كثر الحديث عن الفساد والطرق الكفيله بمكافحته .. واحسب ان من ابجديات العمل من اجل مكافحه الفساد تحجيم السلطه التنفيذيه ومنعها من التدخل فى عمل النيابات او عمل القضاه المشرفين على التحرى فى المناطق التى لا توجد بها نيابات ... ومن واقع تجربتى كوكيل لنيابه كسلا فى الفتره من 1982 الى العام 88 كانت تجربه فريده ويومها كان النائب العام لا يساوم فى سبيل ارساء اركان العداله وكان هناك تناغم ما بين النيابه والمحاكم ... وفى عام 83 تم نقل استاذى الجليل محمد احمد ابو عمار مستشارا لحاكم الاقليم الشرقى وكان وقتها الحاكم السيد/حامد على شاش الادارى المحنك والرجل البسيط فى حياته وعلاقاته ... واصبحت وحدى بالنيابه وكان على الاشراف على التحرى بكل نقاط شرطه مدينه كسلا وضواحيها والاشراف على التحرى فى قضايا القتل والمال العام وقانون امن الدوله بمدن حلفاالجديده وخشم القربه واروما بالاضافه الى كسلا ... و هناك منشور صادر من النائب العام يلزمنا بتمثيل الاتهام فى هذه القضايا ورفع تقرير للنائب العام عن كل دعوى جنائيه تتعلق بهذه القضايا . ولا انسى ابدا منشور النائب العام الذى يحرم على المستشار فى اى موقع كان يحرم عليه استلام اى حافز من ايه وزاره اتحاديه او اقليميه او ايه هيئه حكوميه او شبه حكوميه لان فى ذلك شبهه الرشوه ... وكان المرتب كافيا تماما وفائض ايضا ... كان المراجع العام بالاقليم يقوم بالمراجعه سنويا وقد تتم المراجعه لايه جهه حكوميه بامر يصدر من النيابه .. وكانت تقارير المراجع العام تاتى مفصله تحدد المبالغ محل خيانه الامانه من الموظف العام ومستنداتها وتحدد اسماء الاشخاص الذين قاموا بالاعتداء على المال العام ... وكنا لا نتردد ابدا فى فتح البلاغ فى مواجهه الموظف المسئول ونطلب من الجهه التنفيذيه التى يتبع لها ايقافه عن العمل . وكانت الضمائر حيه ولم تكن النفوس مريضه ولم تكن هناك شراهه ... واذكر فى احدى المرات وصلتنى رساله عن طريق البريد من فاعل خير حيث اشار فاعل الخير الى اسماء موظفين كبار يستعملون عربات الوزاره الاقليميه التى يتبعون لها وبالرغم من ذلك يقومون بصرف ( بدل ميل ) وبدل الميل يصرف للشخص الذى يستعمل عربته الخاصه لاداء مهامه الوظيفيه .. فما ترددت ابدا وارسلت الرساله للمراجع العام بكسلا وطلبت منه التأكد من صحه ما ورد برساله فاعل الخير .. وفوجئت بعد ايام بتقرير من المراجع العام يؤكد صحه خطاب فاعل الخير وامام كل موظف المبلغ الذى صرفه وتاريخ بدايه الصرف ... وعندها كتبت خطاب للوزير المحتص اطلب منه امر الموظفين المعنيين بمقابلتى بالنيابه فى يوم محدد وزمن محدد .. وحضر الجميع الى مكتبى فاخرجت لهم تقرير المراجع العام وامرتهم برد المبالغ التى قاموا بصرفها من المال العام وذكروا بانهم لا يملكون هذه المبالغ فاقترحت عليهم ان تخصم من مرتباتهم شهريا فوافقوا على ذلك وخاطبت المراجع العام لمخاطبه الوزير المختص بوقف صرف بدل الميل واستقطاع ما اخذوه من مال عام من مرتباتهم شهريا وتم قفل الامر دوةن فتح بلاغ كما امرنا بمحاسبتهم اداريا . وكان الفساد فى ذاك الزمن نادر الحدوث ويبدو ان الظروف الاقتصاديه كانت تلعب دورا هاما فى حياه الناس من يصدق ان الزمان الذى اتحدث عنه كان سعر جوال السكر ستين جنيها فقط ( ستين قرشا ) من يصدق ان مرتب الوزير الاقليمى كان لا يتجاوز 400 جنيه .... اذكر ان ابن حاكم الاقليم الشرقى ارتكب مخالفه تحت قانون حركه المرور ولانه ابن حاكم الاقليم الشرقى اشرفنا على التحرى وتم القبض عليه مثله مثل ا ى مواطن وتم اطلاق سراحه بكفاله وفقا لاحكام قانون الاجراءات الجنائيه وتم ارسال الاوراق مباشره الى المحكمه عن طريق السيرك وتمت محاكمته ولم يتدخل السيد حاكم الاقليم الشرقى فى هذا الامر بل لم يكلف نفسه عناء الاتصال ولو تلفونيا لانه يؤمن بسياده احكام القانون وانه لا شخص يعلو على القانون ... والان هل من يستطيع فتح بلاغ فى مواجهه سائق الوالى ناهيك عن ابنه ؟ لم تتعدى بلاغات التعدى على المال العام اصابع اليد الواحده طيله فتره عملى بنيابه كسلا لمده خمسه سنوات واكثر ... كانت المرتبات كافيه ولكن فى هذا الزمن لا اظن بان المرتب يكفى وجبه الافطار للاسره ناهيك عن متطلبات الحياه الاخرى .. والمعالجه تكمن فى علاج جذور المشكله الاقتصاديه اساسا ... والمعالجه تكمن فى محاكمه الروؤس الفاسده فى البدايه ويجب ايضا من اجل ارساء العداله اعاده النظر فى مرتبات مستشارى النيابه حتى لا يمدوا ايديهم الى حوافز السلطه التنفيذيه ... ويجب النأى بهم عن الشبهات واكرامهم ومنعهم من مزواله ا ى عمل اخر . عبد الله احمد خير السيد المجامى /كسلا