حضرت الى مدينتى كسلا منقولا من ديوان النائب العام لاكون مساعدا لوكيل نيابه كسلا الاستاذ محمد احمد عبده ابو عمار . وكان مكتب النيابه عباره عن مكتب واحد بمركز شرطه كسلا او على الاصح فى الجناح الخاص بشرطه المنطقه وكان موظفى النيابه يتقاسمون شرطه السجلات بالمكتب المجاور . وصحبنى الاستاذ ابو عمار للتعرف على رئيس شرطه المركز والضباط الاخرين بمركز شرطه كسلا وكان رئيس شرطه المركز العم المرحوم مقدم خضر على بشير فقد بدأ حياته بالشرطه كجندى عادى او نفر حسب لغه العسكريه وتدرج الى ان وصل رتبه المقدم . وكنت اعرفه منذ ان كنت طالبا بالمرحله الوسطى حيث كنا نخرج فى المظاهرات وكان العم خضر يومها ( صول ) فكان يتصدى لنا بحزم وقوه وكنا نهابه الا اننا كنا نحيل يومه الى كابوس . كان فذا وذكيا الى ابعد الحدود فقد كان مسئولا فى فتره من الفترات عن الحدود ومكافحه التهريب وكان يمتلك حاسه متفرده فقد يحرك جنوده فى ايه لحظه نحو الحدود قائلا لهم اليوم سوف يكون هناك تهريب من المدخل الفلانى وبالفعل يتحرك بعربه الكومر ويوقف العربه فى مكان بعيد من موقع الكمين فياتى الى المدينه وبصحبته المهربين والمواد والسلع المهربه . ومن قوه الملاحظه التى عرفت عنه كان يذهب الى مدخل المدينه المؤدى الى زريبه السعف بانتظار قافله الحمير التى تاتى بالسعف وينظر الى القافله ويقول لافراده احضروا الحمار رقم 4و7و 8 و9 مثلا ويقوم بانزال ربط السعف وفكها ويفاجأ الجميع بان هناك خمورا كانت مخباه وسط السعف . كان عفيف السان نظيف اليد فقد حاولوا رشوته اكثر من مره وتهديده بالقتل اكثر من مره الا انه كان لا يخاف فى الحق لومه لائم . وكانت هناك كوكبه من المتحرين الذين كنا نعتمد عليهم كنيابه عامه وكان كل متحرى له تخصص فى جرائم بعينها فقد اشتهر الضابط شوقى عثمان فى التحرى فى قضايا المال العام وكذلك العم الضابط ابو عوه واشتهر عوض الفضل والقطبى فى التحرى فى قضايا القتل واشتهر الضابط محى الدين عطا المنان فى التحرى فى قضايا التهريب واشتهر الضابط ادريس على نمر فى التحرى فى قضايا الارهاب والخطف وهذه العينه من القضايا سوف نخصص لها حلقه خاصه . كانت العلاقه ما بين النيابه والشرطه ومحكمه القاضى المقيم علاقه متميزه كانت كلها تدور حول العمل ودقته وسرعه انجازه لم يكن هناك تهاون من اى طرف من الاطراف لذلك كان الايقاع منسجما فى لحن عدلى متفرد . وفجاه تم نقل الاستاذ محمد احمد عبد ابو عمار ليكون مستشارا لحاكم الاقليم الشرقى ووجدت نفسى وحيدا اشرف على التحرى فى كل من كسلا واروما والقربه وحلفا الجديده واقوم بتمثيل الاتهام فى قضايا القتل والمال العام . وبخصوص قضايا المال العام كان المراجع العام بكسلا يرسل لى اول باول خطابات مشفوعه بتقرير شامل منه عن ايه اختلاسات للمال العام . وكنا فى ذاك الزمان نخاطب الموظف المختلس ونفيده بان هناك تقرير صدر من المراجع العام وان هناك مبلغ وقدره كذا تحت مسئوليتك المباشره واننا وبناء على هذا التقرير نمنحك فرصه 72 ساعه فقط لرد المبلغ او ان نقوم بفتح بلاغ فى مواجهتك . ومن يقوم يرد المبلغ محل التقرير نخاطب وحدته الاداريه لمحاسبته اداريا ولها الحق فى فصله او توقيع ايه عقوبه اخرى يقررها مجلس المحاسبه . واذكر فى ذات مره وصلنى