجمهور الغالب وصنف هو من أهل التأويل الجدلي وهم الجدليون وصنف هو من أهل التأويل اليقيني وهؤلاء هم البرهانيون.(1) فالتصريح بالتأويل يجب أن يحصر في أهل البرهان لن التصريح بالتأويلات اليقينية لمن هم من أنصار الظاهر ولا يمكنهم من فهم المؤول لأنهم من غير أهله فيجب إذاً أن لا يصرح بالتأويل للجمهور. ومن هنا يحمل ابن رشد على المتكلمين عامة والغزالي خاصة لأنهم أولوا آيات كثيرة وصرحوا بتأويلهم للجمهور (فأوقعوا الناس من قبل ذلك في شتات وتباغض وحروب ومزقوا الشرع وفرقوا الناس كل التفريق)(1) 4) الشرع يتم العقل: فللشرع إذن معنيان باطن وظاهر وهما في الحقيقة معنى واحد فلسفي إن خالفه الظاهر رد إليه بالتأويل وإلا بقي على حاله غير تأويل ومن ثم فمن الخطأ أن تنسب إلى ابن رشد تلك الازدواجية التي تنسب إليه قديماً. فالشرع جاء متمماً للعقل والوحي يزيد على الحقيقة الفلسفية أوصافاً ورموزاً توافق عقلية الشعب وتحثه على العمل الصالح. وهكذا كان الوحي متمماً لعجز العقل في الناحية العلمية فمعنى الملائكة في الشرع عقول الأفلاك، ومعنى الجنة والنار والثواب والعقاب المعرفة العقلية في العالم الآخر في شكلها الخاص إيجاباً وسلباً ومعنى الخلق من العدم الفيض الضروري ومعنى حشر الأجساد الانتقال من طور إلى طور في المعرفة العقلية. ويختم ابن رشد تصوره للتوفيق بين الفلسفية والشريعة بتقريره أن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة وهما المصطحبتان بالطبع، المتحابتان بالجوهر. تقويم: • طرحت مشكلة التوفيق بين الدين والفلسفة في الفلسفة الإسلامية عامة وعند ابن رشد خاصة لأن الفلاسفة الإسلاميين اتخذوا الفلسفة اليونانية نقطة بداية رغم أنهم نموها وطوروها بعد ذلك لتوافق الدين الإسلامي وهنا حدث تناقض بين الدين وبعض مفاهيم ونظريات الفلسفة اليونانية مثل القول بقدم العالم وإنكار حشر الأجساد وإنكار علم الله بالجزئيات. • كما أن الذي انتهى إليه ابن رشد لهذه المشكلة جعل الحقيقة الفلسفية وعلى وجه الخصوص فلسفة أرسطو التي كان ابن رشد أحد أكبر أنصارها وشراحها فوق الحقيقة الدينية ويتضح لنا في جعله القياس البرهاني الذي يستند إليه أهل التأويل البرهاني (الفلاسفة) أعلى من القياس الخطابي. • كما أن ابن رشد ليدعم هذا الحل الذي قدمه قدم تعريفاً للفلسفة قد يوافق عليه الفلاسفة الذين يؤمنون بوجود إله. لكن هناك فلسفات تنكر وجود الإله وبالتالي فإن هذا التعريف قد لا يتفق عليه كل الفلاسفة.