واضح من تصريحات ملانا دوسة وزير العدل المتواترة أنه يغالب أوضاعاً صادمة لحسه بالعدل في الوزارة والدولة عامة. أذكر أن بدأ بالدفاع عن وجود نياباته في مقار المصالح الحكومة التي تمثلها. وقال إن هذا أمر لا يجرح في حيادية نياباته. ولم يكن هذا رأيي. ثم اشتكي في مرحلة تالية من بؤس اعتمادات النيابات حتى عدمت وسائل الحركة لأداء دورها بالصورة المطلوبة. ثم عاد يلوح بإجراءات تمنع شبهة استغلال العدالة. فهو لن يسمح لحصانات الجهاز التنفيذي بتعويق العدالة. وقال إنه سيمنع الجمع بين منصب المستشارية لجهة حكومية ووكالة النيابة . ولمح إلى جهة لم يسمها كانت تضغط على الخصوم مستخدمة وكلاء النيابة كوسيلة للغاية. وناشد مرؤوسيه أن يتحلوا بالشجاعة في بسط العدل. واضح أن "غريق" دوسة "لقدام لقدام".فمشكلة وزارة العدل مع العدالة أنها لم تقم اصلاً لتحقيق العدل. وقد طبعني على استنكار وجود وزارة للعدل فينا المرحوم نجم الدين نصر الدين حين قدمت لكتابه "مقاربات قانونية". ففيه دعا بصريح العبارة إلى تخريد قانون الإجراءات الجنائية 1991 (مادته 58 جعلت النائب العام سلطة قضائية موازية يطوي بها سجل البلاغ الجنائي في أي طور من أطوار التقاضي). وطلب نجم أن نعود إلى قانون الإجراءات الجنائية لعام 1974 الملتزم بالقانون الإنجليزي الذي للقاضي فيه سلطات التحري والحفظ على بينة مما استولى عليه النائب العام في 1991. وزارة العدل زائدة عن حاجة العدالة وأصبح الناس بها في مسغبة للعدل. ولتعذرني المحكمة الدستورية إن قلت أن قرارها بلاقانونية الطعن في حفظ النائب العام للبلاغ الجنائي كما تقدم قد ذهب في الوجهة الأخرى منا نحن الذين ندعو إلى حل وزارة العدل. ومع أن مولانا صلاح التجاني لا يذهب مذهبنا إلا ان مقالته ب"الراي العام" (16 يونيو 2010) مؤشر على أننا دعاة حل وزارة العدل ربما كنا على شيء من الصحة. علق مولانا في مقاله على قرار المحكمة الدستورية (12-6) الذي قضت فيه بأنه لا يجوز الطعن في سلطة النائب كما تقدم. ورأى مولانا في قرار الدستورية تنصيباً لوزير العدل كسلطة موازية للقضائية. فإطلاق يد هذا الوزير في حفظ البلاغ يفرغ استقلال القضاء من محتواه. بل قد يؤدي إلى أن يأخذ المواطنون القانون بيدهم طالما لم يروا سفور إجراءات العدالة أمام ناظريهم. ويتحقق هذا السفور في المحاكم بالبينة على اليمين. ولا يراه الناس عند النائب العام الذي تتم إجراءاته و"تنبل" قرارته من وراء حجاب. وقد أخذ قتلة المرحوم محمد طه محمد أحمد القانون بيدهم حين حفظ النائب العام بلاغاً ضده. وربما انتبه الناس للمحاكمة المغيظة البديلة التي عقدها قتلة المرحوم وهو في أسرهم تعويضاً عن المحكمة الحق التي كان مفروضاً أن تنعقد له لو تدخل النائب العام. وأكثر ما يغبن شكاة الحكومة أن يتمتع النائب العام، وهو المستشار الرسمي للحكومة، بسلطة تجعل منه خصماً وحكماً.فبيده حفظ بلاغاتهم. وقرأت في كتاب المرحوم نجم الدين نصر الدين تنزه النائب العام حتى عن بيان أسباب حفظه للبلاغ. وقد وقفت على حال متظلم من النائب العام كان أقصى مطلبه منذ 10 سنوات أن يعرضوه على القاضي والحاي الله والكاتل الله. وصفت مرة تنكب العدالة عندنا بأنه "جور"وليس مجرد ظلم. استفدت ذلك من مقطع شعري للرباطابي ود اب جارة المشتكي من جور العمدة. فقال إنه مظلوم ظلماً "بقالو حَقَر". فالجور تعريفاً هو ظلم صار حقراً. وإذا استمر فينا النائب العام بسلطانه المعزز كما رأينا لتعدينا الظلم إلى الحقر.