بالبريد خطاب من فاعل خير يفيد فيه بان موظفين باحدى الوزارات الاقليميه بكسلا يصرفون ( بدل ميل ) ويستعملون العربات الحكوميه وليست لديهم عربات خاصه فارسلت الخطاب للمراجع العام للتأكد من هذه الواقعه وقد صدق فاعل الخير فى كل ما ذكره . واصدرت اوامر تكليف بالحضور للموظفين المعنيين بالامر واخطرتهم بانهم يصرفون بدل ميل ونريد استرجاع هذا البدل الذى صرفتموه بدون وجه حق واقترحت عليهم ان نوقف اولا صرف بدل الميل وان يخصم من مرتباتهم شهريا ما كانوا ياخذونه كبدل ميل الى ان يتم سداد المبالغ التى اخذوها بدون وجه حق او ان افتح بلاغات فى مواجهتهم فما كان منهم الا الموافقه على اقتراحى . والشرطه او البوليس فى ذاك الزمان بالرغم من شح الامكانيات الا انهم كانوا اصحاب القدح المعلى فى الحفاظ على الامن العام وسلامه المواطنيين فى ارواحهم وممتلكاتهم . ويحضرنى هنا رجل المباحث الساحر عبد السلام كان يعرف كل مجرمى سرقات الكسر وعرف طريقه كل منهم واسلوبه فما تقع سرقه وياتى عبد السلام الى المكان وينظر اليه فيقول لهم اذهبوا وابحثوا عن المجرم فلان ويكون حدسه صحيحا بعد احضار المجرم واقراره . واذكر اننى كنت فى مره من المرات فى حمله تفتيش للخمور المستورده فدخلنا احد المنازل وبحثنا فى كل مكان الا اننا لم نجد خمرا بحثنا حتى فى ابراج الحمام والدجاج بالمنزل وقلت له يا عبد السلام مافى حاجه فقال لى يا مولانا ما تستعجل فى كثير . وبدأت انظرالى تصرفات الرجل ودخل احدى الغرف كانت توضع فى وسطها تربيزه كبيره وعليها ملاءه تمس الارض . فما كان منه الا ان ازاح التربيزه من مكانها وبدا يدق الارض بعصاه فجاء صدر صوت من الارض يدل على ان هنك تجويف وتمت ازاحه التربه من هذا المكان فوجدنا صينيه كبيره تغطى حفره فى الارض وبداخل هذه الحفره زجاج الخمور المستورده . الم اقل لكم بان الرجل ساحر . رحم الله العم عبد السلام فكم كم كشف من الجرائم الغامضه . كانت يوميه التحرى فى ذاك الزمان عباره عن كراسه كبيره تحمل رقم متسلسل مرقمه الصفحات كل متحرى تصرف له عدد من يوميات التحرى من الرقم كذا الى الرقم كذا . وكان لا يستطيع المتحرى ان يخلع ايه ورقه من يوميه التحرى لانها مرقمه اما الان فان التحرى يتم فى ورق عادى وقد تاتى الى المتحرى فيطلب منك ان تحضر ورقا للتحرى . كان البوليس او الشرطه اسرع من البرق فى مكان الجريمه . وكنا فى حاله وجود جثه نتيجه جريمه او وفاه عاديه نتحرك فى شكل تيم الطبيب الشرعى وقصاص الاثر والمصور وخبير البصمات والضابط المختص فيقوم كل منهم باداء واجبه حيث يتابع قصاص الاثر الاثار ويقوم المصور بتصوير الجثه من عده اتجاهات ويقوم خبير البصمه برفع البصمات ان وجدت ويقوم الضابط بحصر الاشياء حول الجثه ويقوم الطبيب الشرعى بفحص الجثه فحص اولى فى مكانها ثم يشرح طريقه رفعها بالعربه وانزالها . وكانت هذه الاجراءات تسهل اكتشاف الجريمه فى سرعه مثاليه . ومع كل هذا كان يقع على عاتق وكيل النيابه تفتيش الحراسات يوميا فى كل نقاط المدينه . كان عملا شاقا ولكن من اجل تحقيق العداله كنا نقوم باداء واجبنا على اكمل صوره . ونواصل فى الحلقه القادمه باذن الله . عبد الله احمد خير السيد المحامى / كسلا عبد الله احمد خير السيد خير السيد [[email protected]]