يعتبر الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي (محمد بشير) واحدا من أكثر الكتاب والمفكرين السودانيين عكوفا على القراءة والمراجعة المستمرة لواقعنا السياسي والاجتماعي، وقد أتاح له وجوده الطويل بالخارج أن ينظر للأمور بعمق وتمهل ويعمل فيها مبضعه باقتدار وتمكن، لا تتيحها الظروف لمن يكتب من هنا، كما أن اتساع أفق الصاوي وملامسته لتجارب إقليمية وعربية وعالمية جعلته يعمل بذهن مفتوح ومنفتح. والصاوي، الذي عرف بهذا الاسم لسنوات طويلة، رغم أن اسمه الحقيقي هو محمد بشير، رفد المكتبة السودانية والعربية بكثير من الكتب المهمة والمحفزة على التفكير والتفاعل معها، اقترابا أو ابتعادا. هذا بجانب مقالات كثيرة في صحيفتي "الصحافة" و"الأحداث" وقبلهما "الخرطوم" و"الأضواء"، وموقع "الحوار المتمدن"ومجلة المستقبل العربي" وغيرها. ويكتب الصاوي كثيرا في مسالة مراجعة أفكار ومواقف التيار القومي، الذي جاء من صفوفه، ثم قضايا الهوية والديمقراطية والوحدة في السودان، وإشكاليات التخلف والتنمية. وقد عكف خلال الشهور الطويلة على موضوع الاستنارة والمعرفة وعلاقتهما بالديمقراطية وكتب سلسلة من المقالات في هذا الاتجاه، توجها بورقته الأخيرة والتي تحمل عنوان "معاً نحو عصر تنوير سوداني - إطار عام لإستراتيجية معارضه مختلفة". ويبدأ الصاوي بتحليل جذور الأزمة السودانية التي يرجعها للفشل في تأسيس مشروع ديمقراطي سوداني بسبب قصور النمطيين الحزبيين التقليدي (الأمة والاتحادي) والحديث (الشيوعيون والإسلاميون والقوميون) وعجزهما عن احتضان رصيد استناري ونهضوي لا غنى عنه لأي مشروع ديمقراطي. ففي عرف الصاوي، مثلما أن لا ديمقراطيه بلا ديمقراطيين، أيضا لا ديمقراطيين بلا استناريين. وهولا يصل لهذه النتيجة بالقفز العمودي، ولكن عبر تحليل مطول وممتع. ويصل لأن حتى حضور الحركة الشعبية في السنوات الأخيرة لم يستطع أن يغير المعادلة لصالح الاستنارة لمحدودية دور الحركة بسبب قيود نيفاشا من جهة، وتضعضع الوزن النوعي للقوي الحديثة وبالتالي ضعف القابلية للتجاوب مع مضمون شعار " السودان الجديد ". ويطرح الصاوي إستراتيجية جديدة لمعارضة مختلفة تقوم على الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثة والاستنارة وإعادة تأسيس المشروع الديمقراطي، قائلا إن أي معارضة تتجاهل هذين البعدين ستفشل في طرح نفسها كخيار بديل، مهما حققت من نجاحات عسكرية، وحتى لو أسقطت النظام فإنها ستعمل على إعادة إنتاج الأزمة العامة بما يولد أنظمة أكثر شمولية. وتقوم الإستراتيجية على جناحي الإصلاح التعليمي والمجتمع المدني. فهي تدعو لإصلاح السلم التعليمي، تخفيف حجم المنهج، وزيادة نصيب التعليم في الميزانية الاتحادية والولايات. ثم تدعو لتوظيف المجتمع المدني كهدف، وتنشيطه كوسيلة للإصلاح والتعيير كما حدث في عدد من دول أوروبا الشرقية. ويقول الصاوي إن العمل في هذين الاتجاهين سيزيد من فعالية المعارضة تجاه كل القضايا التي تتبناها مثل التحول الديمقراطي، تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي، صيانة الوحدة الوطنية.. الخ.وهو يراهن بأن الحراك الذي ستولده هذه الإستراتيجية ، سيميل بميزان القوي السياسي لمصلحة المعارضة تدريجيا بما يمكنها من تحقيق نجاحات في بعض الجوانب لاسيما تلك التي تركز عليها الإستراتيجية، ولكن أيضا في القضايا الأخرى المطروحة على أجندة المعارضة. أتمنى أن لا يكون هذا التلخيص مخلا، لكنه على العموم لا يصلح بديلا عن قراءة الورقة وإنما هدف لتحفيز المهتمين بقراءة الورقة ومناقشتها، ومهما كان الموقف من الورقة فإن مجرد الانخراط الجاد في نقاش مثل هذا سيرفع من مستوى الحوار إلى قضايا إستراتيجية وفكرية عالية القيمة، وفي هذا وحده خير كثير.