في العام الماضي؛ ومع احتدام الجدل حول أهمية، أو عدم جدوى تحليق طائرة الرئيس البشير خارج السودان، أصدرت جماعة تطلق على نفسها " هيئة علماء السودان" فتوى "؛ مضمونها تحريم سفر البشير لخارج البلاد، لما في السفر من مخاطر، لكن البشير بتقديراته السياسية، والأمنية سافر وبلعت الهيئة فتواها، والتي أوهمت المتلقين بأنها " شرعية "، ولم نسمع بعد ذلك ما يضحد " فتاوي الهيئة. أو ما يثبت أن البشير خرج عن "الملة" لأنه لم يسمع كلام "علماء الدين!. واليوم؛ والبلاد كلها تقف فوق فوهة بركان. والقلق على مصير البلاد يتملك الجميع، وهي تقف في مفترق الطرق بين أن تكون أو لا تكون، وفي وقت تعلو فيه أصوات كثيرين غناءً "للوحدة" دون تفصيل نوع "الوحدة التي يريدون" فيما أدرك البعض معنى التنوع الثقافي، والتعدد الديني، وحقوق غير المسلمين في عاصمتهم ولو في الساعة الخامسة والعشرين يخرج هؤلاء "العلماء" ليهددوا، ويتوعدوا، ويلوحون "بمجازفات" تواجه اتفاق السلام الشامل، لأن البعض يريد الالتفاف حول القوانين الإسلامية.! ولم يقل لنا هؤلاء " العلماء" أي قوانين ؟. وأية تشريعات.؟. أو لعلهم يقصدون قوانين "النظام العام" التي لم توضح لنا الجهات المشرعة على أية مرجعية فقهية أو دينية استندت عليها؛ في قرار أن يكون زمن انتهاء الحفلات عند الساعة الحادية عشرة مساءً وليست العاشرة، أو منتصف الليل!؟. وأي حديث نبوي!؟.و أية آية قرنية!. ولم يقولوا لنا عن تلك المرجعية التي تطارد بائعات الشاي في الشوارع ولو عن طريق "الاجتهاد أو القياس"،؟ . أو تلك المرجعيات التي تصادر حقوق غير المسلمين، وتحظر عليهم ممارسة أنشطتهم؟. رغم ذلك خرجوا مثل " طيور الظلام" ليشوشوا على " الخطوة الايجابية التي خطتها مفوضية غير المسلمين بعد سبات عميق، هو أقرب لنوم أهل الكهف بالإشارة إلى تعديلات في قوانين " وضعية" وضعها أناس ان لم يكونوا "متطرفين" فهم أناس عاديون لا يملكون الحقيقة المطلقة. ولا يفوقون بقية خلق الله في علمهم سوى إضافة كلمة " عالم ومشرع" وربما " فقيه أو مفتي ديار" ولكن يبدو أن المفوضية دخلت في " مزادات الجماعة" وتململت بالإشارة إلى أنها " لم تكن تقصد ما نقل عنها"! .ورغماً عن أن تلك القوانين التي أشاروا إليها اختزلت حقوق غير المسلمين في تمديد زمن الحفلة ساعةً!. أو حقهم في الأكل والشرب في نهار رمضان!. إلا أننا ندعم هذا التعديل واعتبارها " خطوة في طريق طويل" وبتهديدها؛ تريد تلك الجماعات أن تتحول إلى دولة داخل دولة، وأن تنزع حق السلطان، أو الحاكم، وتأخذه عنوةً؟. و أن تتعامل مع الدستور على أنه ورقة بلا جدوى، ولا غرو فهم نبت وجد له تربةً خصبة ومحمية منذ أمد بعيد ، يتغذى من شعارات ظلت ترفع في أوجة الحماس (فلترق منهم دماء أو ترق منا الدماء أو ترق كل الدماء)، وحين يكبر الصبي هنا ويدخل الجامعة، يغذي فكره من مناهج تحشو دماغه بكفر العلمانية، وفسق الديمقراطية، وغيرها من الأفكار القديمة، فكان أن شهدنا حوادث الخليفي، والموت الجماعي في مساجد الثورة، ومقتل الفنان خوجلي عثمان في أزمنة الغيبوبة والتيه. إن " هيئة علماء السودان" تهدف لإرهاب الناس بالإيحاء بأن من يقف ضد قوانين " النظام العام" سيدخل البلاد في " مجازفة"، ويعلمون أن كل البلاد دخلت في "المجازفة " حين انشغل العالم كله بقصة " بنطلون صحفية مرموقة"، ولم تستطع تلك الفئة الدفاع عن سمعة البلاد، ، وهي تسعى للتغييب بإضفاء القدسية على قوانين وضعية وربطها بالشريعة الإسلامية، وادعاء بأن ما تقوله هو الحقيقة، وهي لا تؤمن بأن للحقيقة أكثر من وجه ، وهي مرتبطة بإعمال الفكر، وتنشيط الذهن، وتفعيل العقل، وتشغيل آليات التفكير، والتفكير يعني الجرأة في استخدام العقل، والعقل هو في حد ذاته نعمة تميز بين الإنسان عن غيره من مخلوقات الله رب الكون، وهو ما يميز بين الوعي والغيبوبة ، والغيبوبة هي التطرف ، والتعصب ، والتعصب يعمي الأبصار، ويجعل الناس كالأنعام أو أضل سبيلاً، وحين يغيب العقل تسود الفوضى، وحين تسود الفوضى يخسر الجميع، وهو ما يريده من يتردد في داخله ذلك الصدى القديم (فلترق كل الدماء)..